على امتداد ضفاف نهر النيل، من شمال العاصمة السودانية الخرطوم حتى تخوم الحدود السودانية المصرية، يمتدّ تاريخ حضارة من أقدم الحضارات التي عرفتها البشرية. إذ يعود عمرها لنحو 27 قرناً من الزمن: حضارة النوبة.
في تلك المنطقة، نحو 243 هرماً ومعبداً لا مثيل لها في أيّ مكان في العالم بحسب علماء الآثار، بفضل احتشاد هذا العدد الكبير من الأهرامات في حيّز مكاني واحد. وعلى الرغم من الإرث الأثري الزاخر للسودان، فقد ظلّ يشكو لعقودٍ طويلة من إهمال لحضارة كادت تصبح طيّ النسيان. ولم تُقصّر الطبيعة بعوامل تعريتها وزحف صحرائها، فدفن معظم التاريخ،
ثراء الحضارة النوبية يتمركز في مروي ونوري والكرو والبركل والبجراوية التي تقع على بعد 200 كلم شمال الخرطوم، وتضمّ أهرامات لرفات 20 ملكاً و8 ملكات و3 من الأمراء و10 من النبلاء الذين حكموا بلاد النوبة. ومن بينهم مدافن لملوك النوبة القدماء أمثال أمون رع، الإله المعبود حينذاك وترهاقا وبعانخي، بالإضافة إلى مبان أخرى خاصة بمعابد وأمكنة ولادة الملكات.
الاستعمار وقرصنة الآثار
مقالات أخرى
القليس: الكنيسة التي شُيّدت في صنعاء للحلول مكان الكعبة
القصور الصحراوية في تطاوين التونسية حيث صُوّر فيلم Star Wars
لم تعانِ الآثار والأهرامات السودانية من الإهمال فحسب، بل من لعنات علماء الآثار والمؤرخين أيضاً، لا سيما الطبيب الإيطالي فرليني Giuseppe Ferlini، أشهر قراصنة الآثار السودانية. إذ دمّر هذا العالم أكبر الأهرامات الملكية المروية، بعد أن اكتشف أنّ ملوك الحضارة النوبية كانوا يضعون مقتنياتهم الثمنية على رأس الهرم الذي يحوي مدافنهم على عكس الفراعنة المصريين. فقام بتحطيم روؤس معظم الأهرامات السودانية ونهب الكنوز التي كانت فيها. حتى اليوم، لا تزال قطعٌ منها موزَّعة بين متاحف ميونيخ وبرلين، ووجد غيرها طريقه إلى بقية متاحف أوروبا والولايات المتحدة.
إلى ذلك، تعرَّض السودان، مثل غيره من بلدان العالم الثالث، لـ"سرقات التاريخ" خلال فترات متعددة، أهمّها فترة الاستعمار التركي (1821- 1885)، والانغليزي المصري (1956-1898). من خلال بعثات رسمية تمثّل الاستعمار أو من المتاحف الأوروبية، إلى جانب أفراد وعصابات تمارس عمليات تهريب الآثار، بقصد بيعها إلى المتاحف العالمية والأفراد المهتمين بجمع التحف في العالم.
شارل بونيه Charles Bonnet العرّاب
في حين ظلم بعض الغربيين السودان من خلال نهب آثاره، وقف غربيّون آخرون إلى جانبه، وعلى رأسهم عالم الآثار والباحث السويسري البروفيسور شارل بونيه، الذي قضى أربعين عاماً منقباً في الآثار السودانية وصمد أمام الطبيعة القاسية. وقضى معظم حياته في مناطق الآثار النائية، شمال السودان حتى تمكّن من تقديم عدد كبير من الأدلة والبراهين العلمية على أنّ الحضارة النوبية أعقبت الحضارة الفرعونية المصرية، بل هي الأقدم والأعرق، من وجهة نظره ودراساته الأثرية.
وخلال زيارة إلى مناطق الآثار في شمال السودان، التقينا العالم بونيه الذي قال لـرصيف22 إنّ "مدينة كرمة الأثرية شمالي السودان تُعّد أول مدينة حضرية"، مؤكداً أنّ "الحضارة النوبية هي أقدم وأعرق حضارة في المنطقة العربية والافريقية". وأشار إلى "وجود نحو 243 هرماً في السودان وإلى أن السحنة النوبية ذات البشرة السوداء، التي توجد في تماثيل الفرعون الأسود تثبت عراقة تلك الحضارة التي مضى عليها 27 قرناً".
المشروع القطري
كان لبعض الدول العربية أيضاً مساهمات في استخراج الكنوز المطمورة في باطن الأرض، ويشكّل المشروع السوداني- القطري للآثار، شاهداً على محاولة إنقاذ هذا الإرث المهمل لهذه الحضارة.
وعن هذا المشروع، يقول عبد الله النجار، الرئيس التنفيذي لإنقاذ آثار النوبة، لـرصيف22 إن "فكرة المشروع بدأت عام 2008 بعد لقاءات للقيادة السياسية بين الدولتين، ثم بدأنا زياراتنا الرسمية إلى السودان في فبراير 2009، عن طريق وزارة السياحة. بعد ذلك، تمّت دعوة البعثات الآثارية للبلدين لتقديم ورقة عمل تفصيلية، تتضمّن موازنة تقديرية لمدة خمس سنوات منذ توقيع الاتفاقية عام 2012".
يشير نجار إلى أن "المشروع ينقسم إلى جزئين، الأول معنيّ بالدعم الخاص بالبعثات العاملة في السودان، وقد بدأ العمل بـ28 بعثة، وارتفع في العام التالي إلى 40 بعثة، والثاني خاص بالبعثة القطرية لترميم آثار البجراوية". ويضيف: "سننتقل إلى كل الأهرامات الموجودة في السودان. ويبلغ اجمالي الدعم المقدّم من قطر للمشروع 135 مليون دولار".
تعمل حالياً بعثات من عشر دول تحت مظلة المشروع، هي الولايات المتحدة والمملكة المتحدة وكندا وألمانيا وفرنسا وبولندا والدنمارك وإيطاليا وقطر والسودان، بالتعاون مع عدد من الجامعات الدولية المتخصصة. وبعد انتهاء المشروع، يقول النجار إن "السودان سيمتلك 40 موقعاً متكاملاً، يمكن استغلالها في دعم السياحة في السودان".
وقد أطلق المشروع موقعاً إلكترونياً يهتمّ بتغطية أعمال المشروع في مجال البحث المتعلّق بالآثار والإرث في السودان والتراث، ويضمّ أقساماً أخرى عن المتاحف في السودان، والمواقع الأثرية وتاريخ البلاد باللغتين الإنغليزية والعربية.
انتعاش في قطاع السياحة
مع انطلاق المشروع، بدا واضحاً الانتعاش في حركة السياح، فخلال العام الماضي، وبحسب إحصاءات وزارة السياحة والآثار والحياة البرية السودانية، بلغ عدد السياح الوافدين إلى السودان 591 ألفاً و350 سائحاً، بإجمالي إنفاق بلغ 735,501 مليون دولار. هذه الأرقام تشمل، إلى جانب السياحة الأثرية، المجالات الأخرى كالحياة البرية والمحميات الطبيعية وغيرها.
وتوقع وزير السياحة والآثار والحياة البرية في السودان، محمد عبد الكريم الهد، أن "يرتفع عدد السياح الذين تستقبلهم البلاد إلى مليون سائح، خصوصاً مع افتتاح بعض المنشآت ضمن البرنامج القطري لترميم الآثار".
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يوممتى سوف تحصل النساء في إيران على حقوقهم ؟!
مستخدم مجهول -
منذ يومينفاشيه دينيه التقدم عندهم هو التمسك بالتخلف
مستخدم مجهول -
منذ يومينعظيم
Tester WhiteBeard -
منذ يومينtester.whitebeard@gmail.com
مستخدم مجهول -
منذ 3 أيامعبث عبث
مقال عبث من صحفي المفروض في جريدة او موقع المفروض محايد يعني مش مكان لعرض الآراء...
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعرائع