يُعدّ منع دخول النساء إلى ملاعب كرة القدم في إيران من أهم ظواهر المنع في الجمهورية الإسلامية الإيرانية وأغربها بالنسبة لبقية الشعوب. فقد جرى منذ قيام "الثورة الإسلامية" عام 1979 الفصل بين الرجال والنساء في جميع الأماكن العامة: المدارس، الجامعات، الحافلات، الملاعب، بعض أماكن العمل حتى الشواطىء. والمبرر واحد: منع وقوع الخطيئة. غير أن حواجز المنع لم تثنِ نساء إيرانيات كثيرات عن العبور إلى المناطق المحظورة. الثلاثاء الماضي، شهدت طهران ظاهرة غير مألوفة على من سنهن دون الأربعين، تتمثل في دخول 200 فتاة وامرأة إيرانية ملعب "آزادي" الذي بقي أربعة عقود ممنوعاً على النساء. الشرطة النسائية رافقت النساء إلى داخل الملعب لتشجيع المنتخب الإيراني في مباراته الودية أمام بوليفيا. قد يبدو الأمر خطوة إيجابية تكسر إيقاع المنع، وتفسح للنساء في إيران وبشكل استثنائي مساحات بقيت مجهولة لهن، لكن أبواب الملعب لم تُفتح لعامة النساء، بل أدخلت مجموعة تم اختيارها من عائلات اللاعبين والموظفات في الاتحاد الرياضي، الأمر الذي وصفه جزء من الشارع الإيراني بـ "الانتقائية المريبة". ماذا عن بقية النساء اللواتي ينتظرن خلف الأبواب، وكلهن فضول في اكتشاف الملعب، ومعرفة كيف تبدو لعبة كرة القدم عن قرب؟ لا جواب. أغلقت الأبواب والتقطت الصور لمناسبة غير عادية، نشرت لاحقاً على مواقع الأخبار لتروّج من جهة للوجه الإصلاحي لحكومة حسن روحاني حتى يستعيد القليل من شعبيته التي فقدها في الاحتجاجات الأخيرة، ومن جهة ثانية ليقف اتحاد كرة القدم الدولي على محاولات إيران تطبيق المعايير الدولية في كرة القدم. هذا الخبر نشر الأمل بين بعض المواطنين في إيران، قسم منهم اعتبرها "رغم الانتقائية خطوة جيدة"، فيما آخرون اعتبروها خطوة، ربما تؤسس لخطوات أخرى مستقبلاً، لكن قبل أن تمضي 24 ساعة على "الحدث"، صرّح المدعي العام في طهران محمد جعفر منتظري: "ما حدث مخالف للشريعة، وإن تكرر فسنرسل من يتصدى له". لماذا هو مخالف؟ سئل منتظري، فأجاب: "نحن دولة إسلامية، شريعتنا إسلامية ولا نسمح لأحد بالمساس بها، ودخول النساء إلى الملاعب يعني وقوع المعصية"، مشيراً إلى أن لباس لاعبي كرة القدم "غير محتشم وهم نصف عراة، وهذا يغري النساء ويوقعهن في الإثم". فكرة ربط المنع بالمحرم، رائجة في إيران، وانتقاد "لباس اللاعبين لأنه مثير" جعل البعض في إيران يسخر: "هل الركبة مثيرة مثلاً"؟ تحول التصريح الرسمي إلى نكتة، وكعادة الشعب الايراني يواجه مصائبه بالسخرية، وحالاً بدأت الوسوم على صفحات التواصل الاجتماعي تنتشر وتدين تصريحات المدعي العام الإيراني التي تصور الشعب مهووساً جنسياً تفتك به "رُكبة".
"نحن دولة إسلامية، شريعتنا إسلامية ودخول النساء إلى الملاعب يعني وقوع المعصية. لباس لاعبي كرة القدم غير محتشم وهم نصف عراة، وهذا يغري النساء ويوقعهن في الإثم"، يقول المدعي العام في طهران
فكرة ربط المنع بالمحرم، رائجة في إيران، وانتقاد "لباس اللاعبين لأنه مثير" جعل البعض في إيران يسخر: "هل الركبة مثيرة مثلاً"؟
لكن الحل موجود في رأي صاحب حساب "فيك استار” الذي اقترح على لاعبي كرة القدم في إيران ارتداء الجوارب الساترة أو "الفيزون" لتتمكن السيدات من مشاهدة المباريات في الملاعب، دون خطر وقوعهن في "شِرك الإغراء" مستخدماً لغة ساخرة تعبر عن غضب جانب من الشارع الإيراني يتوق لتغيير موروث أربعة عقود من الممنوعات الكثيرة.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يومينكل التوفيق ومقال رائع
Ahmad Tanany -
منذ 5 أيامتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعلا يوجد اله او شئ بعد الموت
Mohammed Liswi -
منذ أسبوعأبدعت
نايف السيف الصقيل -
منذ أسبوعلا اقر ولا انكر الواقع والواقعة فكل الخيوط رمادية ومعقولة فيما يخص هذه القضية... بعيدا عن الحادثة...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ اسبوعينمقال بديع ومثير للاهتمام، جعلني أفكر في أبعاد تغير صوتنا كعرب في خضم هذه المحن. أين صوت النفس من...