شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

ضمّ/ ي صوتك إلينا!
لمس وعناق وقبلات دافئة... إن الاتصال الجسدي مهم طوال فترة حياتنا

لمس وعناق وقبلات دافئة... إن الاتصال الجسدي مهم طوال فترة حياتنا

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

حياة

الأحد 25 نوفمبر 201804:01 م
وفق قانون غالبية الأسر العربية، الشِدة والحزم وإظهار القوة مع أطفالهم هو أساس التربية، وفي الوقت نفسه هو التعبير المُناسب عن المحبة والدافع هو خلق جيل من الأشداء. منذ القديم، عرفنا أن الحب هو المشاعر المرهفة الرقيقة والتعبير عنه يكون بقُبلات أو عِناق، إلا أن هذه الطريقة في التعبير عن الحب حوّلها غالبية الآباء والأمهات إلى صراخ على أخطاء الأبناء، أو بأفضل حال ادخار الأموال من أجل توفير حياة كريمة ومستقبل مضمون لأولادهم. وتغافل الجميع أهمية وعظمة التلاقي الجسدي العاطفي الروحاني بين أطراف الأسرة الواحدة وما يفعله من تقوية أواصر العائلة. فلا يعي الكثيرون مدى التأثير الكبير لـ"حُضن" دافىء يغمر الابن / الابنة وبخاصة في أوقات الضعف والهزيمة والأزمات أو الوعكات الصحية.

شعور مكتوم غير قابل للبَوح به

أنا مُرهفة المشاعر، أبكي من أبسط الأمور وأُجرح من أتفه الأشياء وأحتاج طِوال الوقت لأيادٍ تحنو عليَ. قضيت سنوات عمري مُنتظرة "احتضان" من أبي أو أمي أو من كليهما،  فلم أجد - حالي كحال الغالبية العُظمى. في طفولتي ومراهقتي كنت أراقب المشاهد الحميمية عبر شاشات التلفزيون، فلم أجد مشهداً واحداً إلا واستحوذ فيه العناق والقبلات على الجبين أو الخدين أو ربما "الطبطبة" على الكتفين كوسيلة مشروعة لتوضيح مدى الحب بين بطلي المشهد سواء كانا عاشقين أو أختين أو أم وابنتها، أو أب وابنته. inside_parentstouch1 توّلد عندي يقين - ربما أعتبره الآن سطحياً ولكن لا غنى عنه - أن هذا هو الحب ومن يحبني حقاً يفعل معي هذه التصرفات، وأما ما ألقاه في بيتي من طهو لأكلتي المفضلة أو شراء الحلوى لأجلي وكل ما يخصني وحتى ما أسمعه دائماً من أن أبي يعمل فقط لأجل تأمين مستقبلي حتى لا أتعرض لنفس الشقاء الذي يتعرض له، هذا كله يعني لي سراباً مقابل احتياج مكتوم لحضن و"طبطبة" أبويين لن أحصل عليهما أبداً.
عرفنا أن الحب هو المشاعر المرهفة الرقيقة والتعبير عنه يكون بقُبلات أو عِناق، إلا أن هذه الطريقة في التعبير عن الحب حوّلها غالبية الآباء والأمهات إلى صراخ على أخطاء الأبناء، أو بأفضل حال ادخار الأموال من أجل توفير حياة كريمة ومستقبل مضمون لأولادهم.
ما أسمعه دائماً من أن أبي يعمل فقط لأجل تأمين مستقبلي حتى لا أتعرض لنفس الشقاء الذي يتعرض له، يعني لي سراباً مقابل احتياج مكتوم لحضن و"طبطبة" أبويين لن أحصل عليهما أبداً.
كان أبي وقورواً جاداً عصامياً بكل ما تحمل الكلمة من معنى، لا يحب المزاح، يحب عمله فقط. وكحال ملايين الآباء العرب يعتبر إظهار المشاعر ضعفاً ووهناً لا يليقان برجولته وفحولته. قواميس رجولية أبوية لا تعرف كلمات الحب والاشتياق ولا يهمّ أصلاً التعبير عن هذه المشاعر، الأهم هو الظهور بمظهر رب الأسرة الذي يدور جميع أفرادها في فلكه. توفي أبي قبل أربع سنوات واستيقظ الاحتياج ذاته في نفسي، بحثت كثيراً في ذاكرتي عن موقف تحسست فيه "حضن" أبي، فلم أجد، والأدهى أني بحثت عن صورة تجمعني به فلم أجد أيضاً، إلا صورتين يحملني ويحتضنني فيهما حين كان عمري سنتين وقت الاحتفال بعيد مولدي. أما أمي فدائماً أسألها "هل تحبينني؟"، فتجيبني "هو فيه أم بتكره أولادها"، ربما لم تعِ جيداً معنى ومقصد سؤالي، فهي كذلك لم تمنحني يوماً حضناً والسبب أنها تخجل أو لا تجد بُداً لهذا الحضن. أتذكر عدداً قليلاً من القُبلات طبعتها على خديّ في مناسبات متفرقة فقط. أحكي لها مآسي عديدة أتعرض لها سواء عاطفية أو عملية وأبكي - كعادتي - حين أنفعل فأجدها تبتعد وتراقبني من بعيد بخوف وحب شديدين ولكنها تفشل في التعبير عنهما، فتُخبرني "هعملك كوباية ليمون تروّق أعصابك وهدعيلك متزعليش تاني أبداً". أنا ومئات غيري لديهن/م نفس الشعور والتفاصيل مختلفة والسبب واحد هو مشكلة كبيرة يعاني منها قطاع واسع من أرباب الأسر العربية تكمن في التعبير الخاطىء عن مشاعرهم تجاه أولادهم، فيبتعدون عن الطُرق العاطفية ليتخذوا مسالك الصراخ والعويل. بصورة كبيرة انتشرت في محافظات مصر كتابات جدارية، بعنوان " هل حضنت ابنتك اليوم؟"، دشنها الناشط محمد طاهر، الذي قال عنها : "حضن الأب بشكل خاص يدعم البنت نفسياً ويقويها ويجعلها مستقرة عاطفياً وأقوى في مواجهة المجتمع، أنا تربيت في أسرة صعيدية لا تؤمن بضرورة حنان الأب أو احتضان الأبناء، وإنما توفير فرصة معيشة مُرضية لهم"، الأمر الذي دفعه لحث الآباء على دعم أبنائهم / بناتهم من خلال احتضانهم. inside_parentstouch

أهمية التلامس الجسدي

بيّنت دراسة علمية فوائد الاتصال الجلدي للرضع، منها أن هذا التفاعل الخاص بين الأم والطفل، على وجه الخصوص، يساعد على تهدئة الأطفال الرضع حتى يبكوا أقل ويناموا أكثر. وقد ثبتت أيضاً فائدة حضن الأم لأطفالها في تعزيز تنمية الدماغ. الأطفال الذين يعيشون في بيئة محرومة مثل دار أيتام لديهم مستويات أعلى من هرمون الكورتيزول من أولئك الذين يعيشون مع والديهم. يعتقد العلماء أن نقص الاتصال الجسدي في دور الأيتام هو عامل رئيسي في هذه التغيرات الجسدية. تناولت مجلة today's parent الأهمية البالغة للتواصل الجسدي بين الآباء والأمهات وأولادهم، موضحةً أن جميع الأبناء في جميع الأعمار يحتاجون إلى الشعور الجسدي بحب عائلتهم لهم. هناك أسباب وجيهة لتبادل العناق: اللمس = صحة تقول تيفاني فيلد، مديرة معهد أبحاث اللمس في كلية الطب بجامعة ميامي: "إن الاتصال الجسدي مهم طوال فترة الحياة". تعمل اللمسة الإيجابية على تحفيز مستقبلات الضغط تحت الجلد وتخفيض معدل ضربات القلب وإبطاء التنفس وتقليل هرمونات التوتر وتعزيز جهاز المناعة. بمعنى آخر، يساعد اللمس على بقاء الجسد في حالة صحية جيدة ويرفع معنويات الأطفال، وقد أظهر العلم أن اللمس الإيجابي يقلل من الاكتئاب، وكما تقول فيلد. "اللمس وسيلة قوية لتوصيل العاطفة والرعاية والاهتمام". via GIPHY

الحضن الأسري وما يجلبه من سعادة

ثمة مجموعة من الأبحاث أبرزت الصلة الوثيقة بين المحبة والود اللذين يحصل عليهما الأطفال في الصغر وصحتهم وسعادتهم مستقبلاً. وفقًا لمؤسسة Child Trends، فإن الدفء والمودة اللذين يعبر عنهما الآباء لأطفالهم يؤديان إلى نتائج إيجابية مدى الحياة لهؤلاء الأطفال، وقد ارتبط ارتفاع هذا النوع من المودة بتقدير الذات وتحسين الأداء الأكاديمي وتحسين تواصل الوالدين والطفل، فضلاً عن وجود عدد أقل من المشاكل النفسية والسلوكية للأطفال. من ناحية آخرى، فإن الأطفال الذين ليس لديهم آباء حميمون يميلون إلى أن يكون لديهم احترام أقل لذاتهم ويشعرون بأنهم أكثر عزلة وعدائية وعدوانية ومناهضة للمجتمع. وفق دراسة علمية حديثة وجد عدد من الباحثين في كلية الطب بجامعة ديوك الأمريكية أن الأطفال الذين يعيشون مع أمهات ودودات وحنونات جداً يكبرون ليصبحوا أكثر سعادة وأكثر مرونة وأقل قلقاً. اشتملت الدراسة على حوالي 500 شخص تمت متابعتهم عندما كانوا رضعاً حتى وصلوا إلى الثلاثين لمتابعة صحتهم العاطفية، فوُجِد أن البالغين الذين أظهرت أمهاتهم عاطفة أو مداعبة أقل احتمالاً من الآخرين للشعور بالتوتر والقلق وأقل عدوانية وعرضة لآلام نفسية. استنتج الباحثون أن هرمون الأوكسيتوسين قد يكون مسؤولاً عن هذا التأثير. الأوكسيتوسين هو مادة كيميائية في الدماغ تنطلق في الأوقات التي يشعر فيها الشخص بالحب والاتصال. وقد ثبت أن مساعدة الوالدين على الارتباط العاطفي مع أطفالهم وشعور الثقة والدعم بينهما، تساعد الدماغ على إنتاج واستخدام الأوكسيتوسين مما يتسبب بشعور الطفل بمزيد من المشاعر الإيجابية.


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

WhatsApp Channel WhatsApp Channel
Website by WhiteBeard