نشرت ليدى غاغا على حسابها على موقع انستغرام صورة لها مع الفنان المصري وائل شوقي في افتتاح معرضه المقام حالياً في متحف "MOMO PS1" في نيويورك، مذيلة بتعليق وصفت فيه وائل بـ"المبدع العبقري، والفنان الأستاذ، وصانع الأفلام الأسطوري، وراوٍ مهم للتاريخ". وأشارت إلى أنها "تصاب برعشة في كل مرة تشاهد فيها عرضاً من عروضه"، إذ تسافر ليدى غاغا خلف عروضه من برلين إلى نيويورك. وختمت تعليقها بدعوة سكان مدينة التفاحة الكبيرة لزيارة المعرض، لأنهم محظوظون لوجوده في المدينة حتى نهاية شهر أغسطس.
"كباريه الحروب الصليبية" Cabaret Crusades ، هو عنوان المعرض الذي أشارت إليه ليدى غاغا، وهو آخر الأعمال الملحمية لوائل شوقي، وثمرة جهد متواصل وبناء متراكم امتد أربع سنوات. يتكون المعرض من قاعة لعرض الدمى التي صمم وائل بعضها، واستخدم دمى إيطالية جاهزة يعود تاريخها لأكثر من 200 عام. هذه الدمى هي أبطال ثلاثة أفلام تعرض في ثلاث قاعات مختلفة، تعيد سرد حكايات من التاريخ الدامي للحروب الصليبية. وقد اعتمد وائل في بناء مشروعه على كتاب أمين معلوف "الحروب الصليبية كما رآها العرب".
ولد وائل شوقي في الإسكندرية عام 1971، حيث لا يزال يعيش ويعمل. حصل على درجة البكالوريوس في الفنون الجميلة من جامعة الإسكندرية، التي كبقية الجامعات الفنية في مصر، تبتعد مناهجها عن السياقات الحديثة والمعاصرة، وتقتصر على الفنون الكلاسيكية، من دون الاقتراب من تدريس أي من المفاهيم والممارسات الحديثة، مثل الـVideo Art والوسائط المتعددة. لكن ما صنع الاختلاف في حالة وائل كان وجود الفنان فاروق وهبة، الذي أسس مرسماً لتعليم الفنون المعاصرة في التسعينيات في الإسكندرية. فقد لعب هذا المرسم دوراً كبيراً في تعريف الفنان الشاب بواقع المشهد الفني العالمي وممارساته، ليكمل دراسته بعد ذلك ويحصل على درجة الماجستير من جامعة بنسلفينيا عام 2000.
تتجول أعمال وائل شوقي بين ثلاثة مجالات أساسية هي الحقيقة، الخرافة، والتاريخ، فهو شغوف بتصورات المجتمعات الإنسانية عن تاريخها وهويتها. لذلك يعتمد في أعماله على مصادر أدبية وتاريخية يبني عليها العمل، مستخدماً كل الوسائل والأشكال من الصور الفوتوغرافية، والتجهيزات وأعمال الفيديو والعروض الأدائية. كما يولي في كل أعماله أهمية فائقة لعنصر الترفيه، لتمثل زيارة كل عرض من عروضه إغراءً جديداً للغوص داخل ما نعرفه عن أنفسنا والعالم والأفكار المسبقة.
[one_column] [/one_column]يشكل الدين عنصراً بارزاً في معظم أعمال وائل شوقي، ومن النادر أن نجد عرضاً له من دون أن نلمح ظلاً للإسلام ونصوصه، فالدين كما يقول وائل جزء أساسي من طفولته، التي عاش الجزء الأكبر منها في مكة.
مقالات أخرى:
"سور الأزبكية": نهضة ثقافية يُبددها سوق "العزيز بالله"
نادين الخالِدي، ماذا يفعل التراث العراقي في أوبرا مالمو؟
تتقاطع معظم أعماله مع أفكار الهوية المصرية والحكايات المهمشة والخفية من ذلك التاريخ. مثل المحاكاة التي قدمها لمشهد اغتيال رئيس الجمهورية المصري أنور السادات تحت عنوان "تليماتش السادات" Telematch Sadat ، أو "العرابة المدفونة"، الذي اعتمد فيه على نصوص الكاتب والروائي المصري محمد مستجاب، ليحيي التاريخ والأساطير المدفونة في أعماق الصعيد. استند شوقي في هذا العمل إلى تجربة زيارته لقرية العرابة في صعيد مصر، وكما الكثير من قرى الصعيد الفقيرة، تعيش القرية على الحفر والتنقيب عن الكنوز والآثار القديمة. في فيلم شوقي، يظهر الأطفال بملابس الرجال بشوارب مستعارة، ويقرأون مقاطع من نصوص مستجاب. يعتمد شوقي على الأطفال في معظم أعماله، ويقول في أحد حواراته: "لا يحمل الأطفال أي ذكريات دراماتيكية، لا يملكون أي أفكار جامدة عن سير الأمور. عندما نعمل مع الأطفال، لا نواجه أي تعقيد على مستوى التفرقة بين الجنسين أو على مستوى مهارات التمثيل. في الأساس، كأننا نتعامل مع الدمى. يتسم معنى الموضوع بأولوية قصوى، ما يبرر أهمية أن يكون السيناريو ممتازاً والمفهوم عميقاً. ويستطيع الأطفال أن يؤدوا الرسالة بشكل مذهل من دون أي كليشيهات".
بهذه الأدوات الفنية والمجالات المعرفية التي يتحرك فيها وائل، يعيد بناء مشاريعه الفنية خالقاً علاقات جدلية بينه وبين الأماكن التي تنتج فيها تلك الأعمال أو تعرض. على سبيل المثال في عام 2004 دعي إلى برنامج إقامة فنية في اسطنبول، في وقت كانت الاحتجاجات والجدل السياسي يعصف بتركيا ما بين مؤيد لسياسات الاندماج في الاتحاد الأوروبي، وبين من يريدونها أن تبقى دولة إسلامية. فقدم في هذا المناخ مشروعه "الكهف"، وهو فيديو يظهر فيه وائل يمشي داخل سوبرماركت كبير وهو يقرأ سورة الكهف بصوت مسموع. عمل زاخر بالتأويلات ومشتبك مع اللحظة الراهنة، إذ يمكن للسوبر ماركت أن يمثّل المجتمع الرأسمالي أو عالم الفن المعاصر، بينما يظهر هو كفنان مسلم من خلفية مسلمة، كما يعرّف عن نفسه.
THE CAVE 2005 from teoman madra on Vimeo.تكرر هذا الاشتباك في عمله "مربع الأسفلت"، الذي عرض في بينالي فينسيا، ومتحف قطر وعدد من المعارض في الإمارات والخليج. يستخدم وائل في مربع الأسفلت النص الروائي الشهير "مدن الملح" لعبد الرحمن منيف. وهي قصة مجموعة من الصيادين البدو يعيشون على الشاطئ، وتأتي شركات النفط الإنغليزية تقنعهم بالاشتراك معها لبناء منصات ومصانع وأشياء وأخرى. يبني هؤلاء العمال البدو على أرضهم من دون أن يعرفوا ماذا يبنون تحديداً. يذهب وائل إلى الصحراء الغربية المصرية ويطلب من الناس الذين يعيشون هناك إحضار أطفالهم للمشاركة، وبمساعدة 60 طفلاَ، يبني مدرجاً للطائرات ويوثّق الحدث، الذي صدقه الأطفال من دون معرفة الغرض منه.
نال وائل شوقي عدداً من الجوائز التقديرية من مختلف دول العالم، ومن مختلف المؤسسات الفنية. وعرضت أعماله في معظم المتاحف والمعارض العالمية، ومع ذلك حافظ على ارتباطه بمصر وبمدينته الإسكندرية. وفي عام 2011 أسس في الإسكندرية فضاء "ماس" كمساحة لتعليم الفنون المعاصرة، وخلق حوار بين الفنانين المصريين من أجيال وبلدان مختلفة.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يومينكل التوفيق ومقال رائع
Ahmad Tanany -
منذ 6 أيامتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعلا يوجد اله او شئ بعد الموت
Mohammed Liswi -
منذ أسبوعأبدعت
نايف السيف الصقيل -
منذ أسبوعلا اقر ولا انكر الواقع والواقعة فكل الخيوط رمادية ومعقولة فيما يخص هذه القضية... بعيدا عن الحادثة...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ اسبوعينمقال بديع ومثير للاهتمام، جعلني أفكر في أبعاد تغير صوتنا كعرب في خضم هذه المحن. أين صوت النفس من...