شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

قدّم/ ي دعمك!
ختان البنات في إيران بين

ختان البنات في إيران بين "السُنّة النبوية" و "حفظ الشرف"

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

حياة

الأربعاء 6 فبراير 201912:51 م

"الختان أمر واجب على الجميع، صبياناً وبنات، السِكّين المُحَمديّة يجب أن تعبر من تحتنا جميعاً" بلهجة سورانية تتحدث عجوز كردية من قرية في محافظة كردستان غرب إيران، أمضت عمراً طويلاً في توليد النساء وختان البنات، حديث يوافقها عليه رجلٌ يجلس بجوارها فيتابع الحديث عنها بقوله إنّ "الختان سنة نبوية وهذه السيدة قدمت خدماتها لجميع بنات المنطقة مجاناً”.

تدور عدسة مخرج الفيلم الوثائقي الباحث الاجتماعي "كاميل أحمدي" بين أربع محافظات إيرانية حيث لا تزال ظاهرة ختان الفتيات رائجة في أريافها. أغلب من يمارس هذه العادة هم من المذهب السُني الشافعي، من أذربيجان الغربية مروراً بكردستان وكرمانشاه وصولاً إلى محافظة هرمزكان، جميعها تقع غرب إيران حيث تتشابك القرى مع تركيا من جهة ومع العراق من جهة أخرى، ولا يمكن تمييز الأكراد هنا عن بعضهم البعض. تستوقف مساعدة المخرج النساء في الطريق لتسألهن عن ختان البنات بينما يتم ضبط الكاميرا عن بعد.

"هل أنت مختونة”؟ سؤال محرج لبعضهن ومضحك لأخريات. البعض أجبن: "نعم تم ختننا"، فيما نفت أخريات بشدة: "لا … نحن هربنا من تلك السكين”، لكن أغلب السيدات المسنات اللاتي ظهرن في الوثائقي دافعن عن الختان و”ضروراته" فتقول إحداهن: "من لا تُختن، طعامها ليس حلالاً”. تسألها مساعدة المخرج: لماذا؟ فتجيب: "الرسول أوصى بذلك والقرآن أيضاً”.

 "لكن ابنة شيخ القرية غير مختونة” تقول من تدير الحوار في الوثائقي، لكن السيدة المسنة تنفي بشدة قائلة: "لا غير صحيح، من لا تُختن تجلب لأهلها العار” وتشرح كيف يجلب عدم الختان العار بقولها إن الميول الجنسية ترتفع عند الفتيات غير المختونات "ولذلك يتوجب الختن درءاً للفضائح في المستقبل”.

تنتقل الكاميرا من قرية إلى أخرى على خارطة الختان في إيران، فيطرُق فريقُ العمل البابَ  ويسأل: هل تختنون بناتكن؟

الأجوبة في القرية الثانية مختلفة: "نحب (ختان البنات) لكن لا أحد يقوم بذلك لأن الغجر لم يزوروا القرية منذ زمن”، هكذا تقول قرويّة مصرّة على أن ختان البنات "جيد" لكن لا أحد يقوم بذلك اليوم، لأن الغجر غادروا القرية، "ولو عاد الغجر لعادت معهم هذه السنة النبوية” على حد قولها. تضحك جارة لها وتقول: "الحمد الله انقرضوا (الغجر) لأنني أخشى على ابنتي من الختان فهو موجع”  مؤكدة أنها بدورها مختونة، مستحضرةً الآلام الفظيعة التي صاحبت تلك التجربة.

في منطقة "بندر كنغ" جنوب إيران تعتقد العامّة أن المرأة "مخلوق شرير" وبلُطف الختان يبتعد عنها الشيطان، فعندما تكمل المولودة يومها الأربعين يقطع بظرها "تطهراً من الشياطين"
معظم المراجع عند الشيعة في ايران ومنها آية الله الخامنئي تعتبر أن ختان الإناث ليس واجباً، فيما رأى البعض أنه محرّم إذ كان سبباً بإلحاق الضرر بجسد المرأة، ورأى آخرون أن الختان "مَكرمة" لكنها ليست من السنة النبوية

يتمكن فريق إعداد الفيلم من الوصول إلى إحدى السيدات المتمرسات في الختان فتقول: "الأمر جيد وسهل عليك أن تقطع شيئاً بسيطاً من العضو الجنسي بمقدار حبة حمص لا بل هو أقل... بمقدار حبة عدس”. وتوضح أكثر بشأن عملية التشويه تلك فتقول "ما يتم قطعه هو البظر” نافيةً ما يسببه ختان البنات من آلام لهن، فتقول "لا يحدث ألم كثير” وتضيف كيف عليك أن "ترش رماد تنور فوقه (مكان القطع) أو يمكن استخدام مرهم عند الحاجة. بعد يومين ينتهي الأمر وتعود الأمور إلى مجراها الطبيعي.” تقول بهدوء شديد.

بهذه البساطة، تحدثت عدة إيرانيات من قرى نائية غرب إيران عن الختان، مشددات على أن لا مخاطر لتلك العملية، الغريب تمسكهن بالاعتقاد بأنها “ سُنة نبوية” عليهن المحافظة عليها. غير أن اللافت أن شيوخ هذه المناطق نفسها وقفوا أمام الكاميرا وأصروا على أن هذه العادة الموروثة خاطئة ويتوجب نسيانها.

القانون موجود لكن الفقر في الثقافة

لا أحد في طهران يهتم بأمر ختان البنات، فالأمر بالنسبة للكثيرين خارج الملفات المحلية، ربما يعني الفتيات في أفريقيا، تتوجم إحداهن حين نؤكد لها أن هذا التقليد الرجعي العنيف المشوه للمرأة لا يزال يمارس في أربع محافظات في ايران، فتعلو أصوات حولها مستنكرة ذلك، وهي تكاد للتكذيب أقرب. تتساءل إحداهن: “أيعقل أن يكون ختان البنات موجوداً في إيران”؟.

على الرغم من أن قانون العقوبات الإسلامي في إيران ينص في المواد (663, 706, 705, 707, 708) على تجريم مرتكب كل تشويه للأعضاء الجنسية للإناث بغرامات مادية من باب الديّة، لكن دون ذكر صريح لموضوع ختان الإناث، إلا أن من يرتكب هذه الجريمة بحق النساء لا يحترم القانون، وليس هناك أنشطة تثقيفية لتوعية السكان في المناطق التي لا تزال تمارس ختان الإناث.

أغلب المعتقدات الرائجة عن هذا الموضوع في إيران خاطئة، فالكثير ينسب ختان البنات للإسلام فيما ينسبه آخرون للعرب، لكن التحقيقات الميدانية والعلمية التي أجراها الباحثان الإيرانيان كاميل أحمدي و رايحه مظفريان حول ختان الإناث في إيران، تعكس الاعتقاد بأن الختان موروث قديم رائج بين الأكراد غرب إيران ومنتشر كذلك بين سكان هرمزكان المطلة على الخليج العربي وهي في الغالب ذات جذور أجنبية، الأمر الذي يثبته عدم انتشار هذا التقليد في محافظات مركزية كطهران وإصفهان وشيراز.

هذا الاعتقاد الخاطئ الذي يربط ختان البنات بالسُنة النبوية، لا يتعلق بمذهب محدد على الرغم من انتشاره بين أهل السنة الشافعيين إلا أن هناك عدة قرى شيعية في هرمزكان مارست ختان الإناث، والأمر لا يشمل كل سنة إيران فالسنة التركمان في الشمال الشرقي والسنة البلوش في الجنوب الشرقي لم يمارسوا ختان الإناث ولا يؤمنون بأنه من الدين. وفق تصريح سابق لمسؤولة في جمعية للدراسات النسائية "شهلا إعزازي" فإن ختان الإناث الرائج في إيران هو الأخف وطأة بين أنواع الختان، موضحة أن المجتمعات الريفية التي تمارس هذه العادة تقوم بها بشكل سري تقريباً حيث تجتمع النساء في مكان مغلق بعيداً عن الرجال وتقوم به سيدة مسنة ولا يتدخل الرجال في الأمر أبداً، حيث تحرض النساء بعضهن على القيام بهذا العمل للفتيات الصغيرات وكأنهن يكتسبن شيئاً من الثقة والقوة اجتماعياً ويثبتن قدرتهن على تربية البنات بعفة وشرف”.

نعم الإسلام بريء من هذا، لكن ماذا عن التقاليد؟

تقول هانية (25 سنة) من بندر عباس "أغلب بنات جيلي لم يتعرضن لهذه العملية البشعة، لكن في الأرياف في هرمزكان وجزيرة قشم تنتشر لخرافات، لحسن حظنا هناك جيل من المتعلمات سبق جيلنا، هؤلاء رفضن الختان فزالت هذه العادة من المدينة، لكنها بقيت في الأحياء الفقيرة والأرياف، حيث لا يزال الجهل يعشش في أوساط كثيرات، وهن لا يتمتعن بخدمات الرعاية الصحية". وتضيف هانية: "عندما أحاول الحديث مع بعض زميلاتي عن ضرورة محاربة هذه الظاهرة تخرج إحداهن لتقول إن الإسلام بريء من هذه التهمة، نعم بريء لكن لماذا لا يتم منع هذه الظاهرة وتحريمها عبر المنابر الدينية”؟ تتساءل. الجدل عقيم حول علاقة الإسلام ببعض الظواهر في إيران، والأمر لا ينحصر بختان الإناث بل هو محور كل شيء، فالمجتمع قرن الكثير من موروثه الثقافي وتقاليده القديمة البالية بالدين، فعندما يبدأ البعض بالنقاش حول ظاهرة ما، يصطف أغلبية الجمهور بين مدافع عن الإسلام ومهاجم له، رغم أن هذه الظاهرة كانت منتشرة قبل الإسلام ولا زال الكثير ممن يمارسونها خارج الاسلام إلا أن علاقتها غير المباشرة بالجنس تعني للبعض أنها تدخل في منظومة الحدود الشرعية، فيما جاء اختلاف العلماء المسلمين حولها ليزيد من الشبهات حول الإسلام وعلاقته بهذه الظاهرة. اعتبرت معظم مراجع التقليد عند الشيعة في ايران ومنها آية الله الخامنئي أن ختان الإناث ليس واجباً، فيما رأى البعض أن ختان البنات محرّم إذ كان سبباً بإلحاق الضرر بجسد المرأة، ورأى آخرون أن ختان الفتاة “مَكرمة" لكنها ليست من السنة النبوية، وعليه فهي غير رائجة بين متبعي المذهب الشيعي أي أغلبية سكان إيران.

التخلص من الشيطان بالختان

يعتقد بعض سكان غرب إيران وجنوبها أن حركة التجارة مع الدول الأفريقية منذ القديم واستقرار البعض منهم في إيران جَلب هذا التقليد من ثقافات أجنبية، لكن أغلبية الختانين يعتقدون أنها سنّة عن الرسول لذلك يستخدمون في بعض المناطق مصطلح "سنّة" بدل "ختن"، فيما يقيم لها البعض الآخر مراسم مستقلة تسمى “ ربعين الشفرة" ويدعون الختن  "السكّين المحمدية".

في منطقة "بندر كنغ" جنوب إيران تعتقد العامّة أن المرأة "مخلوق شرير" وبلُطف الختان يبتعد عنها الشيطان، فعندما تكمل المولودة يومها الأربعين يقطع بظرها "تطهراً من الشياطين".

أمّا سن ختان الإناث فيختلف في إيران من منطقة إلى أخرى، فبحسب كتاب  "باسم التقاليد" الذي قدم من خلاله الباحث الإيراني كاميل أحمدي إحصائيات عن نسب الختان حتى عام 2014،  يترواح سن الفتاة عند ختانها بين 4 سنوات و 12 سنة، يختلف الأمر حسب المنطقة والعُرف.

نتحدى حتى لو بأغنية

تشير الدراسة العلمية التي قامت بها الباحثة رايحه مظفريان عن الختان في جزيرة قشم جنوب إيران إلى أن المذهب والدين لم يلعبا دوراً مهماً في تشكيل هذه الظاهرة، بل هناك مؤشرات ثقافية واجتماعية ونفسية تلعب دوراً مهماً في كبحها، ونوهت في كتابها إلى أن القوانين هي التي تحكم المجتمعات مهما كانت متخلفة، داعيةً لسنِّ قانون واضح يجرم ختان النساء.

وانتقدت مظفريان في كتابها من ينتظر في إيران زوال هذه الظاهرة بنفسها دون تحركات جادة لتحقيق ذلك، مشيرةً إلى أن البعض يقول إن الختان يجري في القرى التي يعيش فيها أقل من 2000 نسمة وبطرق سرية لذلك العمل فيها غير مجدٍ، إلاّ أنها كناشطة في هذا المجال ترى أن مكافحة هذه الظاهرة ضرورة كبيرة حتى لو كانت ضحيتها بنت واحدة.

دراسة كاميل أحمدي تشير إلى أرقام ضخمة، حيث تحتل محافظة هرمزكان المرتبة الأولى في الختان في إيران بنسبة 60% من سكان الأرياف والجزر، وثم تأتي محافظة كردستان بنسبة 42% من سكان الأرياف، تليها محافظة كرمانشاه بنسبة 41% من سكان الأرياف، وأخيراً أذربيجان الغربية بنسبة 27% من سكان الأرياف.

على الرغم من أن القوانين لم تتطرق لهذه الظاهرة بشكل مباشر والمؤسسات الحكومية لم تقم بحملات توعية في هذه المناطق بشكل خاص إلا أن جمعيات أهلية لم تهمل الموضوع وحاولت التحذير من مخاطر هذا التقليد البالي منادية بالقضاء عليها، حتى إن المغنية الإيرانية  "تشيمن رحماني" من كرمانشاه عرضت هذا الموضوع عبر أغنية "واحدة من آلاف" منتقدةً أنواع الظلم الذي تتعرض له المرأة في المجتمعات الريفية بشكل خاص، ومنها الختان والزواج المبكر.

الشرف أولاً

لا يتردد الرجال في المجتمعات الضيقة في الدفاع عن ختان النساء، بل ويعتبرون حملات القضاء عليه “ خطراً يهدد الأخلاق في مجتمعاتهم" فالأمر يتعلق بالشرف على حد تعبيرهم. "الختان يضبط النساء ويجعلهن أقل شهوة وبالتالي أكثر أخلاقاً ووقاراً فاللذة الجنسية يجب أن تنحصر على الرجل فقط” هكذا يقول المخيال الشعبي في بعض قرى إيران، مقتنصاً الشهوة الجنسية لدى المرأة لوضعها في خانة “المحرمات”، فيما يصبح ختان البنات “الحلال الذي يضفي وقاراً على النساء”. أنانية بعض الرجال في هذه الأرياف تذهب إلى حد رفض الزواج ممن لم تُختن، فهناك اعتقاد رائج بأن الختان يُضيّق فتحة المبهل والنتيجة متعة أكثر للرجال. يقارن صنف من الرجال هناك بعض النساء في الريف بنساء المدينة معتقداً أن نساء الريف أكثر عفة والتزاماً بسبب "نعمة الختان"، رغم إدراكهم بأن شريكهم الجنسي لا يحصل على اللذة المطلوبة وبالتالي لا يتفاعل بشكل طبيعي خلال العملية الجنسية إلا أنهم لا يفكرون بمعارضة ختان البنات، لأنه موروث قديم.

يخشى سكان هذه القرى النائية من المساس بعقائدهم، يخشون التكلم بشأنها، يخشون الاعتراض على ما يمارسونه، يخافون التفكير بذلك والإقدام على التغيير، يجلسون أمام التلفاز ليشاهدوا العالم خارج قريتهم المختلف عنهم بشدة. ختان النساء فصلٌ من حكاية اضطهادٍ تعيشه يومياً فتياتٌ كثيرات في أنحاء مختلفة من العالم، وأولُ خطوة لمواجهته هو الاعتراف بوجوده ثم نشر التوعية بحق المرأة في ألاّ تُشوَه، والنضال في سبيل ذلك.

 
إنضمّ/ي إنضمّ/ي

رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

Website by WhiteBeard
Popup Image