عندما اتصلت بصديقي الذي يزاول وظيفة مرموقة في العاصمة المصرية القاهرة، لتهنئته بمولودته الثالثة، شعرت بنبرة حزن في صوته، فسألته عن سبب ذلك وجاءت إجابته بمثابة القنبلة التي فجرت بداخلي الكثير من الأسئلة إذ قال: "عندما أموت لن يكون هناك من يتلقى التعازي بي"! هكذا، فصديقي الذي يعتبر من صفوة المجتمع المصري حزين لأنه لم ينجب ذكراً يتلقى التعزية به.
أبو البنات سعيد أو تعيس حتى الممات؟
يقول ابراهيم سليمان الرقب في كتابه العنف الأسري وتأثيره على المرأة، إن أول مظاهر العنف يتمثل في تفضيل إنجاب الذكور على الإناث. إذ يدعو إنجاب الذكور إلى الفرح والسرور، في حين يعم الحزن والأسى الأسرة لدى إنجاب الإناث. ويضيف الرقب في كتابه: "وتنعكس الحالة على الأم، فمن تنجب الذكر لها الاحترام والتقدير، ومن تنجب الأنثى، لها الويل والطلاق". وتعزز الأمثلة الشعبية ذلك بحسب الرقب: "مكروهة وجابت بنية"، و"صوت حية ولا صوت بنية". ويعود السبب إلى أن ثقافة المجتمع ترى في إنجاب الإناث هماً وتعباً وشقاءً للأسرة. تقول الأمثلة: "يا مخلفة البنات يا مخلفة الهم للممات"، و"هم البنات للممات لو عرايس أو متجوزات". ويشير الكتاب نفسه إلى أنه من أجل تخفيف هم البنات، يزوج الأب بناته في سن مبكرة لأن في الزواج حماية لشرفها وصوناً لعفتها، كما أن الزوج يزيح عن كاهل الأسرة عبئاً اقتصادياً واجتماعياً يفرضه إنجاب البنات، ويقول: "الزواج سترة". كما تؤكد الفتاة ثقافة مجتمعها: "نار جوزي ولا جنة أهلي". وتحذر الثقافة الشعبية الفتاة من عدم الزواج، وتدفعها لاختيار زوج لها بغض النظر عن مضمونه وصفاته وما يهمها أن تكون في ظل رجل، فتقول: "ظل راجل ولا ظل حيطة". ومع أن الأمثال تؤكد ضرورة الزواج للفتاة، فإنها لا تسمح لها باختيار شريك الحياة، مؤكدةً أن الفتاة غير مؤهلة لهذا الاختيار. يقول المثل: "لو تركوا البنت على خاطرها يا بتاخد طبال يا زمار"، لذا تطالب الآباء الاختيار لبناتهم: "اخطب لبنتك قبل ما تخطب لابنك". ويقول الرقب في كتابه أيضاً، إن الأمثال تعزز مظاهر العنف ضد المرأة في علاقتها بالرجل، فتحذر الرجال من أخذ آراء النساء في القرارات العائلية، فهن غير قادرات على التصرف الحكيم، ويقول المثل مجدداً: "شاوروهن وخالفوا شورهن".أمور لا بد من معرفتها
هناك تحت الشمس من يخالف هذا الرأي، فالأمريكي جاستن ريكليفس، وهو أب لأربع بنات، يعتبر نفسه محظوظاً، بل يرى أن من لم يرزق بالبنات هو من يستحق الشفقة. وكتب ريكليفس في هافنغتون بوست ناصحاً من ينجب البنات إلى أخذ العديد من الأمور في اعتباره:
1-هي تريد أن تكون محبوبة، فالأهم لديها مما تشتريه وتعلمه لها، أن تحبها. ولا يوجد على كوكب الأرض من يمكنه القيام بدورك كأب لها، فلا يجب أن تجعلها تشك لحظة في أنك تحبها كثيراً.
2-لك تأثير على اختيارها لشريك حياتها في المستقبل، فهي في الغالب تريد الزواج بشخص مثلك.
3- أنصت إلى الموسيقى التي تحبها. حين تكون معك في السيارة استمع إلى الأغاني والموسيقى التي تريدها، فعندما تكون سعيدة ستكون سعيداً أنت أيضاً.
4- هي تراقب كيفية معاملتك لوالدتها. ومن أهم الأمور التي يمكنك فعلها لابنتك هو أن تحب أمها وتظهر لها أن لوالدتها الأولوية الأولى في حياتك.
5- لا تبعد عنها كلما كبرت، واصل اهتمامك بها وبالتطورات التي تطرأ عليها، وبقصص الحب في حياتها. فلا تختفي عندما يبدأ جسدها وعواطفها بالتغير.
6- علم ابنتك كيف تصبح قوية البدن والعقل. علمها الرياضة، وأبعدها عن الأنوثة المفرطة في المظهر والجوهر.
7- اصنع أرشيف ذكريات مع ابنتك مثل مشاهدة الأفلام معاً في ليالي الجمعة، والنزهات التي لا يشترط أن تكون مكلفة، المهم أن تجعل مخزون ذكريات ابنتك معك ثرياً.
8- علمها الإيثار: هي ليست محور الكون، فالحياة تكون أجمل عندما نخدم الآخرين.
9- اظهر اهتماماً بالمناسبات التي تهمها، مثل حفلاتها المدرسية. 10- ابنتك أكثر أهمية من حسابك على فيسبوك وتويتر وفريقك المفضل لكرة القدم، فعندما تكون في المنزل اقضِ الوقت معها، العب معها، كن معها. via GIPHY
11- تعلم تمشيط شعرها وقص أظافرها، وهي من جانبها ستفعل ذلك لك أحياناً. اظهر لها أن الرجل يمكن أن يكون لطيفاً.
12- خذها في نزهات وحدكما أحياناً، أدعها إلى الغداء خارج البيت وسوف تكون فرصة طيبة لمحاورتها، وكي تكشف لك عما تفكر فيه. via GIPHY 13- أكد لها دائماً أن قلبها أجمل كثيراً من مظهرها، فحياة البنت يجب أن لا تدور حول فلك مظهرها الأنثوي.
14- استمتع بدورك كأب.
15- عندما تخطئ في حقها لا تعتذر فقط لها، وإنما أُطلب منها الصفح وستغفر لك.
حبيبة أبيها
وقد وجد رأي ريكليفس من يتحمس له في مصر، إذ قال سمير محمد، وهو مدير علاقات عامة بشركة، وعمره 52 عاماً: "لدي صبي وبنت وهما في سن الشباب حالياً، ولكن كانت علاقتي بابنتي دائماً مميزة للغاية، فالبنت كما يقولون حبيبة والدها ومنذ طفولتها هي أكثر التصاقاً بي، علماً أني خلال مرحلة طفولتها كنت بالكاد أستطيع الخروج من المنزل والذهاب للعمل إذا كانت مستيقظة". ويضيف محمد: "وحين أصبحت شابة كنت أقرب إليها من والدتها، وأتذكر عندما كنت في لقاء عمل في مركز تجاري كبير وشاهدتها مع أحد الشباب كيف تظاهرت أنني لم أشاهدها فجاءت وصارحتني أن من كان معها شاب تحبه وقد جاء بالفعل وطلب يدها لاحقاً وهو خطيبها الآن". ويؤيد هذا الرأي أيضاً هاني فتحي (50 عاماً)، وهو محاسب، يقول: "إنني أب لابنة واحدة، وهي أميرة والدها. فهي منذ طفولتها دائمة السؤال أين أنت؟ ومتى ستعود؟ وتفضل اللعب معي، وعندما صارت صبية باتت تدللني وتحضر لي الإفطار والشاي لدرجة أثارت حنق والدتها". وأضاف: "كانت ابنتي في طفولتها تقول لي إنها ستتزوجني عندما تكبر، وعندما كبرت أصبحت تريد الزواج بمن هو مثلي شكلاً ومضموناً وبالفعل طباع خطيبها تشبه طباعي إلى حد كبير، ورغم حبها الشديد لوالدتها ما زلتُ الأقرب لها حتى الآن".الاحتياجات النفسية
من جهته، يقول الاستشاري النفسي الدكتور هشام ناصف: "الحقيقة أن البنت مثلها مثل الصبي تماماً، لها احتياجاتها النفسية، فكلاهما يحتاج إلى الحب والاهتمام والمتابعة والملاحظة المستمرة من أجل النصح والإرشاد وتقويم السلوك باستمرار". وأضاف: "كما أن طبيعة البنت الحساسة تجعلها متطلبة أكثر في ما يتعلق بالاحتياجات النفسية، بل إن إشباع حاجتها من الحب والاهتمام يتجاوز بكثير إشباع احتياجاتها المادية التي ربما تحتل المرتبة الأولى لدى الأولاد". وأوضح: "ليس من قبيل الحب والاهتمام فرض المزيد من القيود عليها مقابل منح المزيد من الحرية لأخيها ليفعل ما يشاء باعتباره ذكراً، على العكس، من الضروري منحها حرية مسؤولة بتعليمها كيف تفكر وتختار، وذلك ما يجب أن ينطبق على أخيها أيضاً لضمان الحصول على جيل حر ومسؤول يخلو من العقد ويؤمن بالمساواة بين البنت والصبي في الحقوق والواجبات".رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يومكل التوفيق ومقال رائع
Ahmad Tanany -
منذ 5 أيامتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعلا يوجد اله او شئ بعد الموت
Mohammed Liswi -
منذ أسبوعأبدعت
نايف السيف الصقيل -
منذ أسبوعلا اقر ولا انكر الواقع والواقعة فكل الخيوط رمادية ومعقولة فيما يخص هذه القضية... بعيدا عن الحادثة...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ اسبوعينمقال بديع ومثير للاهتمام، جعلني أفكر في أبعاد تغير صوتنا كعرب في خضم هذه المحن. أين صوت النفس من...