أثناء تحضيرها لعمل فني، احتاجت الفنانة البصرية "هالة القوصي" لإطارات عتيقة، وبدأت في تجميعها من محالّ التحف، واستديوهات التصوير القديمة. أفرغتها ورممتها، وأنجزت مشروعها عام 2009، وبقيت لديها محتويات الإطارات، وأعمال فنية متواضعة، ومفارش كانفاه وبالطبع صور قديمة، استخدمتها نواة أولى لجملة مقتنياتها من الصور القديمة.
تقول هالة القوصي إن الصور القديمة بالأبيض والأسود، والتواريخ المدونة عليها، أثارت اهتمامها المهني كفنانة بصرية، وبدأت استخدامها مفاتيح بصرية للبحث في تاريخ التصوير الفوتوغرافي المصري. جمعت القوصي صوراً من كل مراحل الفوتوغرافيا في مصر، بداية من صور المستشرقين عن مصر في نهايات القرن التاسع عشر، والاستديوهات الخاصة التي افتتحها الأجانب من الأرمن واليونانيين في العشرينيات من القرن العشرين، وحتى انضمام المصريين إلى مهنة التصوير في أوائل الخمسينيات.
تتبع هالة القوصي مسار التطور التقني في صناعة الفوتوغرافيا، والاعتبارات الجمالية التي اتبعها المصورون، من أجانب ومصريين، في تنسيق الصور، وتوافقها مع التغيرات في الأنماط الاجتماعية على مدار 150 عاماً. مثلاً كيف ينظر المصور المستشرق إلى المصريين؟ وما هي الصورة التي يحب أن يراها الأوروبي عن مصر؟ ما الصورة التي أصدرها المصريون عن أنفسهم حين سنحت لهم الفرصة؟ وعن طبيعة العلاقة بين الجنسين في محافظات مصر في ذلك الوقت. هذه الأبواب التي تفتحها الصور في قراءة التاريخ الموازي للمصريين.
الصور الفوتوغرافية مفاتيح التاريخ
يمكننا قراءة التاريخ المعماري والاجتماعي والسياسي من خلال الصور الفوتوغرافية. إذ عرضت هالة القوصي في السابق، صورة للإقطاعي القديم"عدلي لملوم" مقيداً بسلاسل السجن بعد قيامه وسبعة من أقاربه، بحرق قسم شرطة اعتراضاً على قوانين الإصلاح الزراعي، كما عرضت صورة لجندي من الجيش المصري يرتدي زي رائد فضاء في مشروع الفضاء المصري في ستينيات القرن، والذي لم نسمع عنه شيئاً. هذه قراءة أخرى للتاريخ الذي سجلته الصورة، وحرّفته الأداة الإعلامية لدولة يوليو مثلًا.
مقالات أخرى
وائل شوقي، فنان الحقائق والخرافات في كباريه التاريخ
قصّة أكبر ستوديو إنتاج في العالم العربي وأرشيفه المهدور
المدن المصرية خضعت لنحت الزمن وتطوراته، ازدهرت وانحدرت، ويبدو ذلك من توزيع استديوهات التصوير المرتبطة بشكل أساسي بازدهارها التجاري، واستقرار البورجوازية الجديدة فيها. ففي مقدمتها للألبوم الأول لمجموعة "فوتو مصر"، كتبت هالة القوصي أنه "مع ازدهار المدن المصرية، بالتزامن مع رواج صناعة القطن في أواخر القرن التاسع عشر، بدأت الاستديوهات في استقبال زوار من البورجوازية الجديدة. مصريون وأجانب يرتادون استديوهات المصورين في المدن المصرية الرئيسة حينها، القاهرة والإسكندرية والمنصورة وبورسعيد وطنطا والزقازيق والمنيا"... أين هذه المدن حالياً؟ تنام كالمدن القديمة بالطبع.
أصدرت هالة القوصي بالتعاون مع غاليري مشربية في وسط القاهرة، ألبومها التجميعي الأول من مجموعة فوتو مصر، باسم "صور الأفراح"، الذي يضم نحو 50 صورة من صور الأفراح المصرية، على مدار سبعين عاماً منذ بدايات القرن العشرين حتى السبعينيات منه. وهو خرج وليداً لمصادفات عدة، في عام 2014 بدأت القوصي بنشر عدة صور من مجموعتها الشخصية عبر حسابها على موقع Facebook، لاقت الصور إعجاب الأصدقاء وأثارت شغفاً لديهم، وتساؤلات ومباحثات حول تواريخها ودلالاتها التاريخية. في مارس من العام نفسه، أنشأت صفحة باسم فوتو مصر Foto Masr، لتأخذ مساحتها في الانتشار، حتى دعاها البعض إلى إصدار مقتنياتها الفوتوغرافية في ألبوم، مع معلومات موثقة حول الصور وتأريخها، فكان الألبوم الأول "صور الأفراح"، في مطلع العام الجاري.
من صور الأفراح إلى صور البحر
الصور المختارة لألبوم صور الأفراح تأتي في غالبيتها من القاهرة والإسكندرية في تواريخ مختلفة، بتغيرات تقنية محكومة بتطور التكنولوجيا الفوتوغرافية، واعتبارات جمالية مختلفة على مستوى الأزياء والديكورات وقصات الشعر، وفرق العمر بين الأزواج. في بداية القرن العشرين كان فرق العمر بين العروسين كبيراً، يبدو في ملامح العروس الشابة وشعر العريس الأشيب، والتقطت معظم الصور في استديوهات المصورين، والقليل منها في قاعات الأفراح والكنائس.
صدر الألبوم الأول ليتبعه 12 ألبوماً تتناول موضوعات مختلفة وتؤرخ لتاريخ المصريين مع الفوتوغرافيا. تستقبل هالة القوصي وصفحتها فوتو مصر الصور من مقتنيات أصدقائها، وتجمع معلومات كافية عنها لتُنشر في ألبوماتها المقبلة. وتحقق بذلك ما كتبته على الغلاف الخلفي لألبوماتها، أن "فوتو مصر هو أرشيف دائم النمو من الصور الفوتوغرافية من مصر، من أواخر القرن التاسع عشر حتى نهايات القرن العشرين، ومتاح بشكل رقمي للباحثين والمهتمين المتخصصين وغير المتخصصين على حد سواء".
تستعد القوصي لإصدار الألبوم الثاني من مجموعتها الفوتوغرافية "على البحر"، بغلاف يحمل صورة راقصة الثلاثينيات الشهيرة حينذاك، إنصاف رُشدي، بمايوه يحمل صبغة الحقبة، على خلفية ثابتة لبحر أخذت في أحد استديوهات القاهرة، ويضم صوراً من ثلاثينيات القرن العشرين، وحتى الثمانينيات منه للمصريين الذين يصطافون على البحر، ويضم صوراً من مجموعتها ومن مساهمات الأصدقاء.
هالة القوصي فنانة بصرية من مواليد عام 1974 القاهرة، درست في الجامعة الأمريكية في القاهرة، وفي كلية غولدسميث في لندن. وأقامت معارضها الخاصة منفردة في Göteborg Konsthall السويد (2009)، ومتحف Stedelijk Bureau هولندا (2006). كما عرضت أعمالها في متحف التصوير، في مدينة براونشفايغ، ألمانيا (2012)، وفي متاحف أخرى منها متحف قرطاج الوطني، تونس (2012)، متحف الفن والتصميم، نيويورك (2010)، ومتحف التايت موديرن، لندن (2007). وتجمع حالياً تبرعات لإنتاج فيلمها الروائي الأول "زهرة الصبار" في القاهرة.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يومينكل التوفيق ومقال رائع
Ahmad Tanany -
منذ 6 أيامتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعلا يوجد اله او شئ بعد الموت
Mohammed Liswi -
منذ أسبوعأبدعت
نايف السيف الصقيل -
منذ أسبوعلا اقر ولا انكر الواقع والواقعة فكل الخيوط رمادية ومعقولة فيما يخص هذه القضية... بعيدا عن الحادثة...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ اسبوعينمقال بديع ومثير للاهتمام، جعلني أفكر في أبعاد تغير صوتنا كعرب في خضم هذه المحن. أين صوت النفس من...