تُعد الهند ثاني أكبر منتج لأفخر أنواع الشاي في العالم، ويمتاز الشاي الهندي بسمعة طيبة من حيث النكهة، لكن خلف تلك النكهة القوية المميزة المساعدة على تعديل مزاج الذواقين، تختفي معاناة مضنية تعيشها العاملات عند رحلة جمعهن أفضل أوراق الشاي قبل تصنيعها وتعبئتها للوصول للمستهلك، وهذا غير مذكور على غلاف علبة الشاي التي اقتنيتها.
في تحقيق طويل سلطت شبكة سي إن إن الضوء على معاناة العاملات في مجال إنتاج الشاي في ولاية آسام شمال شرقي الهند، وخضوعهن لظروف عمل "قاسية وغير إنسانية أو قانونية".
وتلفت الشبكة إلى أن مزارع الشاي نقطة الانطلاق لشاي آسام الشهير عالمياً، والمميز بنكهته ورائحته القوية، مشددةً على أن "الهند ثاني أكبر منتج للشاي في العالم، بعد الصين. وأن آسام أكبر ولاية منتجة للشاي في الهند، وتضم حوالي 800 مزرعة شاي".
ظروف عمل لا إنسانية
تبدأ حشود النساء في التحرك كل يوم من بقعة إلى أخرى داخل مزرعة الشاي حاملات سلالاً على رؤوسهن، يعملن 9 ساعات يومياً طيلة 6 أيام، وقلما تحظى العاملات باستراحة مرة واحدة في اليوم، حتى المنهكات منهن أو الحوامل.
تجني العاملة منهن قرابة 1000 روبية (14 دولاراً) في الأسبوع، مقابل جمع حوالي 24 كيلوجراماً من أوراق الشاي كل يوم، وفي حال عدم جمع الوزن المطلوب يتعرضن للعقوبة بخصم جزء من الأجر.
وتنقسم العمالة في مزارع الشاي إلى مجموعتين، مؤقتة ودائمة، ومن أصل 1.5 مليون عامل موسمي في مزارع الشاي في المنطقة أكثر من 70٪ منهم من النساء.
ورغم أن قوانين العمل تتيح للعمالة المؤقتة والدائمة مزايا التمتع بالإجازات والرعاية الصحية خاصة في حالة الحمل، إلا أن عدم وعي العاملات بحقوقهن يجعلهن عرضة للاستغلال من قبل أصحاب المزارع بشكل دائم.
معاناة خاصة للحوامل
من بين العاملات، راما (اسم مستعار حرصاً على سلامتها) التي تتحمل العمل وهي حامل في شهرها السادس رغم قلقها البالغ بشأن صحة جنينها وخشيتها من الإجهاض.
تعيش راما (22 عاماً) على جمع أوراق الشاي بإحدى مزارع الولاية، وتشكو من أنها "لا تحظى باستراحة من العمل الشاق حتى لو كانت تعاني من الألم".
تعيش راما في كوخ في قرية قريبة من مدينة تيزبور بالولاية، وهي واحدة من عشرات العاملات بمزرعة شاي تمتد لأميال، وتعتمد أسرة راما بشكل كلي على حديقة الشاي لتوفير لقمة العيش.
تمشي راما الفتاة القصيرة النحيفة الحامل، متحملةً ثقل حملِها الذي يُضاف إلى ثقل السلال فوق هامتها، تقطع تسع ساعات مشياً بين حقول الشاي يومياً على مدار ستة أيام كل أسبوع.
وتقول راما: "العمل هو العمل، وأن آخذ فترات استراحة أمر مرفوض وكثيراً ما يؤدي إلى توبيخ من المشرف" مضيفةً "عندما يروننا نأخد قسطا من الراحة يسألون: من سيدفع أجرك؟”.
رغم كل ما تعانيه راما، هي فقط قلقة بشأن جنينها، خاصةً وأن اختبارات الدم الأخيرة أظهرت انخفاض نسبة الكريات الحمراء في دمها، أي أنها تعاني فقر الدم الذي يزيد مخاطر التعرض للنزيف أثناء الولادة.
وتؤكد الفتاة أن العديد من زميلاتها عانين مضاعفات أثناء الولادة، وأحياناً ما تكون عواقبها وخيمة على الأم والطفل.
تأمّل جيداً في فنجان شايك قبل احتسائك، ربما تلمح طيف العاملة الحامل التي جمّعت وريقاته لأجلك ورقةً ورقةً تحت شمس حارقة.
تمشي راما الفتاة القصيرة النحيفة الحامل، متحملةً ثقل حملِها الذي يُضاف إلى ثقل السلال فوق هامتها، تقطع تسع ساعات مشياً بين حقول الشاي يومياً على مدار ستة أيام كل أسبوع. راما إحدى العاملات في حقول الشاي مهددة بفقد حملها بسبب ظروف عملها غير الإنسانية.
مزارع الشاي في ولاية آسام (الهند) تُعد إرثاً من الحقبة الاستعمارية التي كانت توظف العمالة المحلية لتجميع أوراق الشاي، بلغت في بعض الأحيان حد العبودية القسرية.
صحة الحوامل في خطر
يشدد خبراء على أن سوء ظروف العمل وتدني المعيشة وساعات العمل الطويلة وعدم الحصول على الحد الأدنى من الرعاية الصحية خلال الحمل أبرز أسباب حدوث مضاعفات خطيرة على الأم والرضيع وجميع هذه المخاطر موجودة في حالة راما.
تفيد الإحصاءات الحكومية الهندية بأن من بين كل 100 ألف ولادة طبيعية في ولاية آسام، تموت 237 امرأة، وتعتبر الولاية الأسوأ في البلاد فيما يتعلق بظروف الولادة والرعاية بين عامي 2014 و2016.
تسجل الهند، وفاة 130 أم في كل 100 ألف ولادة بينما المعدل في الدول المتقدمة مثل الولايات المتحدة، 14 حالة وفاة فقط، وفق أرقام منظمة الصحة العالمية لعام 2015.
ورغم مساعي الحكومة الهندية لتحسين الأوضاع الصحية للحوامل والمواليد، إلا أن عوامل أخرى تزيد مخاطر حدوث النزيف الكبير أثناء المخاض، مثل نفقة الرسوم الطبية في مستشفيات المدينة التي تجعلهم يقدمون على الولادة بالمنزل، وعدم وعي الحوامل بأهمية المتابعة الصحية بسبب انتشار الأمية.
ومن الشائع بالولاية أن تحتاج النساء إلى عمليات نقل دم، وبينما يحق للنساء الحوامل الحصول على دم مجاني أثناء الولادة، إلا أن توفيره صعب لندرة بنوك الدم هناك.
عندما طلبت راما من الجهات الطبية بالقرية بعض المساعدة، عبر العلاج أو الطعام، كان الرد "اشتري بنفسك".
زعمت رابطة الشاي الهندية أن “العاملات يحصلن على الرعاية الصحية الأولية وفقا لقانون العمل في المزارع" ، وتقدم لهن أدوية مجانية ولأسرهن، بالإضافة إلى رعاية الأمومة وتغطية علاجات فقر الدم والتطعيمات وغيرها من حملات العناية بالأم والطفل.
لكن جايشترا ساتبوت المحامي المعني بحقوق الإنسان، والذي يهتم بعمال المزارع المحليين بشكل خاص، نفى مزاعم توافر المرافق الطبية لمعظم العاملات.
وقال ساتبوت: "على أرض الواقع، البنية التحتية تؤكد أن الموجود لا يكفي، لا يوجد ما يكفي من الأطباء والمستشفيات لا تمتلك مرافق كافية ولا توجد أسرّة كافية ولا تملك المراكز الصحية الأساسية البنية التحتية الكافية ولا يوجد عدد كاف من الأطباء ولا يوجد عدد كاف من الموظفين".
عبودية استعمارية
وتوضح سي إن إن أن مزارع الشاي في ولاية آسام تعد إرثاً من الحقبة الاستعمارية التي كانت توظف العمالة المحلية لتجميع أوراق الشاي، وصلت في بعض الأحيان حد العبودية القسرية، مشددةً على أن أجيالاً كاملة عاشت حياتها في هذه المزارع، وعانت الممارسات الاستعبادية وانتهاكات حقوق الإنسان على مر الزمن.
وتشير إلى أن الرجال والنساء االعاملين في هذه المزارع اليوم، يتوقعون مستقبلاً مماثلاً لأطفالهم.
وبينما تعمل راما في مزرعة لا تطبق الشروط الإنسانية ولا الصحية االتي تفرض على حقول الشاي، تؤكد سي إن إن أنها زارت مزارع أخرى تطبق تلك الشروط لتجد أن معاناة عاملاتها لا تختلف كثيراً عما تعانيه راما.
ويفترض أن تخضع مزارع الشاي لقانون العمل في المزارع لعام 1951، ويضع أجوراً لا تطبق في الواقع، ففي حين متوسط الأجر للعامل الموسمي في الزراعة بالهند هو 320 روبية ( 4.50 دولار) في اليوم، يجني العامل في مزارع الشاي في ولاية أسام نصف هذا المبلغ فقط.
وتقدر قيمة صادرات الشاي لولاية آسام وحدها بـ 250 مليون دولار. وتعتبر روسيا وإيران والولايات المتحدة والمملكة المتحدة والصين أبرز مستورديه، كما أن الهند نفسها واحدة من أكبر مستهلكي الشاي (تستهلك 19 ٪ من السوق العالمية).
تأمّل جيداً في فنجان شايك قبل احتسائك، ربما تلمح طيف العاملة الحامل التي جمّعت وريقاته لأجلك ورقة ورقة تحت شمس حارقة.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يوممتى سوف تحصل النساء في إيران على حقوقهم ؟!
مستخدم مجهول -
منذ يومفاشيه دينيه التقدم عندهم هو التمسك بالتخلف
مستخدم مجهول -
منذ يومعظيم
Tester WhiteBeard -
منذ يومينtester.whitebeard@gmail.com
مستخدم مجهول -
منذ يومينعبث عبث
مقال عبث من صحفي المفروض في جريدة او موقع المفروض محايد يعني مش مكان لعرض الآراء...
مستخدم مجهول -
منذ 6 أيامرائع