شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

ساهم/ ي في صياغة المستقبل!
فرضيات مصير خاشقجي… قصصُ رعبٍ في الشارع السعودي

فرضيات مصير خاشقجي… قصصُ رعبٍ في الشارع السعودي

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

سياسة

الأحد 14 أكتوبر 201804:51 م
موالون أو معارضة، في الداخل أو الخارج، هناك شعورٌ مريب لدى عددٍ غيرِ هيّن من السعوديين إزاءَ المصير الغامض للصحافي السعودي جمال خاشقجي، الذي شاءت الأقدارُ أن يدخلَ قنصلية بلاده في إسطنبول ولا يخرج منها. فرضيات كثيرة محتملة، لكن لا أحد يعرف حتى الساعة الجهة التي تقف خلف اختفاء خاشقجي، ورغم الاتهامات الكثيرة للجانب السعودي، إلا أن المنطق يقول إن جهات استخباراتية أخرى ممكن أن تكون ضالعة كذلك بلغز اختفائه. في غياب المعلومة تكثر الإشاعة وتتكاثف، لكن حقيقة واحدة ثابتة حالياً: جمال خاشقجي اختفى. هذا الاختفاء الذي شابهُ صمتٌ مريب ثم تضارب التصريحات السعودية والتركية، تذبذب إعلامي، ولّد حالة من الذهول في صفوف الرأي العام الدولي، الذي "يبحث" بدوره عن الحقيقة من خلال محاولة فك طلاسم التصريحات السياسية ولوائح الاتهامات المتبادلة، والتلويح بالعقوبات... لكن ماذا عن الشارع السعودي؟ كيف يعيش أطوار هذه القصة؟ بدايةً، تجاهلَ الإعلامُ السعودي الذي يُبثّ داخل المملكة أو خارجها قصةَ اختفاء جمال خاشقجي، ووسطَ الزخمِ الإعلامي قال لاحقاً إنها "مؤامرةٌ تستهدف المملكة". بعضُ السعوديين الموالين للنظام نشروا وسم (هاشتاغ) مضاداً لوسم #أين_جمال_خاشقجي الذي انتشر الساعاتِ الأولى لاختفائه، فاختاروا وسم: أين جمال يا خديجة (خطيبة خاشقجي)، أين جمال يا تركيا، أين جمال يا قطر، أين جمال يا أردوغان، في خطة دفاعٍ تعتمدُ على الهجوم عوضَ تقديم القرائن، فرَغم مرور أسبوعين على اختفاء الصحافي، لم يقدم النظام السعوديُّ أيَّ دليلٍ على مغادرته القنصلية. عناوينٌ في الإعلام السعودي لم تتردّد في تشويه خطيبةِ الصحفي السعودي "خديجة جنكيز" والسخرية منها، زاعمةً أنها ليست امرأة، إنما "رجلٌ متنكرٌ ينتمي لجماعة الإخوان المسلمين"، والحال أن خديجةَ هي الشاهد المهم وربما الوحيدُ على عدم خروج الرجل من قنصلية بلاده، فقد بقيت تنتظره ساعاتٍ وهاتفه بيدها تتفحصه. وانتشرت يوم السبت حملةٌ أخرى على تويتر للدفاع عن "المملكة" بعد الانتقادات التي تعرضت لها، واسمُها: #الوطن_غالي_فلاحياد تعامل وسائل الإعلام الرسمية مع قضية اختفاء خاشقجي وغياب وزير الخارجية الذي تزامن مع اختفاء الصحفي، زاد حيرة الشارع السعودي الذي أحب جمال. وزيرُ الداخلية السعودي، الأمير عبد العزيز بن سعود بن نايف بن عبد العزيز أعلن السبت عن "شجبِ المملكة واستنكارِها لما يتم تداولُه في بعض وسائل الإعلام من اتهاماتٍ زائفة، وتهجُّمٍ على السعودية حكومة وشعباً" لكن من يتهجّمُ على الشعب السعودي؟ لا الإعلامُ العربيّ المستقل تهجَّم على الشعب السعودي ولا الأجنبيُّ كذلك، إنما هناك انتقاداتٌ للنظام السعودي لتلكئه بدايةً، ثم الاستهانةِ باختفاء خاشقجي، ثم لاحقاً لاتهامه أطرافاً أجنبيةً بأنها تتآمر على المملكة، إضافةً إلى مشاركة الإعلام في محاولة طمسِ معالم جريمة، دون تقديمِ دليلٍ واحد على مغادرة الرجل "حياً" مقرَّ القنصلية؟ الأصواتُ السعودية وغير السعودية المساندةُ للنظام في قصة اختفاء خاشقجي، حاولت أن تحوّلَ أنظارَ الجمهورِ القلقِ بشأن اختفاء خاشقجي، بشنّ هجومٍ يومي على دولٍ أخرى. وكعادة عملياتِ التجنيد الإلكتروني، تكررت تغريدةٌ واحدة في عدة حسابات، كهذه التي تحمّلُ خديجةَ مسؤوليةَ غياب "خطيبها".
في المقابل، هناك شقٌّ من السعوديين الصامتين منذ اختفاء خاشقجي، أبرزهم وزيرُ الخارجية عادل الجبير الذي غابَ تماماً منذ اختفاء جمال، فيما قالت صحيفة "عكاظ" السعودية قبل يومين إنه "يمر بوعكةٍ صحية". السعوديون المعارضون الموجودون خارجَ المملكة، قالوا إن اختفاء خاشقجي يمثل رسالةَ تهديدٍ لكل المعارضين في الخارج. في تقرير أعدَّته رويترز، استجوبت فيه عدداً من السعوديين، بشأن قصة الصحافي المختفي، قال عزيز عبد الله، طالبٌ يدرس الحقوق في السعودية لرويترز:"لا يمكنني التحدثُ عن تلك الأمور.. لكني واثقٌ أن الاتهاماتِ بحق قيادة بلادي خاطئة. لدينا أعداءٌ.. كما تعلمون". وتقول الوكالة إن "القليلَ فحسب من السعوديين الذين أجرت معهم رويترز مقابلاتٍ كانوا على استعداد لانتقاد الحكومة علناً، لكن الكثيرين ممن طلبوا عدمَ ذكر أسمائهم قالوا إن المزاعمَ أثارت تساؤلاتٍ عن تعهدات ولي العهد بتحقيق انفتاحٍ في المملكة المحافظة". ونقلت رويترز أن مواطناً سعودياً مقيماً في جدة قال لها:"الجميعُ يشعرُ بالفزع. الأمر أشبهُ بوجودِ وسائلَ على الجدران تتنصّت على كلّ شيء. لا أعتقد أن حريةَ التعبير تندرج ضمنَ خطط الإصلاح على الإطلاق.. بل العكس تماماً... من ناحيةٍ أخرى لديك دور عرض سينمائي وترفيه. الأمر مثل اتفاق ضمني غير معلن. لا حرية.. لكنك ستحصل على التسلية. دعونا لا نخلط بين التسلية والحرية رجاء". في السياق ذاته قالت مواطنةٌ سعودية في منتصف الثلاثينات لرويترز إن قضية خاشقجي "مثل متابعة فيلم"، تابعت:"الحكومة تعتقد أن بإمكانها الإفلاتَ بأفعالٍ مثل تلك.. سواء كان قتل أم اختطف... هناك دائماً هذا الشعور أنّ علينا توخي الحذر والتحسب لما نقول. لسنا في مأمنٍ بالكامل". شهادةٌ أخرى لمواطن سعودي يعمل مصرفياً ذكرتها رويترز في تقريرها يقول:"من المخيف أكثر فأكثر أن تعبرَ عن رأيك.. حتى إن ناقشتَ الجدوى الأساسية لخطة.. لا يمكنك أن تثقَ بأنك في مأمن". وقالت سارة، طالبةٌ سعوديةٌ تدرس في الخارج:"بدأتُ أتساءل.. هل أخطأنا تقدير الحلم؟ هل سنضطر للتضحية بحرية التعبير مقابلَ التنمية الاقتصادية وبعض الحقوق الأساسية؟". تقرير رويترز مثيرٌ لأنه يكشف أن داخلَ الشارع السعودي -عكس ما يقوله الإعلام السعودي- خوفٌ وريبةٌ، من ذلك المنشار الذي يقصّ أوصالَ المواطنين بعد استدراجهم في الخارج. صحيفةُ سبق السعودية الإلكترونية، أكبر صحيفة في المملكة على الإنترنت، انتقدت رويترز واتهمتها بـ"استغلال اختفاء خاشقجي لتقويض مساعي الإصلاح في المملكة". وقالت:"استغلت حادثةَ اختفاء مواطن سعودي لمهاجمةِ الرياض، وانتقادِ قادتها، ومحاولةِ قلب الرأي العام الدولي، لتشويه خطواتها الجريئة في الإصلاحات الداخلية، وإعاقةِ الواقع الجديد المشرق للمنطقة".

أمير كان سيلقى مصير خاشقجي

شهادةٌ لافتة لسعودي غير عادي بل هو أمير، تسدل ستاراً كثيفاً من الرعب على فرضية "تصفية" جمال خاشقجي. في تصريح لصحيفة أندبنتدت البريطانية، قال خالد بن فرحان آل سعود، أميرٌ سعودي يعيش في المنفى في ألمانيا، إنَّ السلطاتِ السعوديةَ دبرت مؤامرةَ اختفاءٍ مشابهة ضده قبل 10 أيام فقط من اختفاء خاشقجي. أضاف الأمير أن خمسة أمراء آخرين من أحفاد الملك عبد الله بن عبد العزيز مؤسس المملكة العربية السعودية تم اعتقالهم الأسبوع الماضي بعد انتقادهم لحادث اختفاء خاشقجي. لكن هذه المعلومة غيرُ قابلة للتثبت في الوقت الحالي. ويقول الأمير خالد إن سلطات بلاده حاولت استدراجَه إلى السفارة السعودية في برلين "لكني كنت في كلّ مرة أرفض.. أعرف ما يمكن أن يحدث لو ذهبت إلى السفارة" على حد تعبيره. بعض مساعدي الأمير سلطان بن تركي، صرحوا للاندبندنت، أن الأمير استُدرِج للسفر إلى القاهرة على متن طائرة خاصة ملكية للقاء والده، لكنَّه خُدِّر ونُقِل جواً إلى السعودية. ويُعتقَد أنه ما زال حياً، لكنَّه رهن الإقامة الجبرية في منزله. ويبدو أن خاشقجي نفسَه، اختفى قبل أن يسترسل في وصف الرعب المخيم في السعودية. صحيفةُ نيويورك تايمز ذكرت الثلاثاء أن خاشقجي ناقش مع اثنين من أصدقائه مسودةَ مقالٍ له عن "غياب حرية التعبير في العالم العربي" قبلَ يوم واحد من اختفائه. عام 2017، بثت بي بي سي تحقيقاً وثائقياً عن اختفاء أمراء سعوديين. في ذلك الوثائقي، بثت القناةُ ملابساتِ اختفاء أمراء من العائلة المالكة السعودية كانوا يعيشون في أوروبا. وجمعت أدلةً وبراهين تشير إلى وقوع عمليات اختطاف وترحيلٍ قسري لأمراء انتقدوا العائلة الحاكمَةَ السعودية في الخارج. تحدثت بي بي سي إلى الأمير خالد بن فرحان آل سعود، الذي يعيش في ألمانيا والذي عبَّر عن خشيته هو أيضاً من الاختفاء.
لا أحد يعرف حتى الساعة الجهة التي تقف خلف اختفاء خاشقجي، ورغم الاتهامات الكثيرة للجانب السعودي، إلا أن المنطق يقول إن جهات استخباراتية أخرى ممكن أن تكون ضالعة كذلك بلغز اختفائه. هُناك حقيقة واحدة ثابتة حالياً: جمال خاشقجي اختفى.
هذا الاختفاء الذي شابهُ صمتٌ مريب ثم تضارب التصريحات السعودية والتركية، ولّد حالة من الذهول في صفوف الرأي العام الدولي. لكن ماذا عن الشارع السعودي؟ كيف يعيش أطوار هذه القصة؟
اليوم يمثّل جمال خاشقجي، واحدةً من حلقاتٍ غامضةٍ في مسلسل الاختفاء القسريّ في السعودية، الذي شمل مواطنين وعلماء دين وحقوقيين وأمراء.
فرضياتُ الرعب التي تتكاثفُ وسطَ الصمت الرسمي وتأخر الحقيقة بالظهور، تهدد سلامةَ المعارضين في الخارج، وكأنها تتوعد كلَّ من ينتقد النظام بمصيرٍ مشابه، لكن هذه الفرضياتِ حتى في الداخل الموالي لا يمكنها أن تبعثَ الطمأنينة.

رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

Website by WhiteBeard
Popup Image