يمكننا الادّعاء اليوم بأن هيئة واحدة تجمعنا، وأننا نعتمد "تقريباً" نمط الثياب ذاته. مظهرنا لا يجهر بانتمائنا الديني أو الفكري أو السياسي،
إذا ما استثنينا الحجاب على أنواعه. غير أن الكثيرين حولنا يضيفون تفصيلاً صغيراً إلى المشهد، خجولاً في حجمه وموضعه، ولكن يحمل رسالة حاسمة: أنا شيعي، أنا درزي، أنا قبطي… بعض تلك الترميزات يملك بعداً روحانياً، لكونها تتضمن في معتقدات من يحملها القدرة على الحماية، أو المباركة، غير أنها قد تأتي في أحيان أخرى بنيّة إعلان التميّز عن الآخرين، تماماً كما تفعل الرموز الحزبية، أو السياسية.
في ما يلي جردة لبعض تلك الرموز الصغيرة، التي تصرّح بالانتماءات الدينية والإثنية لمن حولنا في العالم العربي.
الحدود الخمسة - أنا درزي
نجمة لا تختلف عن أيّة نجمة، إلا بكون كل ضلع منها يحمل لوناً، وكل لونٍ يرمز إلى "حدٍّ" من الحدود أو المبادئ الخمسة في عقيدة التوحيد، وإلى الإمام، أو "المولى" الذي تتجسد فيه هذه المبادئ. تفسيرات هذه الحدود وألوانها متباينة، ولكن أبرزها يعتبر الأخضر تجسيداً للعقل، عبر "مولاي العقل حمزة بن أحمد الزوزني". الأزرق تجسيد للنفس، عبر "مولاي اسماعيل بن حامد التميمي". الأصفر تجسيد للكلمة التي خرجت من النفس عن طريق العقل، عبر "مولاي محمد بن وهب القرشي". الأزرق هو تجسيد السابق، أو ما قد يعني، وفق التفسيرات، ضرورة التعلّم من الماضي، ومما سبق. والأبيض هو تجسيد للتالي، أو ما يفسر بالحكمة في التعاطي مع المستقبل.
الصليب الموشوم على المعصم - أنا قبطي
الصليب القبطي يتميز عن الصلبان المسيحية الأخرى بكون أضلاعه متساوية تتشابك في وسطها. على زاوية كل ضلع ثمة ثلاث نقاط، تمثل ثلاثية الأب والإبن والروح القدس. هذه النقاط مجتمعة تساوي ١٢، وترمز إلى الحواريين الإثني عشر الذين عملوا على نقل رسالة المسيح. يَشِم الأقباط هذا الصليب علي معاصمهم، في عادة متوارثة منذ القدم، لا يمكن تحديد فترة نشوئها تحديداً، ولكن يُعتقد أنها تعود إلى ما يسمى عصر الاستشهاد، أو الاضطهاد المسيحي، حيث يقال إن الأهل كانو يشِمون أطفالهم حتى يتمكنوا من التعرف على ديانتهم إذا ما حدث وأصابهم مكروه أو استشهدوا. كان ذلك الرمز، الذي ما يزال معتمداً حتى اليوم، أشبه بهويّة للتعريف عن انتماء الشخص إلى الأقباط.
سيف ذي الفقار - أنا شيعي
نراه غالباً معلقاً على الرقبة. طويل ومحزوز في آخره، ما يجعل له نهايتين. يُسمى تحديداً بذي الفقار لكون الفقار تعني الحفر والحزّ. تشتهر لدى الشيعة مقولة "لا فتى إلا علي، ولا سيف إلا ذو الفقار" استناداً إلى سيف علي بن أبي طالب، الذي يعدّ لدى الشيعة خليفة الرسول الأول. يحكى أن الرسول أعطى سيفه "ذا الفقار" إلى علي في معركة أحد، بعد أن انكسر سيفه أثناء القتال. يرمز هذا السيف اليوم في نظر الشيعة إلى بسالة علي بن أبي طالب.
الشريطة الخضراء - أنا شيعي - أنا علوي
شريطة خضراء رفيعة تربط بالمعصم، يرتديها الشيعة والعلويون من دون أن تكون هناك خاصية معينة تميز بينهما، رغم تمايز الطائفتين. لا تختص هذه العادة بمنطقة، إذ قد نجدها في البحرين كما في لبنان. هذه الشريطة قد تكون من أية قماشة خضراء، شرط أن تزور وتلمس ضريح أحد الأئمة أو مكاناً مباركاً لدى الطائفتين، أو أن تتلا عليها آيات قرآنية. هكذا، تصبح تلك القماشة مباركة وتستخدم لقضاء الحاجات، أو كحرز. لماذا اللون الأخضر تحديداً؟ يعد هذا اللون لون ثياب أهل الجنة استناداً الى آياتٍ وردت في القرآن ("أولئك لهم جنات عدن تجري من تحتهم الأنهار يحلّون فيها من أساور من ذهب ويلبسون ثياباً خضراً من سندس وإستبرق…". كما يعتقد المعتقدون بهاتين الطائفتين أن الأخضر كان لون الإمامة سابقاً.
المسبحة الكاثوليكيّة
يرتدي البعض اليوم هذه المسبحة المخصصة للصلاة (مسبحة الوردية) في العنق، أو مصغرة كخاتمٍ في اليد. تتألف هذه المسبحة من ٥ أقسام، من عشر حبّات، تميّزها عن المسابح التي تعتمدها الديانات الأخرى (٩٩ حبة مقسمة الى ثلاث أقسام للديانة الإسلامية). وتختلف طبعاً عن المسابح التي نجدها في أيدي الرجال اليوم كعادة بحجّة شغل اليد. هي مخصصة لتلاوة الصلوات مثل “السلام عليك يا مريم”.
المسبحة الأرثوذوكسية
وهي نوعٌ من المسابح الخاصة المستخدمة من قبل الطوائف الأرثوذوكسيّة والكاثوليكية الشرقية. يدرج اليوم ارتداؤها في معصم اليد، وهي مصنوعة في الأساس من الصوف الأسود ومكونة من عقدٍ متتالية، قد تكون ٣٠، ٣٣ أو ٩٠، غير أنه يمكن رؤيتها اليوم بمواد متعدّدة. ما هو أساس استخدام هذه المسبحة؟ يعتقد أنها كانت لتسهيل قراءة المزامير ١٥٠ مرة في اليوم على الرهبان. فكرة المسبحة قديمة جداً وقد اعتمدتها دياناتٌ عدة من ضمنها الهندوسية، ولكن بتسميات مختلفة والكلمة “مسبحة”، مشتقة من “التسبيح” أي قول “سبحان الله”.
الزبيبة - أنا مسلم شديد التدين
ما يسمى اليوم بالزبيبة، هي طبقة الجلد السوداء التي تتشكل على الجبين من جراء الإكثار من السجود، نتيجة الاحتكاك المتكرر بسطح خشن. في السابق، كان يمكن مشاهدة هذه الزبيبة على رؤوس الشيوخ أو الكبار في السن، نتيجة تراكم السنوات. ولكن اليوم، يبدو أنها أصبحت ظاهرة محببة لدى البعض، بغض النظر عن العمر، في الدول التي تشهد صعوداً إسلامياً. المفارقة أن هذه الطبقة السوداء لا تظهر بسهولة، ولا يكفي أداء واجب الصلوات الخمس لدى المسلمين لظهورها. لهذا السبب بالذات، يحمل تواجدها اليوم في جبين بعض الشباب نوعاً من التفاخر والمزايدة على الآخرين في الإيمان...
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يومكل التوفيق ومقال رائع
Ahmad Tanany -
منذ 5 أيامتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعلا يوجد اله او شئ بعد الموت
Mohammed Liswi -
منذ أسبوعأبدعت
نايف السيف الصقيل -
منذ أسبوعلا اقر ولا انكر الواقع والواقعة فكل الخيوط رمادية ومعقولة فيما يخص هذه القضية... بعيدا عن الحادثة...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ اسبوعينمقال بديع ومثير للاهتمام، جعلني أفكر في أبعاد تغير صوتنا كعرب في خضم هذه المحن. أين صوت النفس من...