يحتفل الكرد سنوياً في الثاني والعشرين من أبريل بيوم الصحافة الكردي، لمناسبة ذكرى إصدار أول صحيفة كردية باسم "كردستان"، عام 1898، على يد مقداد مدحت بدرخان. والآن، يكتفي الكرد بالوقوف على أطلال التأسيس من دون وجود صحافة وإعلام كرديين مواكبين للعصر.
تتباين الآراء حول مكان إصدار صحيفة "كردستان" أفي اسطنبول أم القاهرة. لكن هناك إجماعاً على صدور الأعداد الخمسة الأولى في القاهرة، لتحتجب عن الصدور مع العدد الحادي والثلاثين، في الرابع عشر من أبريل 1902. وبعد مرور 117 عاماً على صدور أول صحيفة كردية، لم تستطع غالبية الصحف والمجلات والمواقع التي صدرت خلال أكثر من قرن، أن تحافظ على استمراريتها.
واقع الصحافة الكردية
يقول الصحافي الكردي السوري مسعود عكو لرصيف22، "إن الإعلام الكردي الحالي كَثُر فيه غير المتخصصين، وهذا ما جعل من الصحافة مهنة من لا مهنة له، بالإضافة إلى السيطرة المباشرة للأحزاب السياسية والتنظيمات العسكرية على واقع الإعلام".
لكنه رغم ذلك لا يخفي بعض التنوع القائم لكنه يعدّه دون المطلوب، عازياً تردي الواقع إلى الظروف التي مرّ بها الكرد تحت حكم السلطات الحاكمة في الأجزاء الكردستانية الأربعة (العراق وتركيا وسوريا وإيران)، الأمر الذي كان كفيلاً بعدم ظهور إعلام كردي حقيقي، هذا "بالإضافة إلى غياب الداعم المادي المؤمن بموضوعية الصحافة ومهنيتها".
وأعاد الدكتور رضوان باديني، أستاذ الإعلام في جامعة صلاح الدين في إقليم كردستان العراق، تأخر الصحافة الكردية، إلى "التخلف السياسي والاجتماعي والاقتصادي العام للحركة السياسية الكردية". وقال لرصيف22 "إن الصحافة الكردية السابقة أو الحالية، تفتقد أهم مقومات التنشئة الذاتية، كما أنها محرومة من بيئة اجتماعية حاضنة".
كذلك قال رئيس تحرير موقع "آدار بريس"، الصحافي فريد إدوارد، لرصيف22: "رغم كل السلبيات التي تشوب الصحافة الكردية، فهي على الأقل نجحت في تدويل ما يحصل ضمن المناطق الكردية، في سوريا مثلاً، خاصة في مناطق النزاع المسلح ضد المجموعات المتشددة، وكان الدور الذي لعبته في إيصال ما حصل في مدينة كوباني إلى الرأي العام مثالاً على ذلك".
ويتفق المتحدثون الثلاثة على أن الصحافة الكردية لم تفلح في إقناع الرأي العام الكردي بجدواها، علماً أنها لم تخرج أصلاً من تحت عباءة سلطة الحاكم، لتعمل في خدمة الشعب.
هيمنة الأحزاب
وقال مسعود عكو إن الصحافة الكردية في سوريا، اقتصرت في السابق، على المنشورات الحزبية التي "كانت وسيلة مقبولة نوعاً ما، بسبب قبضة السلطة الأمنية السورية، ومحاربتها للحريات، ومنعها نشوء أي فضاء إعلامي خارج عن فضاء سلطتها". ومع التطورات السريعة في عالم التكنولوجيا، تأسست بعض المجلات والصحف والمواقع الالكترونية، ولكنها سرعان ما توارت لأسباب مختلفة.
ويعزو فريد إدوارد قصر حياة الصحف الكردية الناشئة إلى الاعتماد على غير المحترفين والهواة، وهذا ما شكل عقبة في طريقها، إضافة إلى عدم سدّ هذه الثغرة من خلال تنظيم دورات تدريبية على العمل الصحافي. هذا في ما خصّ الصحافة الكردية الناطقة بالعربية. أما بالنسبة للصحافة الناطقة بالكردية، فرأى إدوارد أن العقبات أمام نجاحها أكثر تعقيداً، "فغالبية العاملين في المجال الكردي، لا يجيدون قراءة وكتابة اللغة الكردية، حتى أن مسألة البحث عن صحافي محترف ومهني، ناطق باللغة الكردية، بات أمراً في بالغ الصعوبة".
وأضاف إدوارد أن عدم نجاح الأحزاب الكردية في الاتفاق على تشكيل وسائل إعلامية حرّة ومهنية، أثّر سلباً على الصحافة الكردية. وفاقم سعي تلك الأحزاب إلى الهيمنة على الوسائل الإعلامية العاملة، علناً أو في الخفاء، من الأزمة، فصارت الصحافة الحزبية حلبة للنزاعات وتصفية الحسابات الشخصية.
ضرورة الاعتماد على مهنيين
برغم اعترافه بأن الصحافة الكردية أخدت منحى جديداً بعد عام 2011، نتج عنه ظهور عدد كبير من وسائل الإعلام، كنقطة فاصلة في تاريخ الصحافة الكردية، فقد رأى فريد إدوارد أن كثرتها بدون تنظيم، زادت من أخطائها، خاصة مع انتشار ظاهرة "الصحافي المواطن" التي غيّبت مئات الحاصلين على شهادات جامعية في الإعلام عن سوق العمل. من هنا يعتبر إدوارد أن "تطور الصحافة الكردية مرتبط اليوم، باعتمادها على ذوي الخبرة، وإزاحتها كل من يسيء إلى سمعة المهنة".
وهذا ما يؤكد عليه مسعود عكو أيضاً. يقول: "إن تطور الصحافة في جميع المجتمعات يعتمد على التخصص والمهنية وتطوير الكوادر وتنميتها الدائمة وتدريبها، بالاستفادة من المدارس الصحافية العالمية، ونشر ثقافة القراءة والاستماع والمشاهدة بين الجمهور المستهدف، من خلال تنويع المادة الصحافية لكل وسيلة".
ومن وجهة نظر الدكتور رضوان باديني، تنطلق آلية التطوير من الانتباه إلى أن المجتمعات الحالية لا تستطيع أن تعيش وتنمو وتتطور، بغير فضاء، تلعب فيه وسائل الإعلام دور الربط والمنسق والمزود بالخبر. ويرى أن "الصحافة الحقيقية هي التي تؤمّن حاجة المجتمع إلى المعرفة بشكل موضوعي، وأن القوة النافذة للصحافة تعتبر أهم من الوسائل القهرية والقسرية للحكام". ويدعو الكرد إلى "توحيد الجهود وإنشاء وسائل إعلامية مشتركة بخطاب وركائز قومية ثابتة، وإنشاء مجلس أعلى للإعلام، يقوم بإدارة وتنفيذ الخطط والمشاريع الإعلامية".
ولدى الصحافي مجيد محمد نظرة متفائلة بعض الشيء بأن مستقبل الصحافة الكردية سيكون أفضل، ويردّ تفاؤله إلى "وجود صحافيين كرد يحاولون بشكل أو بآخر، التحرر من التوجهات السياسية المقيدة للإعلام، بالإضافة إلى وجود وسائل إعلامية تحاول، برغم تبعيتها السياسية، النهوض بواقع مهنة الإعلام".
ويذكر في هذا الإطار فضائية روداو RUDAW التابعة لإقليم كردستان العراق والتي تبث بأربع لغات، وفضائية روناهي RONAHI التابعة لحزب الاتحاد الديمقراطي (كردي سوري)، وفضائية وار WAR TV. كذلك يشير إلى أهمية تخصيص مؤسسة "أورينت" نشرة خاصة باللغة الكردية، وصدور مجلات جديدة مثل مجلة "شار" SHAR التي تصدر باللغتين الكردية والعربية.
وبالنسبة للمواقع الإلكترونية، تظهر وكالة آرا نيوز ARA News كوكالة أنباء مستقلة تحاول الوصول إلى المعلومة الصحيحة. وأيضاً هناك مواقع أخرى مثل شبكة ولاتي نت، برغم الملاحظات الكثيرة على عمل الأخيرة، من حيث المهنية والموضوعية والاستقلالية.
أما في ما خص الإذاعات، فقد أظهرت إذاعة آرتا إف أم ARTA FM نوعاً من الموضوعية في عملها في المناطق الكردية في سوريا، وهي تبث باللغات الكردية والعربية والسريانية والأرمنية. وهناك إذاعات أخرى مثل ولات WELAT، و دنكَي زلال Denge Zelal.
الصحافة في الأجزاء الأربعة
يقول الدكتور باديني: "نفتقد الوسائل المادية في ثلاثة أجزاء من كردستان على الأقل، مع بعض التطور في إقليم كردستان العراق". واقع اختلاف الأجزاء الأخرى من كردستان (سوريا وتركيا وإيران) عن إقليم كردستان العراق، يأتي بحكم وجودها تحت سلطات تحارب الكرد.
ففي إيران مثلاً، ما زال الكرد يعيشون حالة قمع للحريات. في تركيا، برغم وجود هامش من الحريات، فإن عداء السلطة للكرد أزلي، وليس من السهل منحهم الحرية الفكرية والسياسية والثقافية التامة، لذلك تعمل مؤسسات الإعلام ضمن أطر مقيدة. أما في سوريا حيث تعيش البلاد أزمة منذ أربعة أعوام، فقد استطاع الكرد إنشاء بعض الصحف والمجلات والمواقع الالكترونية والإذاعات والقنوات التلفزيونية، ولكن كل وسيلة إعلامية تحتاج إلى ترخيص من اتحاد الإعلام الحر التابع لـ"الإدارة الذاتية"، الخاضعة بدورها لـ"حزب الاتحاد الديمقراطي" المسيطر على الحياة السياسية والاجتماعية والعسكرية في المنطقة.
وقد منحت تجربة كردستان العراق التي تعيش حكماً ذاتياً بعض الأمل في أن الخلاص من القيود السياسية في أيّة دولة يقيم فيها الكرد، سيعطيهم الدفع للتطور الإعلامي. ويؤكد رضوان باديني أن انتعاش الإعلام في إقليم كردستان جاء بسبب الظروف المواتية والإمكانات المادية والعلمية والتقنية المتوفرة، وكذلك بسبب ظروف الأمن والاستقرار السائدة، وهذا ما أسّس أرضية لانطلاقة إعلام متكامل. لذلك قامت فيها نحو 50 وسيلة إعلامية، بالإضافة إلى معاهد تُخرّج سنوياً مئات المتخصصين في مختلف المهن الإعلامية.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يومكل التوفيق ومقال رائع
Ahmad Tanany -
منذ 5 أيامتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعلا يوجد اله او شئ بعد الموت
Mohammed Liswi -
منذ أسبوعأبدعت
نايف السيف الصقيل -
منذ أسبوعلا اقر ولا انكر الواقع والواقعة فكل الخيوط رمادية ومعقولة فيما يخص هذه القضية... بعيدا عن الحادثة...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ اسبوعينمقال بديع ومثير للاهتمام، جعلني أفكر في أبعاد تغير صوتنا كعرب في خضم هذه المحن. أين صوت النفس من...