لم يعد الغناء البديل أو المستقل مجرّد تجارب متناثرة على هامش احتكار شركات الإنتاج الكبرى لسوق صناعة الموسيقى. تطورت التجارب الموسيقية الهامشية بفضل الإنترنت وبرامج الدعم الثقافي لتصبح مساراً فني له جمهوره الواسع، ولتؤسس نمط إنتاج خاصّاً بها.
إذا لم تكن من محبّي "ستار أكاديميى" أو "آراب ايدول" وطبيعة الموسيقي والغناء الذي يقدم فيها، وإذا كنت مهتماً بما يعرف بالموسيقي البديلة أو "الأندرجراوند" Underground، إليك هذا الدليل المبسّط لطريقة تأسيس دائرة إنتاج للموسيقى المستقلة، لا سيّما في العقد الأخير.
1- لا تخجل من اختلافك
تقوم برامج صناعة المغنّين على أداء الأصوات الشابة لأغاني مغنّين كبار. لكن في عالم الموسيقى المستقلة كلما ابتعدت عن السائد، ساعدك هذا على الانضمام إلى موجة الغناء العربي البديلة التي ارتفعت في بعض البلدان حتى صارت تنافس موسيقى شركات الإنتاج الكبرى. في البداية لن يلتفت إليك أحد، ثم سيتعاملون معك كأنك فقرة مسلية لملء الوقت، وفي النهاية ستصبح رائداً لنوع موسيقي جديد.
2- لا تعمل وحدك
لا تعتمد على نوع موسيقي واحد، وإذا كان مشروعك الفني يرتكز على التخصص في نوع من الغناء والموسيقي، حاول القيام بمشاريع مشتركة مع موسيقيين يقدمون أنواعاً أخرى. سيساهم هذا في إثراء تجربتك الموسيقية وسيوسع من دائرة جمهورك. النموذج الأبرز لهذا حالة تعاون مغني الراب المصري "أم. سي. أمين" مع مغنيي المهرجانات: السادات، فيفتي، وعمرو حاحا، في الأغنية التي سجّلها لهم محمود رفعت من أستديو 100 نسخة.
حققت أغنية مهرجان الراب شهرة واسعة، وفجأة أصبحت كلمات "أم. سي. أمين" التي كانت محصورة في جمهور الراب منتشرة، ويمكن سماعها في وسائل المواصلات الشعبية.
3- اعتمد على الإنترنت، أو على أحدهم لمساعدتك في ذلك
لا تتسرّع في اقتحام المسرح، ابدأ من منزلك أو من الأستديو الخاص بك. استخدم برامج توليف وإنتاج الموسيقى وسجّل أعمالك في البيت. وإذا كنت تمتلك القدرة، أسس "الأستديو" الخاص بك، وابدأ في تسويق أعمالك على الإنترنت.
لا تتعامل مع الإترنت بصفته مساحة للأرشيف لوضع ما تسجّله فقط، أو بصفته وسيلة دعاية لا أكثر. هو وسيلتك الأولى للنشر والتوزيع والتواصل مع جمهورك الذي سينمو ببطء. من المهم أن تستفيد على الشبكات الاجتماعية، وإذا لم تكن من محبّي تويتر وفيسبوك، فهناك الآن خبراء تسويق إلكتروني ومحترفون في التعامل مع وسائل الإعلام الاجتماعية يمكنك الاستعانة بهم.
اصنع قاعدتك الشعبية من الإنترنت ثم انطلق إلى المسرح. أحد الأمثلة الواضحة على ذلك فريق "شارموفيرز" Sharmoofers الذي أطلق أغانيه أولاً على الإنترنت واستخدم شخصية مرسومة كأيقونة له دون أن يظهر أي شخص من الفريق وجهه. بدأوا بنشر أغانيهم على الإنترنت، ثم كتبوا ملاحظة لجمهورهم القليل يقولون فيها إنهم لن يحيوا حفلتهم الأولى إلا بعد أن يتجاوز عدد المعجبين بصفحتهم على الإنترنت العشرة آلاف.
ساهم غياب الصور والمعلومات عن الفريق، في إثارة غبار خفيف من الفضول حول أعضائه، لا سيّما مع طبيعة أغانيهم المرحة. وبمرور الوقت تكوّن للفريق جمهورٌ أتاح له أن يقيم أولى حفلاته، التي شهدت إقبالاً مشجّعاً.
4- التعلم الدائم والمستمر
بعد مرحلة التسجيل والانتشار على الإترنت، ستأتي مرحلة الحفلات والتنقل في مستوى العمل الموسيقي بين الانترنت والحفلات الحية. ستعتقد أن أوان الراحة قد حان، وأن ما مضى وحده كان الاجتهاد للوصول إلى هذه النقطة. لكن العمل الحقيقي يبدأ من هذا المرحلة. الشخصية والأسلوب اللذان كونتهما طوال المراحل السابقة قد يحاصرانك إذا لم تسعَ إلى التطور الدائم.
كذلك يجب الاستمرار في التعلم واستكمال ما ينقصك معرفياً وموسيقياً. حاول الاشتراك في أكثر عدد من الورش الفنية والموسيقية، التي تنظّمها المؤسسات الثقافية المحلية والإقليمية والمراكز الثقافية الأجنبية بغية تبادل الخبرات بين مواطني البلد الذي تعمل فيه وبلدها الأصلي. ليس شرطاً أن تكون الورش التي تتبعها مقتصرة على الموسيقى فقط. بعض هذه الورش يقدم منحاً لتمويل إصدار مشاريع فنية. وهذه فرصة جيدة لتعلم المزيد عن تقنيات التسجيل، استعداداً للخطوة التالية.
5- المنتجون في كل مكان حولك
أحياناً يطمح بعض الفنانين إلى مشاريع كبيرة، كإنتاج ألبوم خاص. وبرغم انخفاض مبيعات الأسطوانات واعتماد الجمهور على المشاهدة والاستماع على الإنترنت، فالألبوم مهمّ وله جمهوره.
إنتاج ألبوم موسيقي يحتاج عادةً إلى شركة ضخمة، تفرض عليك التوقيع على عقد احتكاري. ولكن ما إن تستمع الشركة لموسيقاك المختلفة التي لا تجاري ما تقدّمه الفضائيات ولا الأغاني التجارية، فسترفض على الأرجح مشروعك. عندئذ لا يبقى لك سوى الاعتماد على جذورك الأولى: الإنترنت وجمهورك.
علماً أن التمويل الجماعي هو أحد أبرز الطرق لتمويل المشروعات الفنية والألبومات الموسيقية، إذ باستخدام مواقع الدعم وجمع التبرعات، يساعدك جمهورك على إنتاج ألبومك. أهم هذه النماذج عربياً ألبوم "رقصوك" لفريق مشروع ليلي، الذي أُنتج من تبرعات المعجبين بالفريق على موقع زومال Zoomaal.
6- جرّب المنح الانتاجية
لكن هنالك أنواعاً موسيقية لا تتمتع بالشعبية الكافية عربياً، لذلك يصبح الاعتماد على التمويل الجماعي في تنفيذها مسألة صعبة. حينذاك يمكن السعي إلى الحصول على منح الإنتاج الثقافي والموسيقي، وأشهرها تلك التي يعلن عنها سنوياً مثل منحةالصندوق العربي (آفاق) للمسرح، ومنحة البرامج الإنتاجية من مؤسسة المورد، بالإضافة إلى المنح العالمية المختلفة وأهمّها منحة رولكس Rolex.
نشر هذا الموضوع على الموقع في تاريخ 07.10.2014
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يومينكل التوفيق ومقال رائع
Ahmad Tanany -
منذ 6 أيامتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعلا يوجد اله او شئ بعد الموت
Mohammed Liswi -
منذ أسبوعأبدعت
نايف السيف الصقيل -
منذ أسبوعلا اقر ولا انكر الواقع والواقعة فكل الخيوط رمادية ومعقولة فيما يخص هذه القضية... بعيدا عن الحادثة...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ اسبوعينمقال بديع ومثير للاهتمام، جعلني أفكر في أبعاد تغير صوتنا كعرب في خضم هذه المحن. أين صوت النفس من...