من أسمائنا، قد نتعرف على علاقة تربطنا بنساء عشن قبلنا بمئات السنين، نساء جئن من خلفيات مختلفة، غيّرت العبودية هوياتهنّ، ولم يبقى لنا من حياتهنّ إلا أطياف وأخبار مبعثرة في كتب التاريخ. "لكل امرئٍ من اسمه نصيبٌ فأحسنوا تسميةَ أبنائكم"، مقولةٌ شائعة تُنسب أحياناً للنبيّ محمد، دعمتْها أحاديثٌ أخرى له، منها ما رواه التابعي سعيد بن المُسيّب، عن أَبِيه، أن جدَّه أتى النبيَّ فسأله: ما اسمك؟. قال: حَزْنٌ. فقَالَ: "أَنت سَهْلٌ". قال: لَا أُغيّر اسماً سَمَّانِيه أَبِي! قَالَ ابن المسيب: "فَمَا زَالَتِ الْحُزُونَةُ فينا بعد"، بحسب ما نقل البخاري أعطى العربُ الأسماءَ أهميةً، وجعلوها جزءاً من شخصية الإنسان، وتُعبر بشكلٍ جزئي عن رتبة ومكانة صاحب الاسم فيما بينهم، ومن هنا، كان للجواريَ أو العبيدَ من النساء أسماءٌ تميزهن عن نساء المجتمع، وهي ممارسة بدأت مع بداية الإسلام واستمرّت حتى القرن العشرين. والملاحظ أن أسماءَ الجواري قديماً، أصبحت شائعةً اليوم (أو كثيراً منها) بين نساء وفتيات مجتمعاتنا، وسُميّت بها نجماتٌ كالفنانة الكبيرة "فيروز" والفنانة "وردة" الجزائرية، والراقصة الشهيرة "تحيّة" كاريوكا، وغيرهن ممن كانت أسماؤهن قديماً لا تطلق إلا على الجواري، كما سنرى.
كيف كان العربُ يسمون جواريهم؟ وهل كانت هناك أُطرٌ أو سياقاتٌ لذلك؟ وكيف اختلف الأمر وفقاً للمكان والزمان العربي؟ أعدَّ الباحثُ بجامعة لايدن الهولندية حكمت درباس Hekmat Dirbas دراسةً حول هذا الأمر، بعنوان "تسميةُ الجواري أسماء عربية: دراسةٌ مسحية لمصادر العصور الوسطى والحديثة Naming of Slave-girls in Arabic: A Survey of Medieval and Modern Sources". بيّنت الدراسة أن الجواريَ اللواتي تمّ شراؤهن وهنّ صغيراتٌ، أو ولدن لأمهاتٍ من الجواري، كان "أسيادهن" يختارون أسماءهن، وفقاً لوظائفهن، التي تنوعت بين الخدمة المنزلية من ناحيةٍ، وبين الأعمال الترفيهيةِ، كالغناء والعزف وإلقاء الشعر وممارسة الجنس، التي كانت من اختصاص المحظيات. في حين أن النساءَ اللواتي استُعبدن في سنّ الرشد، احتفظن في الغالب بأسمائهن الأصليةِ قبل الرِق. وانطبق هذا النمطُ كذلك على من اعتبروا متشبهين بالنساء، من الرجال الذين كانوا يُغنّون للخلفاء، بحسب الدراسة.
عدد من الأسماء القديمة، التي كانت لا تطلق إلا على الجواري أصبحت شائعةً اليوم في مجتمعاتنا، وسُميّت بها نجماتٌ كـ"فيروز" و"وردة" و"تحيّة"
كانت للجواري أسماءٌ تميزهن عن نساء المجتمع الإسلامي، وأحياناً تصف وظائفهن، ومع مرور الزمن، دخلت هذه الأسماء إلى الثقافة بشكل مُحبّب، واستمر تداولها حتى اليوم، فهل اسمك من بينها؟
30 جارية حول النبي.. كيف كانت أسماؤهن؟
أورد كتاب "الفخر المتوالي فيمن انتسب للنبي من الخدم والموالي" لشمس الدين السخاوي (تـ: 902هـ)، أسماءَ 100 من الرقيق كنَّ في خدمة النبي، منهن 30 جاريةً. كما وردت معلوماتٌ أخرى عن أسماء عبيدِ وجواري النبي، في كتب الطبقات ورواة الأحاديث، بحسب الدراسة. يمكن تصنيفُ الأسماءِ المتاحة في هذه الأعمال إلى ثلاث فئات: 1- أسماءٌ استخدمت للنساء الحرائر، مثل أميّة (تصغير أم)، وحولة، وسلمى، وبُنانة (الروضة المعشبة)، وبهيّة، وظبية، ونُديرة، ونادرة... وعلى ما يبدو أنهن كن أسيراتٍ، بالتالي احتفظن بأسمائهن. 2- أسماءٌ كانت مقتصرةً على الجواري فقط، مثل: برَكة، وخضيرة، ورُزينة، وروضة، وموهبة، وميمونة، ولؤلؤة، ونُهيلة.. وهؤلاء النسوة ظهرن بلا نسبٍ، وكنّ يُنسبن إلى "أسيادهن"، وفي ذلك إشارةٌ إلى احتمالية ولادتهن في العبودية، أو أنه قد تمّ شراؤهن في مرحلةِ الطفولة. 3- أسماءٌ أجنبية لم تتغير مع الإسلام، مثل مارية التي تزوجت النبي، وسيرين بنت شمعون، وكانتا قبطيتان.بين الظواهر الطبيعية والمقتنيات الثمينة.. أسماء الفترة الأموية والعباسية
مع توسع الدولة الإسلامية وتحولِها إلى إمبراطورية خلال عهدي الدولتين الأموية (662 - 750م) والعباسية (750 - 1517م)، أصبحت الجواري في قصور الخلفاء مثارَ اهتمامِ كبير من العلماء، ووثِّقت سيرهن الذاتية في مؤلفاتٍ تاريخيةٍ لمشاهير، مثل جلال الدين السيوطي وأبو نعيم الأصبهاني، بالإضافة إلى المصنفات العامة للتاريخ، كمؤلفات ابن حيان القرطبي، وأدب الغزولي الدمشقي. في هذه الفترة كانت بعضُ الجواري تسمى بأسماء نساء المجتمع الإسلامي من غير العبيد، مثل "نفيسة، أنيسة، شُهدة، عتيقة، سعاد"، أما أغلبُ الأسماء وقتها فكانت ذاتَ خصوصيةٍ شديدةٍ بالجواري، ويمكن تصنيفها وفقاً لمعانيها، كالتالي:1- رغبةٌ أو أمنية لـ"السيد" المالك للجارية، مثل أمل، وفوز، وراحة، وتوفيق".
2- أسماءُ الأشياء الثمينة، مثل زمرد، وعاج، وعطر، ومصابيح، وسُلافة (أفضل الخمر)، وبَهَر، ودنانير، وهدية، وقلم، وتحفة، وكنوز، وعنان.
3- الظواهرُ الطبيعيةُ، مثل صُبح، ونور، ومُزنة (سحابة)، وضوء الصباح، ونسيم، وشمسة.
4- النباتاتُ، مثل وردة، ونَبْت، وخزامى (عشب اللافندر)، وغُصن، وجلنار (زهر الرمان)، ولبنى (شجرة لها لَبَنٌ كالعسلِ).
5- الحيواناتُ، مثل: غزلان (هي الأكثر شيوعاً في هذا النوع)، ومها (بقرة وحشية إفريقية)، وشادن (صغير الغزال)، وظبية.
6- ما تعبرُ عن صفاتٍ جسديةٍ ونفسية، مثل: غدر، وملاك، وفريدة، ورخيم، وفنون، وسمراء، ومُختالة، وخجل، وشرف، وبدعة، وطروب، وحسناء، وحُسْن، وطُرفة، وزرقاء، ونظيفة، وسِلْم.
7- أسماءٌ تعبّرُ عن عواطف، مثل: محبوبة، وهوى، وقرة العين، وحكم الهوى، ومُهاج، وتراشُف، وتباريح.
8- ما تشيرُ إلى صفاتٍ أو تسميات ذكورية، أو لها معنى جنسي واضح، مثل: ناعم، وماجن، وزين، ومشتاق، وقائد، وغلام، وأهيف، ومُتيم، وعارم، ومراد.. وهذه الأسماء قد تشير إلى الغلاميات من الجواري، أو النساء اللواتي اعتُبرن شبيهات بالرجال.
9- ما تشير إلى سماتٍ سلبية، مثل: قبيحة (المحظيةُ المفضلةُ للخليفة العباسي المتوكل)، وضعيفة، وظلوم.