اكتسبت هذه القطع الدائرية الملونة رمزيةً معينةً وباتت "أيقونية" لدرجة أنها تعرض للبيع بكمياتٍ كبيرةٍ في المتاجر ومطارات باريس، مما يتيح للمسافرين إحضار صندوق من الحلويات الفاخرة إلى بلادهم، غافلين أن جذور الماكارون ليست فرنسية بل تعود إلى الشرق الأوسط.
تركيبة مميزة
لعلّ أهم ما يميّز حلوى الماكارون أنها مقرمشة من الخارج وطريئة من الداخل، فهي مصنوعة من بياض البيض، والذرة، والسكر واللوز المطحون بدقة، أما الحشوة فتأتي على نكهاتٍ مختلفةٍ، بدءاً بالشوكولاتة وصولاً إلى الفاكهة مروراً بنكهاتٍ غريبةٍ مثل الشاي الأخضر ولحم الخنزير المقدد، في حين أن أكثر النكهات شعبيةً هي الفستق والورد، وهي نكهات حيوية في المطبخ العربي. يعتبر البعض أن الألوان الرائعة للماكارون هي ما يميّزها عن غيرها من الحلويات خاصة أنها حين تكون موضوعة بعناية تبدو كقوس قزح. وبالرغم من أن الأصول الدقيقة للماكارون المحشو لا تزال مبهمة، فمن المرجح أنها تعود لـ"بيار ديفونتان" والذي يُقال إنه أول من أنشأ "ساندويش الماكارون" في منتصف القرن العشرين، في حين أن بعض الطهاة الآخرين ينسبون الماكارون المحشو إلى الخباز "كلود غيربي".الماكارون "يغزو" فرنسا
من المثير للاهتمام أن نتخيّل "ماري أنطوانيت" وهي تتناول قطع الماكارون، علماً أن اختراع هذه الحلوى تم بعد وفاة الملكة الفرنسية بفترةٍ طويلةٍ، وبخلاف ما يعتقد البعض فإن القصة الحقيقية للماكارون لم تبدأ من المطبخ الفرنسي على الإطلاق. يوضح موقع Mic أن حلوى الماكارون تعود للعصر الذهبي لطريق الحرير ومن ثم تبعت التوسع العربي في العصور الوسطى، فقبل وقتٍ طويلٍ من قيام الطباخ الفرنسي بتذوق اللوز، كانت الأطباق الشهية المصنوعة من المكسرات المطحونة والسكر تحظى بشعبيةٍ واسعةٍ في بغداد، وتحديداً في البلاط، مما يعني أن هناك تأثيراً كبيراً من مطبخ الشرق الأوسط على الدول الغربية.يعتبر "دان جورافسكي"، صاحب كتاب The Language of Food أن كلمة "ماكارون" تعود إلى تلال صقلية التي كانت شاهدة على الفتح الإسلامي.
فإذا قلّبنا مثلاً في صفحات "كتاب الطبيخ" الذي يعود إلى القرن العاشر في بغداد، نلاحظ أن هناك وصفات لبعض الحلويات مثل المرزيبان وخبز اللوز الذي يتميز بمزج اللوز مع السكر وماء الورد.فإذا قلّبنا مثلاً في صفحات "كتاب الطبيخ" الذي يعود إلى القرن العاشر في بغداد، نلاحظ أن هناك وصفات لبعض الحلويات مثل المرزيبان وخبز اللوز الذي يتميز بمزج اللوز مع السكر وماء الورد. via GIPHY في تلك الحقبة، كانت بغداد مركزاً للعلم والثقافة خاصة مع تدفق الشعر في مدينةٍ تربعت كعاصمة للعالم الإسلامي منذ القرن الثامن، وبالتالي مع الازدهار الذي شهدته بغداد كان العالم الإسلامي يتوسع رويداً رويداً إلى أن وصلت القوافل إلى جنوب فرنسا مع أفكارٍ جديدةٍ متعلقةٍ بالدين والعمارة والطبخ، خاصة لناحية إعداد الحلوى التقليدية في الشرق الأوسط. الفضل في انتشار "الماكارون" في فرنسا يعود إلى "كاثرين دي ميديشي"، زوجة ملك فرنسا هنري الثاني، والتي يقال إنها أحضرت وصفة الماكارون من إيطاليا في العام 1533، كما تشير الروايات إلى أن هذه الحلوى بقيت معروفة في البلاط الملكي فحتى قيام الثورة الفرنسية في عام 1789، ثم قامت راهبات في مدينة نانسي الفرنسية بصنع الماكارون بهدف كسب العيش، وأطلق آنذاك على هذه الحلوى اسم "ماكارون الأختين". أما عائلة "لا دوريه" فقد اشتهرت بصناعة الماكارون بشكله الحالي، واللافت أن هذا المتجر الشهير بفروعه الأربعة في فرنسا يبيع بالمجمل حوالى 12000 ماكارون في اليوم الواحد، وانطلاقاً من إيمانه بأن الطعام الفاخر يجب أن يؤكل بأسلوبٍ أنيق، فقد تعاون مع العمالقة في عالم الأزياء مثل Emilio Pucci و Christian Louboutin لتصميم علب الماكارون الخاصة به. [caption id="attachment_159054" align="alignnone" width="700"] ancien-emballage-des-macaronis-de-Joyeuse-datant-des-années-50[/caption]
جذور شرق أوسطية
"إذا دخلنا إلى متجرٍ للحلويات في صقلية أو إسبانيا أو المغرب، فسوف نجد تراث الأمبراطورية الدينية على أشكال قطع المرزيبان الصغيرة وكعك اللوز"، وفقاً لموقع "مايك". يعتبر "دان جورافسكي"، صاحب كتاب The Language of Food أن كلمة "ماكارون" تعود إلى تلال صقلية التي كانت شاهدة على الفتح الإسلامي. ففي كتابه، أوضح "دان" أن الكلمة maccarruni بالصقلية يمكن أن تكون مشتقة من العرب، أو اليونايين أو الإيطاليين، وهي التي أعطتنا في نهاية المطاف الكلمات اللذيذة التالية: macaron، macaroon وmacaroni. وبالعودة إلى "الماكارون"، يمكن القول إن هذا النوع من الحلوى يتميز بـ"نكهة" استثنائية من الشرق الأوسط، ففي الوقت الذي نشر فيه "فرنسوا بيار دو لا فارين" كتاب الطهو Le Cuisinier François في العام 1651، فإن الطعام الفرنسي كان يشهد تطوراتٍ عديدة، إلا أن "دو لا فارين" كان يركز في صناعة الماكارون على ماء الورد، الذي يعتبر مكوناً تقليدياً في حلويات الشرق الأوسط. ومع ذلك، كانت حلوى "فرنسوا" المصنوعة من مزيج اللوز والسكر وماء الورد بعيدة كل البعد عن الماكارون الرقيق والليّن الموجود اليوم في الأسواق، أما السر فيعود إلى إضافة بياض البيض الذي اتّضح أنه يمنح هذه الحلوى طراوة لا مثيل لها. ونظراً لأهميته وشعبيته الواسعة اقترح الحلواني "بيار هيرميه" في العام 2005 تخصيص يوم محدد في السنة للاحتفال بالماكارون، وهكذا بات 20 مارس "يوم الماكارون"، حيث تقدم المتاجر عيّنات مجانية للزبائن.رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ يومرائع. الله يرجعك قريبا. شوقتيني ارجع روح على صور.
مستخدم مجهول -
منذ يومحبيت اللغة.
أحضان دافئة -
منذ يومينمقال رائع فعلا وواقعي
مستخدم مجهول -
منذ 6 أياممقال جيد جدا
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعحب نفسك ولا تكره الاخر ولا تدخل في شؤونه الخاصة. سيمون
Ayman Badawy -
منذ أسبوعخليك في نفسك وملكش دعوه بحريه الاخرين