شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

اترك/ ي بصمَتك!
عودة النظام السوري إلى

عودة النظام السوري إلى "حضن العرب"... النهاية الرسمية لحقبة "الربيع العربي"

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

سياسة

الجمعة 28 ديسمبر 201807:49 م
في 29 سبتمبر الماضي، في مقرّ الجمعية العامة للأمم المتحدة في نيويورك، مدّ وزير الخارجية البحريني خالد بن أحمد آل خليفة ذراعيه واقترب من نظيره السوري وليد المعلّم ليحتضنه ويتبادل معه القبلات، في مشهد أثار الكثير من التعليقات، كونه الأول من نوعه منذ انتفاضة السوريين ضد نظامهم.
حُضن آل خليفة الواسع اتّسع أكثر في الأيام الماضية مع زيارة الرئيس السوداني عمر حسن البشير إلى دمشق ثم إعلان الإمارات إعادة فتح سفارتها في العاصمة السورية، فإعلان البحرين "استمرار العمل" في سفارتها القائمة هناك، لتنضما إلى ركب دول عربية أخرى أعادت علاقاتها مع سوريا، أو لم تقطعها من الأساس. بهذه المتغيّرات يمكن التأريخ لانتهاء حقبة "الربيع العربي" وما نتج عنها، بشكل رسمي، هي التي شهدت عدة نهايات في الفترة السابقة، بحسب ما يفهمه كل شخص من مصطلح "الربيع العربي". انتهى "الربيع العربي" بما حمله من توق إلى دول مدنية حديثة وديمقراطية منذ عام 2013، وفي نفس العام انتهى ما يمكن تسميته بـ"ربيع الإخوان"، أي حلمهم بحكم العالم العربي، وانتهى "الربيع العربي" بما حمله من توق إلى عدالة اجتماعية منذ سنوات أيضاً، وانتهت أحلام الإسلام المتطرف بالاستفادة من المناخات التي ولّدها مع هزيمة داعش. والآن تنتهي آخر نتاجاته وهي الخلافات العربية-العربية بسبب قمع بعض الأنظمة لشعوبها، دون تجاهل أن الوجه الآخر لذلك هو محاولة بعض الدول مدّ نفوذها الإقليمي في الفضاء العربي مستغلّة غضب شعوب على حكّامها. يكرّس التقارب العربي-السوري فكرة أولوية إبقاء الإخوان المسلمين خارج المشهد العربي، ومنع عودة "ربيعهم"، هذه الفكرة التي ولّدت تحالفاً بين العسكر ومدنيين، وأد ثورات العرب، ووقفت خلف بروز الحلف الخماسي الذي أعلن مقاطعة قطر، ودفعت نحو احتضان العرب للمشير خليفة حفتر في ليبيا ومساعدته في حربه ضد خصومه... عدنا إلى مرحلة تكاتف الأنظمة العربية وتعاونها وترسيم حدود العلاقات في ما بينها على أسس تقليدية بعيداً عن قضايا حقوق الإنسان والحريات وكل المسائل التي فرضتها ثورات الشعوب العربية على أجندات السياسة.

"حضن العرب"

المؤشرات على فك عزلة النظام السوري تتضافر منذ فترة: من لقاء الرئيس السوري بشار الأسد مع صحيفة "الشاهد" الكويتية في أكتوبر الماضي، إلى دعوة البرلمان العربي إلى إنهاء تعليق الأنشطة السورية في الجامعة العربية في 14 ديسمبر، ثم زيارة البشير بعد ذلك بيومين، وصولاً إلى الخطوتين الإماراتية والبحرينية. قبل ذلك، حضر الاعتراف الدولي بالنظام السوري عبر بوابة فتح المعابر الحدودية بين سوريا وبين كل من العراق والأردن، وموافقة إسرائيل على انتشار القوات السورية في منطقة الجولان. والآن، تأتي هذه المتغيّرات في ظل تقارير عن مساعٍ لإعادة سوريا إلى جامعة الدول العربية التي علّقت مشاركة وفود نظامها في اجتماعاتها في نوفمبر 2011، رداً على قمع الاحتجاجات الشعبية، وهي مسألة صارت قريبة جداً لأن الدول الخليجية هي التي أخرجت سوريا من المنظمة العربية، وها هي الآن تعيد علاقاتها بها. ومن نافلة القول أن الإمارات والبحرين لم تخطوا خطوتيهما من دون رضى السعودية، بل من دون دفع سعودي. ومنذ استعادة النظام السوري السيطرة على معظم الأراضي السورية، بدأت بعض الدول التي كانت معادية له طوال سنوات، وعلى رأسها السعودية، تعيد حساباتها، وتحاول إعادة فتح قنوات معه كي لا تبقى معدومة التأثير في تحديد مستقبل سوريا. وفي هذا السياق، يطرح تعبير "استمرار العمل" الوارد في بيان وزارة الخارجية البحرينية بخصوص السفارة البحرينية في دمشق التساؤلات حول ما إذا كانت العلاقات بين الجانبين قائمة منذ فترة بدون الإعلان عن ذلك.

العين على إيران

كل تصريحات العائدين عن مقاطعة النظام السوري تذهب في نفس الاتجاه: يجب لعب دور عربي للحد من نفوذ إيران وتركيا، عدوتي دول الخليج (ما عدا قطر)، في سوريا. فوزارة الخارجية الإماراتية وضعت خطوتها في سياق "درء مخاطر التدخلات الإقليمية في الشأن العربي السوري"، ونظيرتها البحرينية تحدثت عن "تعزيز الدور العربي وتفعيله من أجل... منع مخاطر التدخلات الإقليمية في شؤون سوريا الداخلية". ويعتقد السفير الأمريكي السابق في سوريا والذي يعمل حالياً باحثاً في معهد الشرق الأوسط ومحاضراً في جامعة ييل، روبرت فورد، أن الدول الخليجية "تأمل أن يكون بإمكانها تحجيم النفوذ الإيراني مع مرور الوقت من خلال استئناف التواصل المالي والدبلوماسي مع دمشق".

حدود الدور العربي

لا شك في أن مجريات الميدان في سوريا أخرجت جميع الدول العربية التي تدخّلت في مسار الأحداث بين عامي 2012 و2017 من دائرة التأثير هناك. ولكن هل إعادتها علاقاتها الدبلوماسية مع دمشق ستمنحها بعض النفوذ؟ لنبدأ من أن النظام السوري ينظر بعين الريبة إلى هذه الدول، فلولا انخراطها في الحرب السورية لما كاد معارضوه يسحبون البساط من تحت قدميه وينهون حكمه. على العكس منهم، وضعت إيران ثقلها مادياً وبشرياً لحماية النظام السوري من السقوط، وكسبت مقابل ذلك ولاء أجهزة أمنية وعسكرية سورية تولّدت لديها قناعة بأن طهران هي الحليف المتين الذي يمكن الركون إليه في وقت الشدّة.
مَن يربح من فتح سفارات خليجية في دمشق؟ لا شك في أن النظام السوري هو الرابح الأول وكل ما سيجري سيكون تنافساً على تحديد المركز الثاني
ستعود الدول الخليجية إلى لعب دور فاعل في المشهد السوري عندما تبدأ عملية إعادة الإعمار بأموال خليجية. حينذاك ستستطيع الدفع نحو قضم مناطق نفوذ الإيرانيين ومراكزه في سوريا تدريجياً مقابل ضح المال اللازم
لا يمكن لبضعة بعثات دبلوماسية أن تغيّر هذا الأمر. إعادة العلاقات مع النظام السوري ستفيده هو وتمنحه الغطاء الدولي المطلوب لكي يكرّس انتصاره على معارضيه بشكل نهائي، وتفرضه كأمر واقع على المجتمع الدولي. الفائدة المتبادلة القريبة من التقارب العربي-السوري ستكون في منح النظام السوري ورقة قوة جديدة في مواجهة تركيا التي تسيطر على جزء من شمال سوريا حيث ترعى آلاف المقاتلين المؤيدين لها، وتهدد بالتوسع أكثر نحو مناطق سيطرة القوات الكردية. النظام السوري يريد استعادة المناطق الخاضعة حالياً لنفوذ أنقرة لكي يحسم مسألة السيطرة على القليل المتبقي خارج تحكّمه؛ والحد من النفوذ التركي في المنطقة العربية يقع ضمن الأولويات الملحّة للدول الخليجية. أما الغاية "الأسمى" من هذا التقارب، وهي الحد من نفوذ إيران، فدونها عقبات كثيرة. ستعود الدول الخليجية إلى لعب دور فاعل في المشهد السوري عندما تبدأ عملية إعادة الإعمار بأموال خليجية. حينذاك ستستطيع الدفع نحو قضم مناطق نفوذ الإيرانيين ومراكزه في سوريا تدريجياً مقابل ضح المال اللازم، ولكن العملية ستشهد شداً وجذباً لا يمكن معرفة إلى ماذا ينتهيان منذ الآن. وستمنح حالة الشد والجذب هذه منطقة مريحة للنظام السوري ليعيد إحياء سياسته في اللعب على حبال مختلفة، وهو ما قد يُعيد إليه بعض المكانة عربياً بسبب براعته في مثل هذه الألعاب التي تُبقي كل الأطراف في علاقة صداقة وخصومة معه في الآن نفسه. مَن يربح من عودة العلاقات؟ لا شك في أن النظام السوري هو الرابح الأول وكل ما سيجري سيكون تنافساً على تحديد المركز الثاني.

رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

Website by WhiteBeard
Popup Image