"في ظلّ الظروف الحاليّة قررنا تعليق بعض الزيارات (إلى السعوديّة)، السياسيّة منها". كان هذا القرار الذي أبلغ به الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون الصحافيين بعد قمة القادة الأوروبيين في بروكسل.
وأوضح ماكرون أنه ناقش القرار مع كل من رئيس الوزراء الهولندي مارك روته، رئيسة الوزراء البريطانية تيريزا ماي والمستشارة الألمانية أنجيلا ميركل، وهكذا يكون التنسيق ألمانياً بريطانياً وهولندياً.
لن يؤثر القرار على زيارات الأفراد ورجال الأعمال، حسب الرئيس الفرنسي الذي زار السعودية العام الماضي، لكن ماكرون أكد أنه ومن تناقش معهم من الدول الأخرى بانتظار "توضيحات" في قضية خاشقجي.
في المقابل، لم يعلّق ماكرون على مصير وليّ العهد السعودي محمد بن سلمان حين سُئل عن ذلك، بل اكتفى بالقول "ليس لي أن أعلق على الأوضاع السياسية الداخلية لأي بلد آخر، ولا الجوانب النفسية أو الأمنية بداخلها".
وبالتزامن مع القرار، ربط وزير الخارجية البريطاني جيريمي هنت ردّ الفعل البريطاني برد الفعل السعودي، و"ما إذا كنا نشعر بأنهم يأخذون الأمر بجدية كما نأخذه نحن. هذه مسألة خطيرة جداً جداً". وتابع "علاقتنا مع السعودية علاقة استراتيجية أيضاً. ردنا سيكون محل بحث... وفي النهاية إذا تبين أن هذه الروايات صحيحة، فإن هذا، وبوضوح شديد، لن يكون متسقاً مع قيمنا".
يُذكر أن وزير الخارجية التركي مولود جاويش أوغلو قال، اليوم الجمعة من ألبانيا، إن تركيا لم تقدم أي تسجيلات صوتية لأحد، قاصداً تصريح نظيره الأمريكي مايك بومبيو، بينما تعهد بأن تركيا ستكشف نتائج التحقيق "بشكل شفاف".
وكانت فرنسا انضمت إلى عدد من البلدان، منها هولندا وبريطانيا وألمانيا، التي قالت إنها ستقاطع مؤتمر الاستثمار المقرّر عقده في السعودية الأسبوع المقبل.
وتتمتع باريس والرياض بروابط دبلوماسية وثيقة وعلاقات تجارية تشمل الطاقة والتمويل والسلاح، بينما قال وزير المالية الفرنسي برونو لومير إنه أبلغ نظيره السعودي بقراره عدم السفر إلى الرياض.
لكن رداً على سؤال عما إذا كانت هذه الخطوة ستؤثر سلباً على العلاقات بين البلدين قال لومير "لا، على الإطلاق. الرياض والسعودية شركاء استراتيجيون لفرنسا على الكثير من المستويات...".
وكانت مديرة صندوق النقد الدولي كريستين لاغارد أعلنت أيضاً عن إرجاء زيارتها التي كانت مقررة للشرق الأوسط وتشمل الرياض لحضور المؤتمر الاستثماري، من دون الإفصاح علناً عن السبب، لكن قالت في مناسبة أخرى إنها تشعر "بالفزع" من التقارير الإعلامية عن اختفاء خاشقجي.
ترامب بين المشرّعين وكوشنر
أمريكياً، صرّح الرئيس التنفيذي لمجموعة "غولدمان ساكس" ديفيد سولومون، في مقابلة مع "سي.إن.بي.سي"، أن مجموعته لن ترسل أياً من مسؤوليها التنفيذيين إلى مؤتمر الاستثمار، موضحاً "كانت دينا باول تنوي الذهاب إلى المؤتمر. أما الآن فلن تحضر المؤتمر".
أتى هذا القرار، بعدما كان وزير الخزانة الأمريكي ستيفن منوتشين قال يوم أمس الخميس إنه لن يشارك في المؤتمر الاستثماري. وكتب منوتشين على تويتر "التقيت للتو (بالرئيس) دونالد ترامب والوزير (مايك) بومبيو وقررنا أنني لن أشارك في قمة مبادرة مستقبل الاستثمار في السعودية".
فرنسا، ألمانيا، هولندا، بريطانيا أعلنت مقاطعتها سياسياً للسعودية في الوقت الراهن، بينما تتضارب ردود الفعل الأمريكيّة بين ضغط المشرعين ونصائح كوشنر
في تصريح لافت، حمّلت روسيا واشنطن مسؤولية جزئية في قضيّة خاشقجي مفضّلة عدم الحديث عن مستقبل علاقتها مع السعودية، وكذلك فعلت الصين التي قالت تقارير إنها تراقب باهتمام شديد مصير تجارة السلاح بين واشنطن والرياض
وكان ترامب صرّح الخميس بالقول "يبدو من المؤكد أن خاشقجي قد مات"، مؤكدا أن العواقب يتعين أن تكون "بالغة الشدة".
من جهة أخرى، وفي مقابلة مع "نيويورك تايمز"، أعرب ترامب عن ثقته في تقارير للاستخبارات تشير إلى دور سعودي على مستوى رفيع في اغتيال خاشقجي. لكنه أوضح أنه لا يزال "من المبكر بعض الشيء" استنباط نتائج قاطعة بخصوص من أمر بقتله.
وكانت الصحيفة نقلت أن مستشار البيت الأبيض جاريد كوشنر، وهو صهر الرئيس، قد طلب من ترامب أن يقف إلى جانب ولي العهد السعودي، لكن مصدرين أمريكيين قالا لـ"السي أن أن" إن كوشنر نصح الرئيس بالتحرك "ببطء وحذر" في المسألة السعودية و"عدم اتخاذ قرار سريع تحت الضغط" من الخطابات الساخنة للمشرعين الأمريكيين.
وربط كوشنر، حسب التقارير، ذلك بأن "الانسحاب المفاجئ من دعم الرياض قد يكون له تداعيات واسعة، بما في ذلك مع إيران" ولأن "الولايات المتحدة تتعاون مع أنظمة أقل قبولاً حول العالم وليس فقط السعودية".
قارن بوتين بين اختفاء خاشقجي وقضية سكريبال، وحث المجتمع الدولي على طرح مناهج موحدة للتعامل مع مثل هذه القضايا
وطالب أكثر من 40 نائباً في الكونغرس الأمريكي في رسالة، يوم الخميس، ترامب بفرض عقوبات صارمة على السعودية في حال ثبت تورطها، وأعربوا عن انزعاجهم من تصريحاته السابقة التي تدل على أن "الأموال أهم من العدالة والقيم الأميركية"، كما أشاروا لضرورة "وقف التورط الأمريكي في حرب اليمن".
روسيا تحمّل واشنطن مسؤولية
في المقابل، وعلى صعيد الموقف الروسي الرسمي الأول، كان الرئيس فلاديمير بوتين قد صرّح أمس بأنه "لا يجوز الإضرار بالعلاقات مع المملكة السعودية قبل انتهاء التحقيق"، محمّلاً واشنطن جزءاً من المسؤولية عن اختفاء خاشقجي لكونه كان مقيماً في الولايات المتحدة.
[caption id="attachment_91642" align="alignnone" width="700"] الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين[/caption]وذكر الرئيس الروسي أنه لا جدوى من اتخاذ خطوات تضر بالعلاقات مع الرياض قبل انتهاء التحقيق في القضية، داعياً من يعتقد أن خاشقجي اغتيل إلى تقديم أدلة تثبت ذلك، كي تتصرف روسيا على أساسها.
وقارن بوتين بين اختفاء خاشقجي وقضية سكريبال، وحث المجتمع الدولي على طرح مناهج مشتركة للتعامل مع قضايا كهذه. وقال "لم تطرح أي أدلة تثبت تورط روسيا في القضية، لكن الإجراءات العقابية اتُّخذت.. والآن يتحدثون أن عملية اغتيال نُفّذت في اسطنبول لكن دون اتخاذ أي خطوات. يجب طرح مناهج موحدة للتعامل مع مثل هذه القضايا".
الصين تنتظر الفرصة
بدورها، استغلت الصين القضيّة لتصوّب على مواقف واشنطن، وقالت صحيفة غلوبال تايمز الصينية إن قضية الصحافي السعودي اختبار لموقف واشنطن تجاه القضايا المتعلقة بحقوق الإنسان.
وانتقدت الصحيفة الحكومية ما سمته ازدواجية المعايير لدى الولايات المتحدة والدول الغربية في التعامل مع القضية، وأشارت إلى أن هذه الدول تتعامل بسياسة الكيل بمكيالين.
رغم حديث الصين عن ازدواجية المعايير لدى الولايات المتحدة والدول الغربية في التعامل مع قضية خاشقجي، فإنها لم تعلق بدورها على الحادثة، وحين وُجّه السؤال للمتحدث باسم خارجيتها، اكتفى بالقول إن الصين لاحظت تطورات القضية.
ولفتت الصحف الصينية إلى متانة العلاقات بين البلدين، مشيرة إلى أن الصين أكبر شريك تجاري للسعودية، وأن حجم التبادل التجاري بينهما وصل خلال العام الماضي إلى 42 مليار دولار. كما أشارت إلى أن البلدين وقعا في مارس الماضي على صفقات في مجال الطاقة والفضاء والتكنولوجيا بقيمة 65 مليار دولار.
وقالت تقارير إن الصين تتابع باهتمام تطورات القضية ومدى تأثيرها على العلاقات الأمريكية السعودية، خصوصاً في ما يتعلق بتجارة السلاح بين البلدين، لا سيما وأن المملكة تُعتبر أكبر مشتر للسلاح في المنطقة العربية، وثاني أكبر مشتر للسلاح في القارة الآسيوية بعد الهند.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ يومرائع. الله يرجعك قريبا. شوقتيني ارجع روح على صور.
مستخدم مجهول -
منذ يومحبيت اللغة.
أحضان دافئة -
منذ يومينمقال رائع فعلا وواقعي
مستخدم مجهول -
منذ 6 أياممقال جيد جدا
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعحب نفسك ولا تكره الاخر ولا تدخل في شؤونه الخاصة. سيمون
Ayman Badawy -
منذ أسبوعخليك في نفسك وملكش دعوه بحريه الاخرين