تقف اللغة العربية حاجزاً صعباً أمام طلاب الثانوية في إيران، فهي مادة إجبارية عليهم اجتيازها إلى جانب المواد الأساسية للدخول إلى الجامعة، لكن هذه المادة “ اللغة العربية” غير المحبوبة (برأي الطلاب) تحولت إلى عبء يطارد أغلب الإيرانيين فيما يقف عرب الأهواز مدافعين عن لغتهم متمسكين بها بشراسة.
فيما كنت أبحث عن أسرار صديقي الإيراني السابقة على فيسبوك، وجدته قد دوّن قبل سنوات منشوراً يقرّ فيه بأن أكرهَ المواد الدراسية بالنسبة إليه هي اللغة العربية، ربما كان من الممكن اعتبار الأمر رأياً شخصياً لكن صديقي هذا كان يسمع يومياً بصحبتي ماجدة الرومي ويردد كلمات فيروز ويحاول فهمها وترديدها. ما الذي حدث إذاً وكيف تغيرت علاقته بالعربية، كيف أصبح الكريه ممتعاً.
جاء في المادة 16 من الفصل الثاني من الدستور الإيراني "انطلاقاً من كون اللغة العربية هي لغة القرآن ولغة علوم الدين والأدب الفارسي ممزوج بالكامل باللغة العربية، يتوجب على الطلاب في المرحلة الإعدادية والثانوية دراستها". أي تعلمها 6 سنوات كاملة بالإضافة إلى تدريسها بشكل أعمق في فروع الشريعة والحقوق والفلسفة والآداب. يبدو أن تقنين تدريس اللغة العربية في إيران كانت أحد الأسباب التي جعلت منها مادة دراسية غير محببة، أضف إلى ذلك طريقة تطبيق هذا القانون وربط اللغة العربية بالدين بشكل مباشر والاستناد إلى نصوص القرن الرابع الهجري في تعليمها.
يقول أستاذ في اللغة العربية من طهران وصلت إلى مطار مسقط (العاصمة العمانية) وكان عليّ أن أسأل عن بعض العناوين، وبكل فخر تقدمت لأتكلم بالعربية، لكن كلامي كان غير مفهوم للجميع، الأمر كان محبطاً جداً، فماذا لو عرف طلابي بهذا الأمر، ستتراجع عزيمتهم في تعلم اللغة العربية، لكني أدركت بعد مدة أن ما تعلمته وما أعلّمه لطلابي ليس إلا لغة الكتب القديمة ولن تمكّن البارع بها من قراءة حتى عناوين الصحف الصادرة اليوم في عواصم الدول العربية.
اللغةُ العربية لغةُ أهلِ الجنّة
يواجه تعليم اللغة العربية في إيران تحديات كبيرة، أولها عدم إقبال عموم الطلاب على تعلمها، فهي لن تساهم في بناء مستقبلهم التعليمي كاللغات الأوروبية حسب قولهم، واعتماد منهج دراسي متعب قائم على تدريس القواعد وممزوج بالنصوص القديمة والدينية لا يمنح الطالب قدرات لغوية تمكنه من فهم اللغة العربية المعاصرة والتحدث بها.
يقول هادي (طالب لغة عربية) إن الإمام جعفر الصادق (ع) قال: تعلَّموا العربية فإنها كلام الله الذي يُكَلِّمُ به خلقَه، وهي لغة أهل الجنة ويجب تعلمها.
لا يخفي هادي، كالكثير من أقرانه، دوافعه الدينية في تعلم اللغة العربية ويعتبر جاذبيتها الأساسية في تلاوة القرآن الكريم واستخدامها في الصلاة، أما بعض الطلاب هناك فيجدون في فرص العمل في دول الخليج العربي السبب الرئيسي لتعلمها، إذ تختلف أسباب الطلاب في تعلم اللغة العربية لكن الجميع يتفق على أن ما تم هدره من وقت في ست سنوات في المدرسة أمر لا يغتفر لأنه عديم الفائدة.
ورغم هذه العثرات يكتشف طالب العربية جماليتها بعد عدد من الأغاني، تقول زهراء معلمة لغة عربية: "يجب إخراج تعلم اللغات في إيران من القوالب الكلاسيكية المتعبة إلى مناهج جديدة تقوم على إظهار الجانب الجميل من اللغة أولاً ثم تسهيل الصعوبات، فاللغة العربية من أصعب اللغات في العالم، طالباتي يحببن عمرو دياب ونانسي عجرم ويرددن أغانيهما بطريقة جيدة تعكس قدرتهن على اللفظ الجيد فيما لا يستطعن قراءة "دعاء كميل" رغم تكراره لسنوات".
وفيما يبحث الراغبون بتعلم اللغة العربية في طهران سبل التمكن منها، يقف عرب إيران موقفاً متبايناً من الحكومة وقانونها وشعاراتها بشأن اللغة العربية، يقول حسين: "من يحب لغتك يسمح لك بتعليمها وبنشر جريدة مستقلة بلغتك، لا يجبرك على التعلم بلغته، لدينا في الأهواز نسبة من غير الدارسين في الجامعات بسبب عائق اللغة الفارسية، نحب العربية لأنها هويتنا ولأنها قاسمنا المشترك مع إخواننا في الدول العربية ولأنها لغة الشعر الأجمل".
الشباب في الأهواز يتكلمون اللغة العربية الفصحى لإبراز ثقافتهم وتميزهم عن بقية أقرانهم بالنسبة لهم هي معيار لأن تكون مواكباً للعصر، فاللهجة الأهوازية لا تكفي لتحافظ على هويتك لا سيما أن بعض الكلمات الفارسية بدأت تغزوها.
وفيما يبحث الراغبون بتعلم اللغة العربية في طهران سبلَ التمكن منها، يقف عرب إيران موقفاً متبايناً من الحكومة وقانونها وشعاراتها بشأن اللغة العربية، يقول حسين: "من يحب لغتك يسمح لك بتعليمها وبنشر جريدة مستقلة بلغتك، لا يجبرك على التعلم بلغته، لدينا في الأهواز نسبة من غير الدارسين في الجامعات بسبب عائق اللغة الفارسية، نحب العربية لأنها هويتنا.
رغم تخصيص الحوزات الدينية قسماً كبيراً من وقتها للغة العربية عبر مناهج قديمة فإن شبان الحوزة بدأوا بالتسلل إلى الطرق الطريفة في تعليم العربية فتجدهم يشاركون أغاني جوليا بطرس وفايا يونان على حساباتهم الشخصية.
العنصرية الفارسية
يتحدث أغلب الأهوازيين في إيران عن العنصرية الفارسية في مختلف المجالات: الثقافة والتعليم والخدمات الأخرى وفرص العمل، لذلك يعتبرون ما يقال عن توجه إيران في فرض تعلم اللغة العربية لا يعني حبهم لها بل هي رغبة بكسر احتكار العرب للغة القرآن وبالتالي قيادة العالم الإسلامي.
لا تخلو هذه النظرة التي يطرحها أهل الأهواز من الصحة، فأول ما يدور عن اللغة العربية في إيران هو دور علماء إيران في تدوين قواعد لغة القرآن في القرون الهجرية الأولى فيما كان العرب لا يمارسون الكتابة، بالإضافة إلى نقدهم لعدم إتقان العرب اليوم للغتهم، الأمر الذي يتعقبه البعض في الصحف اليومية.
يفترض الخبير الإيراني في اللغة العربية نفسه أفضل من الناطقين بها لسعيه وراء فهم جزئياتها وتحليلها ودراسة أدبها القديم، فيما لا يتقن الكثير من العرب التكلم بالفصحى.
الفن العربي في الحوزات الدينية
رغم تخصيص الحوزات الدينية قسماً كبيراً من وقتها للغة العربية عبر مناهج قديمة فإن شبان الحوزة بدؤوا بالتسلل إلى الطرق الطريفة في تعليم العربية فتجدهم يشاركون أغاني جوليا بطرس ويافا يونان على حساباتهم الشخصية.
يذهب أغلب الإيرانيين عند تناولهم موضوع اللغة العربية إلى البحث عن اللهجة الأجمل والأخف بالنسبة إليهم، فيفضلون اللهجة الشامية على الخليجية، البعض بمحبة والبعض بعنصرية وآخرون يقحمون السياسة في الثقافة ومكوناتها.
يقول والد صديقتي: "أعشق سميرة سعيد، هل لديك أغنيتها تلك المصورة في البار”؟ أبحث في الإنترنت فلا أجد أغنية بهذه المواصفات، أعده بالحصول على نسخة منها، يسرح في ذكرياته، يطلب أغنية جانا الهوى لعبد الحليم... أرفع الصوت وتنطلق الموسيقى، تبتسم عينا الرجل المسن وكأنه عاد شاباً. يقول: "قبل الحرب - يقصد مع العراق- كنت أستمع يومياً للإذاعة العراقية، أحاول فهم ما يقولون، أنتظر الأغنية المسائية، أحاول تدوين اسم المطرب مثلما تقوله المذيعة، أرسل رسالة لصديقي الذي يعمل في الكويت، أطلب منه إحضار شريط سميرة سعيد. مع بدء الحرب بدأت الأمور تتغير، كل ما يذاع من العراق مختلف، لم أكن أفهم كل ما يقال، لكن أغاني الحرب سيئة صاخبة، كيف لنا أن نطرب لأغاني الدمار والقتل، تهجرت عائلتي من بندر عباس إلى أصفهان خوفاً من صواريخ صدام حسين، كرهنا العربية لسنوات بسبب الحرب. والآن نكره سماع رجال الدين وهم يحاولون التكلم بالعربية مفخمين بعض الحروف بطريقة مزعجة، تجعلني أغير المحطة بسرعة، لكني لا أزال أحب سميرة سعيد وصوتها الأنثوي وتلك الكلمات الجميلة مخارجها والتي لم أفهمها بعد”.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يومكل التوفيق ومقال رائع
Ahmad Tanany -
منذ 5 أيامتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعلا يوجد اله او شئ بعد الموت
Mohammed Liswi -
منذ أسبوعأبدعت
نايف السيف الصقيل -
منذ أسبوعلا اقر ولا انكر الواقع والواقعة فكل الخيوط رمادية ومعقولة فيما يخص هذه القضية... بعيدا عن الحادثة...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ اسبوعينمقال بديع ومثير للاهتمام، جعلني أفكر في أبعاد تغير صوتنا كعرب في خضم هذه المحن. أين صوت النفس من...