تنفي الدولة في البحرين استخدامها أسلوب التعذيب أو سوء المعاملة خلال اعتقال المتهمين أو التحقيق معهم في قضايا جنائية أو سياسية، وتشدد دائماً على التزامها القوانين والتشريعات الدولية التي تحارب التعذيب وسوء المعاملة والإهانة في فترة الحبس الاحتياطي والسجن. ولكن الواقع يختلف كثيراً عن الكلام الرسمي.
ادعاءات الجهات الرسمية لا تنسجم مع ما يجري على أرض الواقع، خصوصاً خلال السنوات الأربع الأخيرة. فالتقارير الدولية حول أوضاع حقوق الإنسان في المملكة الخليجية الصغيرة تزخر بإشارات إلى انتهاكات حقوق الإنسان وتتحدث عن تعذيب وسوء معاملة يتعرض لهما المحبوسون احتياطياً أو المسجونون، وخصوصاً في مبنى التحقيقات الجنائية، مقر جهاز أمن الدولة والمخابرات والتحقيقات الجنائية.تعذيب جسدي ونفسي
يعيش المدون البحريني الذائع الصيت، علي عبد الإمام حالياً خارج البلاد. اعتقل عام 2010، على خلفية اتهامه بالانضمام إلى خلية إرهابية وإدارته موقعاً إلكترونياً يروج لهذه الخلية وأهدافها. وتعرّض خلال اعتقاله إلى ضرب على الرأس والظهر وراحة القدمين، كما بقي معصوب العينين وموثّق اليدين خمسة أيام متواصلة، أُجبر خلالها على البقاء واقفاً طوال الوقت، بالإضافة إلى تلقيه إهانات وشتائم.
مواضيع أخرى:
أبرز وسائل التعذيب في التاريخ الإسلامي
أشهر وسائل التعذيب في السجون العربية
قال عبد الإمام لرصيف22: "بالإضافة إلى الضرب والسبّ، كان المعذبون في جهاز الأمن الوطني يمارسون ضدّي التعذيب النفسي من خلال تقريب جهاز الصعقات الكهربائية من أذني وتهديدي باستخدامه على جسدي. كذلك كانت هناك إيحاءات باعتداءات جنسية يودون ممارستها معنا، وكانت توجه لنا الأسئلة والإجابات عنها في الوقت نفسه، وفي نهاية المطاف يُطلب منا التوقيع عليها".
ومن بين أساليب التعذيب التي تعرض لها عبد الإمام تهديده بالاعتداء على زوجته وفصل شقيقه من العمل، كما تم تهديده بأنه إذا تحدث عن تعذيبه أمام القاضي فسيواجه المصير ذاته مرة أخرى.
ولكن عبد الإمام والمتهمين الـ21 الآخرين معه، اتفقوا على سرد كل تفاصيل التعذيب في جلسة المحاكمة، وطلب المحامون على أثر ذلك إيقاف ملف القضية والتحقيق في دعاوى التعذيب، وعرض المتهمين على الطبيب الشرعي، "وهذا ما لم يتم حتى اللحظة، ولا يزال الأشخاص الذين عذبوني في مناصبهم، بل أن بعضهم تمت ترقيته"، كما يروي عبد الإمام.
قضى علي عبد الإمام خمسة أشهر في المعتقل. بعدها شارك في الاحتجاجات التي انطلقت عام 2011، وبقي مختبئاً عامين حتى تمكن من الهروب إلى المملكة المتحدة حيث حصل على اللجوء السياسي.
الموت تحت التعذيب
توجه الناشر ورجل الأعمال عبد الكريم فخراوي إلى مركز الشرطة للإبلاغ عن اقتحام قوات الأمن بيته وتخريب محتوياته في اليوم السابق، فاختفى لمدة أسبوع، وبعدها طُلب أهله في اتصال هاتفي القدوم لتسلم جثته. وادعت السلطات الأمنية أن فخراوي توفي نتيجة فشل كلوي.
في المشرحة تبيّن عكس ذلك. فالكدمات تغطي جسده الذي تحوّل إلى لوحة ألوان من شدة الضرب والتعذيب. كان معه في الزنزانة أشخاص شاهدوا ما تعرض له وكيف كانت القوة الأمنية تستبيح جسده على مدار أسبوع إلى أن أسلم روحه. لم تسكت زوجته كبرى حميدي (أم فاطمة) فادعت أمام المحاكم على شخصين من رجال الأمن. وحُكم عليهما بالسجن سبع سنوات قبل أن يتم تخفيض الحكم في محكمة الاستئناف إلى ثلاث سنوات.
وروت حميدي: "اللجنة البحرينية المستقلة لتقصي الحقائق أعلنت أن فخراوي توفي تحت التعذيب الوحشي، واسمتعت للشهود وعرضنا أمامها كل الأدلة والمستندات التي أثبتنا من خلالها هذه الواقعة، إلا أن السلطات في البحرين رأت أنه تعرّض لضرب أفضى إلى الموت دون توفّر نية القتل. والأحكام التي أصدرتها بحق مرتكبي الجرم من صغار الشرطة لا تتناسب مع حجم الجريمة كما لم يحاسب المسؤولون".
وقالت أم فاطمة: "لا أعترف بهذا الحكم ولا بهذه المحكمة، فهي نفسها التي تحكم أيضاً على شباب بتهم حرق إطارات وتجمهر لفترات أطول من تلك التي حكمت فيها على قاتلي زوجي، كما أنني لست متأكدة من أنهم يقضون فترة عقوبتهم في السجن".
أحكام مبنية على اعترافات تحت التعذيب
أما التربوية جليلة السلمان فقد اعتُقلت في مارس 2011، واتهمت بسوء إدارة جمعية المعلمين التي تشغل فيها منصب نائب الرئيس، وذلك لدعوتها إلى الإضراب إبان الاحتجاجات. اقتحم رجال الجيش والشرطة ومدنيون منزلها فجراً ووجهوا السلاح إلى رأس والدها ومنعوها من ارتداء الحجاب ثم اعتقلوها. خلال فترة اعتقالها التي استمرت خمسة أشهر، تعرّضت للضرب والمعاملة السيئة وأجبرت على البقاء واقفة ووُجّهت لها إهانات وهُدّدت بالقتل، ومنعت من زيارة دورة المياة وكذلك حرمت من أدويتها مما أدى إلى مضاعفات صحية.
وروت السلمان لرصيف22: "كان الرجال يزوروننا في الزنزانة مساءً وهم مخمورون، كان الرعب يدبّ فينا، الكل يصرخ في وجوهنا والكل يسبّنا ويشتم عائلاتنا وعقيدتنا ومذهبنا. كانت كل مراحل الاعتقال مهينة بدرجات مختلفة ولكنني لم أنسَ أيّ تفصيل منها رغم مرور أربع سنوات".
السلمان رفعت شكوى حول التعذيب الذي تعرضت له واستمتعت لأقوالها النيابة العامة، وبعد الإفراج عنها استمعت لأقوالها وحدة التحقيق الخاصة. ولكن الأمر انتهى عند هذا الإجراء، فلم تسمع عن أيّ تحريك للقضية.
محاميها محمد الجشي قال لرصيف22: "طلبنا وقف البت في التهم الموجهة لها بحكم أن الاعترافات سحبت منها تحت التعذيب، إلا أن القضية أخذت مجراها وحكمت بالسجن ستة أشهر". كذلك حُكم رئيس الجمعية مهدي أبو ديب الذي تعرض لأنواع مختلفة من التعذيب بالسجن خمس سنوات.
وقالت السلمان: "أعجز عن شرح كل ما تعرضنا له، بعضه مهين جداً لدرجة أن لساني يعجز عن ذكره، وما زلت حتى اليوم أعاني من آثار التعذيب النفسي أكثر من الجسدي، وكذلك تعاني عائلتي التي شهدت اعتقالي بطريقة غير لائقة ومخيفة. ولكنني مصرة على أخذ حقي رغم أنني لا أثق بالسلطات الحالية التي أصرت على الحكم عليّ والسير بالقضية رغم شكوى التعذيب. لا يبدو أن مثل هذه السلطات تود إحقاق الحق أو نصرة المظلوم".
التعذيب والبراءة
تعرض حسن مهدي (31 عاماً) للتعذيب وسوء المعاملة أثناء اعتقاله وذلك بعد أن وُجّهت له تهمة الانضمام إلى عصابة قامت بسرقة أموال مملوكة لأحد أفراد العائلة المالكة، وحكم عليه بالسجن خمسة عشر عاماً، لتعود محكمة الاستئناف وتبرئه من التهمة.
محامي مهدي، محمد الجشي قال لرصيف22: "تقدمنا بشكوى رسمية للنظر في جريمة التعذيب الجسدي والنفسي التي تعرض لها موكلي، والتي على أثرها قام بالتوقيع على الإفادة المعدة مسبقاً بالأقوال التي تورطه في القضية، وقد أمرت المحكمة بانتداب لجنة ثلاثية من الطب الشرعي لتوقيع الكشف الطبي، ولم نسمع أي تحرك بهذا الشأن رغم متابعتنا الحثيثة للحصول على جواب". وأضاف: "تمت تبرئة مهدي ولكنه مصر على مقاضاة من عرّضوه لتعذيب شديد من ضرب وإهانات وسوء معاملة على فترات طويلة".
الحالة العامة
علماً أن عشرات القضايا والشكاوى بشأن قضايا التعذيب في البحرين تُرفع للجهات المختصة خصوصاً بعد تأسيس بضعة أجهزة للوقوف على هذه الممارسات ومحاربتها كما تدعي الدولة، كالأمانة العامة للتظلمات ووحدة التحقيق الخاصة بالإضافة إلى النيابة العامة والمؤسسة البحرينية لحقوق الإنسان. ولكن لم يرضَ أيٌّ من رافعي الشكاوى عن النتائج التي وصلت إليها التحقيقات أو الإجراءات القانونية ضد المعذِّبين.
في نوفمبر الماضي، قُتل حسن الشيخ المحبوس على ذمة قضية مخدرات تحت التعذيب. أمام غضب الرأي العام وبسبب آثار التعذيب الواضحة والمخيفة على جثته، لم تستطع وزارة الداخلية إلا أن تفتح تحقيقاً في الموضوع وتحاكم ستة متهمين من عناصرها، وصدرت بحقهم أحكام بالسجن ما بين سنة وخمس سنوات.
تقشعر الأبدان عند الاستماع إلى الشهادات التي أدلى بها الشهود في القضية وهم نزلاء السجن، وعناصر شرطة، والطبيب الشرعي. فقد تمنى الشيخ أن ينتحر بسبب التعذيب الذي وقع عليه عندما كان الضباط يحاولون سحب اعتراف منه بأنه يملك هاتفاً نقالاً مهرباً. كانت الدماء تسيل من كل بقعة في جسده، وانتفخ وجهه، وبدلاً من إرساله إلى العيادة تم ارساله إلى زنزانة انفرادية حيث قضى نحبه.
السلطات في البحرين تفضل استخدام مصطلح "تصرفات فردية" بخصوص أعمال التعذيب وسوء المعاملة. ولكنها لا توقع العقاب المناسب على المرتكبين وتساهم في إفلات الكثيرين من العقاب عبر تجاهل القضايا وتناسيها وإهمال التحقيق فيها.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يومينكل التوفيق ومقال رائع
Ahmad Tanany -
منذ 6 أيامتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعلا يوجد اله او شئ بعد الموت
Mohammed Liswi -
منذ أسبوعأبدعت
نايف السيف الصقيل -
منذ أسبوعلا اقر ولا انكر الواقع والواقعة فكل الخيوط رمادية ومعقولة فيما يخص هذه القضية... بعيدا عن الحادثة...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ اسبوعينمقال بديع ومثير للاهتمام، جعلني أفكر في أبعاد تغير صوتنا كعرب في خضم هذه المحن. أين صوت النفس من...