مكن عمر بن سعيد من الهرب من عبوديته، ووجد كنيسة ليختبئ فيها، لكن قبض عليه مرة أخرى بوصفه عبداً فاراً، ووضع في السجن، وهناك كان يكتب على الجدران باستخدام الفحم، ما أثار اهتمام من حوله، خصوصاً أن أحداً لم يفهم ما يكتب، إذ كان الاعتقاد أن "العبيد" لا يجيدون القراءة والكتابة.
تمكن عمر بن سعيد من الهرب، ووجد كنيسة ليختبئ فيها، لكن قبض عليه مرة أخرى بوصفه عبداً فاراً، فوضع في السجن في فايتفيل في كارولاينا الشماليّة لمدة خمسة عشر يوماُ، وهناك كان يكتب على الجدران باستخدام الفحم، ما أثار اهتماماً، خصوصاً أنّ من حوله لم يفهموا كتابته. وكان مرد الدهشة الاعتقاد السائد أنّ "العبيد" لا يجيدون القراءة والكتابة.
بعدها، اشتراه جون أوين، شقيق جيمس أوين حاكم ولاية كارولاينا في تلك الفترة، وعاش في منزل الشقيقين ما يقارب 30 عاماً، تمت معاملة عمر بن سعيد بصورة جيّدة، وتم تزويده بمصحف باللغة الانكليزيّة علّه يتعلمها، إلا أن الهدف كان اعتناقه المسيحيّة، إذ زوّد أيضاً بإنجيل عربيّ، ويقال إنه عام 1821 تم تعميده، ليتحول إلى مسيحيّ يمارس تعاليم الدين الجديد، مثيراً الجدل حول طبيعة الثقافة في أفريقيا، إذ لم يكن معروفاً أن هناك من يتبع الديانات الإبراهيميّة فيها.
كتب عمر قبل ذلك عام 1819 رسالة إلى جون أوين ورعية الكنيسة في المنطقة يدعو فيها إلى إطلاق سراحه، ويقول أنه يحلم أن يعود إلى وطنه في أفريقيا، مؤكداً على سيادة الله على البشر، وأنه وحده لا شريك له.لا نعرف الكثير عن حياة "العبيد" العرب في الولايات المتحدة، هنا قصة مؤلمة لعمر بن سعيد الذي أُسر في القرن التاسع عشر، وحُمل كعبد إلى تشارلستون في ولاية كارولاينا الشماليّة
مصحف باللغة الانكليزيّة وإنجيل عربيّ: قصة عمر بن سعيد الذي حملته قوارب العبودية إلى أراضي الولايات المتحدةإلا أن البعض يرى أن التعليم الذي ناله لم يكن حقيقة بالمستوى الذي قاله، ففي الرسالة التي كتبها، وفي سيرته المكتوبة لاحقاً عام 1831 هناك الكثير من الأخطاء اللغويّة، لكنه يقول إنه "ينسى اللغة العربيّة...كما أن بصره اًصبح ضعيفاً كذلك"، كما إنه يعلم فقط "بعض القواعد اللغويّة وبعض المفردات"، ويمكن تفسير ذلك بالعودة إلى الأسلوب الذي تعلّم فيه، القائم على المعرفة الشفهيّة من جهة، ونسخ الآيات من جهة أخرى، إذ كان يعتمد على ذاكرته وتكوين الكلمات الصوتيّ أكثر من أسلوب كتابتها، وهنا يبرز الاختلاف بين الأخطاء في النص القرآني، والكلمات الأخرى التي لا تنتمي لهذا النص وتحويها سيرته. بالرغم من دخول عمر بن سعيد المسيحيّة إلا أنها كانت مجرد غطاء له وللتقاليد الإسلامية التي يؤمن بها، فالإنجيل الذي كان يمتلكه كان يحوي عبارات عربيّة مثل "الصلاة لله أو للإله"، إلى جانب كتابته لنص الفاتحة داخل الإنجيل، خادعاً من حوله بأنها مقطع من الكتاب المقدس، والأهم، أن إجادته للغة العربيّة أتاحت له بعكس الكثيرين أن يكتب سيرته الذاتية دون أن يتدخل فيها "مالكه"، لتكون سيرة بصوته الأصيل دون تعديل، فهو يمتدح مُلّاكه الجدد، لكنه لا يُخفي سوء معاملة "مالكه" القديم له، إلى جانب تعليقه على كلّ من الإسلام والمسيحيّة مؤكداً على قيم التسامح والمساواة بين الجميع. توفي سعيد عام 1864 قبل عام من إلغاء الولايات المتحدة لنظام العبودية التي قضى فيها أكثر من خمسين عاماً كـ"عبد" لم يرَ الحريّة، ودفن في "بلادن" في كارولينا الشماليّة، وهناك بُني جامع باسمه من قبل الأفارقة الأمريكيين تكريماً لذكراه.
المقالة ترجمة لنص كتبته Brigit Katz، ونشرته مجلة سميثونيان Smisthonian Magazine في 18 كانون الثاني، 2019 (هنا رابطه).
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يومينكل التوفيق ومقال رائع
Ahmad Tanany -
منذ 6 أيامتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعلا يوجد اله او شئ بعد الموت
Mohammed Liswi -
منذ أسبوعأبدعت
نايف السيف الصقيل -
منذ أسبوعلا اقر ولا انكر الواقع والواقعة فكل الخيوط رمادية ومعقولة فيما يخص هذه القضية... بعيدا عن الحادثة...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ اسبوعينمقال بديع ومثير للاهتمام، جعلني أفكر في أبعاد تغير صوتنا كعرب في خضم هذه المحن. أين صوت النفس من...