يصفون مشاعرهم قبل وصول الأراضي المقدسة بأنها مزيج من الشوق الشديد والرهبة، لكن هذه التوليفة في نفوس المؤمنين قد تتحول إلى خيبة كبيرة وحزن وإحباط لدى بعض القاصدين بيت الله الحرام حين يتعذر عليهم بلوغ مكة وأداء فريضة الحج بسبب وقوعهم فريسة متحيلين.
بعض ضحايا “التحايل باسم الدين” يغادرون بلدانهم إلى السعودية بتأشيرات سلمتها إليهم شركات سياحة دينية أو أشخاص يعملون في مجال تسفير الحجاج، لكن لدى وصولهم إلى أراضي المملكة، يكتشفون أنهم مخالفون، وسرعان ما ترحلهم السلطات السعودية إلى بلادهم، لأن تأشيراتهم مزورة، أو ليست للحج لكنها لحضور فعاليات أو أنشطة ترفيهية. إنهم مسلمون وقعوا فريسة لكيانات وأشخاص ينصبون باسم الدين، ويعتبرون موسم الحج فرصة لجمع مبالغ مالية باهظة من أشخاص همهم الوحيد زيارة بيت الله الحرام.
في شهر تموز/يوليو الماضي، رحّلت السلطات السعودية نحو 600 مواطن مصري قصدوا الأراضي السعودية للحج ولكن بتأشيرات منحتها لهم سلطات المملكة بغرض السياحة والترفيه، وقال هؤلاء أثناء التحقيقات معهم في مصر إن بعض الشركات باعت لهم التأشيرات بمبالغ تراوح بين 50 ألف و 100 ألف جنيه مصري، وهو سعر أقل من سعر السوق، مضيفين أن هذه الشركات أقنعتهم بصلاحية هذه التأشيرات لأداء مناسك الحج.
ما حدث مع الحجاج المصريين تكرر في السنوات الأخيرة مع حجاج مسلمين من جنسيات أخرى، فعلى سبيل المثال لا تزال السلطات الجزائرية تحاكم متهمين بالنصب والاحتيال على نحو 100 حاج جزائري، مُنعوا من السفر في موسم الحج 2018، بعدما تبين أن جوازات الحج والتأشيرات التي بحوزتهم مزورة.
وفي السنوات الماضية تعرض حجاج مغاربة لعمليات نصب واحتيال من قبل شركات سفر وسماسرة، وهذا ما جعل الجمعية الجهوية لوكالات الأسفار، ومقرها مراكش، تطلق في شهر شباط/فبراير الماضي، خلال ندوة صحافية بعنوان "معاً نعمل من أجل حج أكثر أماناً" تحذيرات من الشركات الوهمية وغير القانونية وسماسرتها في البلاد.
وشملت عمليات النصب حجاجاً من جنسيات عربية أخرى، منهم الأردنيون والفلسطينيون.
لكن عمليات النصب شملت كذلك المقيمين داخل السعودية، ففي 4 آب/أغسطس الجاري أعلنت السلطات السعودية ترحيل 9915 من المقيمين داخل المملكة إلى محل إقامتهم ومنعهم من أداء فريضة الحج لأنهم لا يحملون التصاريح المطلوبة، وأكد المتحدث الرسمي للأمن العام بالحج، أن السلطات تكثف جهودها "لضبط عملية أداء مناسك الحج وضبط حملات الحج غير النظامية التي تستغلّ رغبة المواطنين والمقيمين لأداء فريضة الحج بالاحتيال عليهم وجمع الأموال منهم بطريقة غير مشروعة".
وليست الجنسيات العربية وحدها التي تتعرض لعمليات نصب من قبل شركات وهمية تستغل موسم الحج، فقبل بضعة أيام، أطلقت شرطة لندن فيديو تحذيرياً يحتوي على خمس خطوات يتعين على الحجاج البريطانيين اتباعها لتجنب وقوعهم ضحايا النصب والاحتيال، كالتحقق من صدقية شركة السفر التي يتعاملون معها وتفادي الدفع نقداً، إذ يصعب تتبع المعاملة المالية التي تم إجراؤها، إضافة إلى الاطلاع على إجراءات الحماية المالية لهيئة الطيران المدني البريطانية، والإبلاغ عن أي جريمة نصب أو احتيال عبر الرقم المخصص لمكافحة الاحتيال.
كيف يتم النصب على الحجاج؟
بحسب ناصر ترك، العضو في اللجنة العليا للحج بوزارة السياحة المصرية، وفي اتحاد غرف شركات السياحة، فإن النصب على الحجاج يتم غالباً بطريقتين، أولاهما هي إعطاؤهم تأشيرات مزورة، يؤمنها عادةً سماسرة متمرسون، لا شركات سياحة رسمية، مضيفاً أن هؤلاء السماسرة يقنعون البسطاء من الحجاج بأن لديهم وسائل تجعلهم يحصلون على تأشيرات الحج بأسعار مخفضة، وغالباً ما ينشرون إعلاناتهم في الشوارع ووسائل التواصل الاجتماعي وفي وسائل المواصلات الشعبية.
يتابع ترك أن جمهور هؤلاء السماسرة من البسطاء أو غير المتعلمين، وبعد أن يبيعوا لهم التأشيرات يختفون تماماً، ثم يعاودون الظهور في موسم الحج التالي للبحث عن ضحايا جدد من غير القادرين على التمييز بين التأشيرات المزورة والسليمة.
يتوجهون إلى الأراضي المقدسة لأداء مناسك الحج، لكن حالما تطأ أقدامهم الأراضي السعودية يتم ترحيلهم والسبب هو أن تأشيراتهم مزورة، أو ليست للحج.. كيف يقع الحجاج فريسة لوكالات السفر الوهمية والسماسرة؟
ويكمل أن الطريقة الثانية في النصب على الحجاج تقوم بها كيانات وهمية تزعم أنها شركات سياحية دينية رسمية ولديها ترخيص، فتعطي الحجاج تأشيرات مزورة، أو تستغل تأشيرة حضور فعاليات ترفيهية في السعودية في غير غرضها الأساسي، وهدفها الوحيد تحقيق مكاسب كبيرة لأن هذه التأشيرة أقل ثمناً من تأشيرة الحج، مضيفاً أن مئات الحجاج يتم ترحيلهم إلى بلدانهم بعد اكتشاف أنهم سافروا بتأشيرة الفعاليات التي غالباً ما تنتهي لدى انتهاء الفعالية، ولا تزيد على عشرة أيام، ويلفت ترك إلى أن هذه الكيانات لا تظهر إلا في مواسم الحج من خلال تأجير مقر فعلي، لكنها تتركه حالما ينتهي موسم الحج، بعد أن تجمع أموالاً طائلة.
ويؤكد ترك أن تأشيرة الحج أغلى من تأشيرة الفعاليات بأكثر من الضعفين، وهذا ما يظهر مقدار المكاسب الكبيرة التي تحصل عليها شركات السياحة غير المرخصة من النصب والاحتيال على الحجاج الذين لا يعرف الكثير منهم الفروق بين التأشيرتين.
ويحذر من أن بعض الشركات الحاصلة على ترخيص تقوم بعمليات نصب هي الأخرى، لكنها في هذه الحالة تجعل الحجاج يوقعون عقوداً معها تظهر أن ما يريده الشخص من الشركة هو تأشيرة فعاليات لا تأشيرة حج، وهذا ما يجعل محاكمة هذه الشركات بعد ذلك متعذرة، بل مستحيلة، لذلك ينصح ترك كل من يرغب في الحج أن يتحقق من أن العقد الموقع بينه وبين الشركة مكتوب فيه بشكل واضح أنه سيحصل على تأشيرة حج.
وينصح ترك الراغبين في الحج في جميع البلدان بمراجعة وزارات السياحة للتثبت من أن الشركة التي يتعاملون معها رسمية ولديها ترخيص وليست شركة وهمية، محذراً إياهم من التعامل مع سماسرة، أو مع أفراد يدعّون أن لديهم صلاحية الحصول على تأشيرات حج بأسعار مخفضة، قائلاً "جميعهم محتالون، تعاملوا مع الشركات الرسمية ذات السمعة الجيدة فحسب، وهذا أمر سهل التحقق منه بسؤال أقارب وأصدقاء سبق أن تعاملوا مع هذه الشركات، أو بالعودة لوزارة السياحة للتثبت من أنها شركة متخصصة فعلاً في سفر الحجاج".
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يوممتى سوف تحصل النساء في إيران على حقوقهم ؟!
مستخدم مجهول -
منذ يومينفاشيه دينيه التقدم عندهم هو التمسك بالتخلف
مستخدم مجهول -
منذ يومينعظيم
Tester WhiteBeard -
منذ يومينtester.whitebeard@gmail.com
مستخدم مجهول -
منذ 3 أيامعبث عبث
مقال عبث من صحفي المفروض في جريدة او موقع المفروض محايد يعني مش مكان لعرض الآراء...
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعرائع