في مثل هذا اليوم (18 نوفمبر) من العام 1928 طلّت شخصية ميكي ماوس على عالمنا للمرة الأولى في فيلم "القارب البخاري ويلي" "Steamboat Willie" والذي حقّق نجاحاً كبيراً حين عُرض لأول مرة في قاعة كولوني ثياتر بمدينة نيويورك. كان الفيلم بالأبيض والأسود، ومدّته أقلّ من ثمان دقائق، لكن تنفيذه احتاج من الرسام الأمريكي (المغمور حينها) والت ديزني أسابيع طويلة ومئات الأوراق وعشرات أقلام الرصاص، كان الأمر صعباً حينها كانت الرسوم المتحرّكة عالماً جديداً، وأدوات تنفيذها بدائية جداً. لم تكن ملامح ميكي ماوس في البداية شبيهة بملامحه اليوم، كان الفأر هزيلاً، لا يتحرّك بنفس الانسيابية والرشاقة التي يتحرّك بها اليوم بعد أن توفّرت التكنولوجيا الدقيقة والإبداع والتنفيذ المتقن. يُكمل ميكي ماوس اليوم عامه التسعين، لكنه بقي رغم سنه الكبيرة، نشيطاً، ذكياً، لم يصب بالشيخوخة أو الخرف، حتى أنه لا يحتاج حتى إلى عكّاز، فأيقونة عالم ديزني والشخصية الخياليّة الأشهر في العالم مثلها مثل أغلب الشخصيات غير الحقيقية، لا تكبر، لا تمرض، لا تموت، ولا تتأثر بعوامل الزمن.. لكنها فقط تتأثر بالتكنولوجيا الحديثة وتصبح أفضل، ما دام لديها رصيد جماهيري واسع. في أوّل ظهور له، قاد ميكي ماوس قارباً يعمل بالبخار، وحوّل الحيوانات على ظهر قاربه إلى آلات موسيقية للترفيه عن حبيبته ميني ماوس. خرجت الشخصية من أستوديو ديزني الذي كان يعمل فيه فريق عمل ناجح على رأسه الرسام أوب إيوركس، نجاح الفيلم الأول لميكي جعل الفريق يقدّم لنا في العام ذاته فيلماً آخر هو الطائرة المجنونة. نشاهد في الفيلم ميكي وهو يحاول صناعة طائرة وبعد أن ينتهي منها يحاول الإقلاع بها، لكنها تتحطّم. هنا يعلمنا ميكي الدرس الأوّل: لا يأس مع الحياة، فيبدأ من جديد، ويستمرّ في المحاولة، فنراه يركب سيارة تطير، لكن حبيبته ميني تقع منها فتتحول تنورتها إلى مظلّة للهبوط. كان واضحاً منذ البداية أن ميكي هو رمز الخيال والجنون، والمثابرة والمشاكسة كذلك، يمتلك قدراً غير هيّنٍ من "خفّة الروح" روحٌ ظريفة في جسمٍ صغير جداً. كان الفأر منبوذاً في العالم الحقيقي تقشعر منه أجساد البشر حتى حوّله ديزني إلى "شخصية" محبوبة، فأرة لطيفة ترغب "دون أن تشعر" بأن تضعها في راحة يدك وتقبّلها. شخصية ميكي تعيش وسط حيوانات مُبهرة، قادرة على التصرّف بذكاء، تحاكي تصرفات البشر بل إنها أشدّ ذكاءً من البشر، ومثل البشر لديها أمزجة متناقضة، فهناك البخيل، العاطفي، المتمرّد، العادي، التعيس، المحظوظ، المبتكر، المتكبّر، الشرّير، وغيرها من الشخوص، تعيش جميعاً في عالم خاص بها، تتقاطع أقدارها، وتصنع لنا قصصاً لا تنتهي منذ نحو قرن، هذا بالضبط ما يدهشنا في عالم ديزني عموماً، ويجعلنا لا نتوقّف عن الضحك حيناً وعن البكاء أحياناً أخرى. ظهر ميكي ماوس في عشرات الأفلام الناجحة، وتحوّل إلى هوسٍ عالمي جديد، وصار معشوق الكبار قبل الصغار، وباتت صورته تظهر على طوابع البريد، الملابس، وطبعاً ألعاب الأطفال. محطة مهمّة أخرى في حياة ميكي، هي تحوّله لحلقات "ذا ميكي ماوس كلوب" التلفزيونية، والتي حازت على إعجاب الصغار خلال خمسينيات القرن العشرين. وبحسب ما نشرته وكالة رويترز فقد قامت ديزني بافتتاح معرض فنّي لميكي على مساحة 16 ألف قدم مربعة في مانهاتن، احتفالاً بعيد ميلاده التسعين، يحوي أعمالاً فنيّة أصلية ومجسّمات لالتقاط الصور معها وسلعاً تذكارية، وسيستمرّ هذا المعرض حتى العاشر من فبراير القادم.
كان الفأر منبوذاً في العالم الحقيقي تقشعر منه أجساد بني آدم حتى حوّله ديزني إلى "شخصية" محبوبة، فأرة لطيفة ترغب "دون أن تشعر" بأن تضعها في راحة يدك وتقبّلها.
ميكي في عالمنا العربي
مثل باقي مناطق العالم، تأثّرت الدول العربية بشخصية ميكي المدهشة، وعُرض أول شريط صور متحرّك لميكي ماوس بالعربية في مصر في العام 1930، بعد ذلك تواصلت دبلجة أفلام ميكي وباقي أفلام ديزني للعربية. وكان أول ظهور لقصص مصورة لميكي ماوس مترجمة للغة العربية في 5 أعداد من مجلة سمير المصرية التي تصدرها مؤسسة دار الهلال العريقة، ابتداءً من تاريخ 17 إبريل من العام 1958. لكن بعد ذلك قامت دار الهلال في يناير من العام 1959 بإخراج العدد الأول من مجلة ميكي لتصبح مجلة شهرية، ترأست تحريرها في بدايتها نادية نشأت، نجاح النسخة العربية الكبير جعل المؤسّسة تصدرها مرّة كل أسبوع بدءاً من العدد 36 في العام 1961، لتواصل صدورها حتى عام 2003، قبل أن تسحب الحقوق و تُباع لدور نشر عربية أخرى. واعتمدت المجلة في البداية الأسماء الأجنبية مثل دونالد داك، لكن تمّ تعريب اسمه بدايةً من العدد الرابع ليصبح اسمه بطوط، غير أنها عربت اسم العم دهب منذ أول ظهور له بالمجلة. يقول الخبراء إن الفأر لا يعيش أكثر من 3 سنوات، لكن يعلّمنا والت ديزني درساً مهمّاً: ميكي ماوس سفيرها إلى العالم، يتحدّى العلم والمنطق ولا يموت أبداً.رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يومينكل التوفيق ومقال رائع
Ahmad Tanany -
منذ 6 أيامتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعلا يوجد اله او شئ بعد الموت
Mohammed Liswi -
منذ أسبوعأبدعت
نايف السيف الصقيل -
منذ أسبوعلا اقر ولا انكر الواقع والواقعة فكل الخيوط رمادية ومعقولة فيما يخص هذه القضية... بعيدا عن الحادثة...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ اسبوعينمقال بديع ومثير للاهتمام، جعلني أفكر في أبعاد تغير صوتنا كعرب في خضم هذه المحن. أين صوت النفس من...