استطاعت الدكتورة هبة قطب أن تصبح وباقتدار إحدى أشهر الطبيبات الشرعيات في العالم العربي وخاصة في ظل تخصصها النادر والصعب وهو العلوم الجنسية، ذلك التخصص الذي اشتهرت به فحظيت بشهرة واسعة وخاصة أن مثل هذا التخصص يعتبره البعض غير ملائم للسيدات.
رحلة طويلة للدكتورة هبة قطب لا يعلم عنها الكثيرون شيئاً في ظل رفضها الدائم الحديث عن حياتها الشخصية. في هذا الحوار مع رصيف 22 كشفت بعض أوراقها المستورة.
كيف نشأت الدكتورة هبة قطب حتى وصلت إلى ما هي عليه الآن؟
أنا قدرية جداً، لم أختر شيئاً، من حسن الحظ أني ولدت في عائلة ليبرالية، فوالدي الفنان التشكيلي الكبير جمال قطب الذي كان له عظيم الأثر في تكويني، فهو كان إنساناً حالماً وهادئاً ومخلصاً في عمله وهو من علمني أشياء كثيرة في حياتي، علمني القراءة وعلمني أن يكون لي رأي في كل شيء، حببني في العلم والثقافة، كل هذا أثر في، وجعلني ما أنا عليه الآن.
هل كان والدك سبب دخولك عالم الطب؟
لم يكن موافقاً على دخولي مجال الطب من باب الرأي، ولم يفرض علي الأمر، قال لي إنه معي حتى آخر العمر رغم رفضه الطب. لم يكن لي قدرة مالية على الاستمرار في هذا المجال وخاصة في ظل رحلات أوروبا وأمريكا، ولكن والدي هو من دعمني للحصول على الدكتوراة الرقم 2 في حياتي، والتي كلفت كثيراً حتى تخصصت في العلوم الجنسية.
لن أنسى جلساتي معه في صغري عندما كنا نجلس مع فطاحل الثقافة في مصر يوسف السباعي وإحسان عبد القدوس وسعيد السحار وعبد الحليم جودة السحار، ونجيب محفوظ، فهذه الجلسات صنعت شخصيتي، كما أدين له بالفعل في أنه جعلني أسعد عندما أفيد الناس.
لماذا اخترت طب السكسولوجيا أو العلوم الجنسية تحديداً دون غيره من الأقسام؟
لم أبدأ مشواري في السكسولوجيا، بل كان حلمي أن أكون جراحة، وعينت كجراحة في القصر العيني وبقيت لمدة سنة حتى أنجبت ابنتي الكبرى التي كانت سبباً في تغيير مساري، حيث كنت أعمل 20 ساعة يومياً وهي كانت لديها مشكلة في النوم، وبعد تفكير طويل اتخذت أصعب قرار في حياتي، وهو أن أترك الجراحة من أجل ابنتي.
لما بحثت في العلم الجنسي وجدت أشياء كثيرة لم ندرسها في الكلية فبحثت أكثر في هذا المجال، فوجدت أن أكثر بلد متطورة في هذا مجال السكسولوجيا هي إسرائيل، وقد استفزني هذا، فقررت خوض هذا المجال، وبحثت عن شهادة عليا في العلوم الجنسية وهكذا كان.
المجتمع "يهرس" البنات، البعض يراهن خادمات، والصدمة أن هناك أناساً مثقفين يرون أن المرأة خادمة، وكان لي تجربة مع أحدهم الذي يقول لابنه أن الست خدامة للرجل، يجب أن تتأقلم مع ظروف زوجها وتكون تحت قدمه.واخترت الطب الشرعي فأخذت الماجستير والدكتوراه وكانت الدكتوراه الأولى لي عن الإيذاءات النفسية للأطفال، كان هناك فصل كامل عن الحياة الجنسية العادية الخاصة بالناس، فلما بحثت فيها وجدت أشياء كثيرة لم ندرسها في الكلية فبحثت أكثر في هذا المجال، فوجدت أن أكثر بلد متطورة في هذا مجال السكسولوجيا هي إسرائيل، وقد استفزني هذا، فقررت خوض هذا المجال، وبحثت عن شهادة عليا في العلوم الجنسية وهكذا كان. ألم تخشي من المجتمع عند اختيارك هذا المجال الصعب والمثير للجدل؟ لم أخف من المجتمع، تربيتي جعلتني لا أخاف، أهلي علموني أن أكون في منتهى الثقة في كل شيء أفعله، السقف بالنسبة لي الحرام والحلال فقط، إنما آراء الإنسان تتغير من شارع لشارع ومن شخص لشخص، تعلمت أن أقف على أرض صلبة حتى لا أكون في مهب الريح. هل المجتمع يظلم المرأة من وجهة نظرك؟ المجتمع "يهرس" البنات، البعض يراهن خادمات، والصدمة أن هناك أناساً مثقفين على أعلى درجة ثقافة وعلم ويرون أن المرأة خادمة، وكان لي تجربة مع أحدهم الذي يقول لابنه أن الست خدامة للرجل، يجب أن تتأقلم مع ظروف زوجها وتكون تحت قدمه. عم تحدثت في موضوع الدكتوراه الخاص بك "الجنس في الإسلام"؟ تحدثت عن كل شيء تقريباً، بداية من معايير اختيار شريك الحياة كما حددها الشرع، مروراً بالعلاقة الجنسية والحلال والحرام فيها، كل شيء تقريباً. وكيف تفاعلت جامعة أمريكية مع دراسة إسلامية مثل دراستك "الجنس في الإسلام"؟ مجلس الجامعة كانوا يهودا بالمناسبة، ومنذ سفري وأنا أتمنى أن أقوم بعمل على هذه الدراسة، ولكني لم أجرؤ أن أعرض فكرتي، وخاصة ان وقتها كانت أمريكا قد تعرضت لهجمات 11 سبتمبر، فالوقت غير مناسب بفي ظل وجود حساسية أمريكية من الإسلام والمسلمين. أتذكر أن يوم امتحان الدبلومة أعطاني رئيس الجامعة الشهادة دون أن أمتحن وقال إن مستواي العلمي أعلى من الامتحان بعد أن خضت معه مناقشات عديدة، وبعدها بدأت أفكر في موضوع الدكتوراه ولا تزال الفكرة مسيطرة علي، وفاجأني هذا الأستاذ بأنه اختار الموضوع الذي كنت أتمناه، ففرحت جداً وأخبرني أنه يريد أن يعرف الإسلام أكثر وأكثر، وبالفعل قمت بعمل دراسة وافية عن الجنس في الإسلام. ما أصعب الحالات التي جاءت لك في عيادتك طلباً للاستشارة؟ خريجة تزوجت برجل وعدها بأنه سيضعها في عينه، وبعد 12 سنة زواج و3 أولاد تزوج بواحدة أخرى وقال لها "إن لم يعجبك ما فعلت إذهبي خارج منزلي وابحثي عمن يطعمك"، وذلك بعد أن توفى أبوها وأمها. شخص آخر وهو رجل جاءني للعيادة وفسر التعدد في الزوجات بأنه قال لو أنك في مطعم ومن حقك 4 وجبات بالمجان لماذا تكتفي بواحدة في إشارة إلى إجازة الشريعة الإسلامية الزواج بأربع، ووصفه هذا كان حقيراً كونه رخص الزواج، وقلت له وقتها "إيه الطفاسة دي، فالزواج أرقى علاقة خلقها الله كيف نختزلها ونرخصها بهذه الصورة، الزوجة شريكة حياة وليست مجرد طباخة أو سيدة تشاركك السرير في آخر اليوم". هل الرجل المصري تحركه شهواته؟ الرجل عامة ضعيف أمام شهواته أكثر من المرأة مع أن الله أعطاه عقلاً كي يحكم شهواته، وبالمناسبة لما فكرت في فلسفة الصيام وجدت أن الله يثبت للإنسان أنه يستطيع أن يمنع نفسه عن غرائز أساسية كالأكل، فكيف لا يستطيع أن يتحكم في شهواته، فمن يقول لي أنا خنت زوجتي دون أن أقصد أقول له أنت كذاب، فكيف استطعت أن تحرم نفسك من الأكل والشرب ولم تحرم نفسك من الشهوة. ولكن بعض الرجال لا يكتفون بامرأة واحدة فقط؟ المتزوج الذي يفكر في إمرأة غير زوجته اعتبر الأمر من الـ"طفاسة" غير المبررة. ولكن الشريعة الإسلامية أحلت الزواج الثاني والثالث والرابع؟ الزواج الثاني يجوز ولكن له اشتراطات كثيرة، فيجب أن تأخذ رأي زوجتك الأولى في البداية وهي من تختار لك العروس وتوافق عليها، هذا هو فقه التعدد، والأصل في الزواج هو الارتباط بواحدة فقط. كيف ترين دعوات البعض لتدريس العلوم الجنسية في المدارس؟ أنا أول من دعوت لتدريس العلوم الجنسية في المدارس عام 2005 وقدمت الاقتراح لمجلس الأمومة والطفولة والمجلس القومي للمرأة، وقوبل وقتها بـ "الخضة"، وكانت هناك ضوابط للمشروع، وهي أن يكون المنهج متدرجاً من سن الحضانة حيث فيها يتعلم الطفل ثقافة العورة. وفي الابتدائي يتم تدريس الاختلاط بالآخر وحدوده والمناطق المحرمة، وفي الإعدادي نتحدث عن سن البلوغ وبدايات العلاقة الجنسية، وفي الثانوي نتحدث عن الدورة الجنسية واحتياجات المرأة والرجل من العلاقة. ومن الضوابط أن تمر المناهج على علماء نفس واجتماع وخبراء مناهج وعلماء دين، هذا بجانب اختيار شخصيات بعناية لتدريس هذا الكلام، وقلت إنها ستكون مادة اختيارية في البداية بتوقيع ولي الأمر، وقوبل المشروع بـ "الطناش"، وبقى هذا المشروع في الدرج ولم يرَ النور حتى الآن.
تعلمت أن أقف على أرض صلبة حتى لا أكون في مهب الريحبعد انتشار التحرش الجنسي في مجتمعنا.. هل التحرش الجنسي سببه قلة الثقافة الجنسية؟ لا، سببه قلة الأدب. ما تفسيرك العلمي له إذا؟ من آمن العقاب أساء الأدب. التفسير العلمي للتحرش هو نشأة الطفل الذكر نفسه وكيف يغرس فيه أبواه التعامل مع المرأة، وليس كما يحدث الآن إذ يقال بأن الفتاة هي من تهاجم والبعض يقولون إن البنت هي السبب بسبب ملابسها، وهذا أمر خاطئ. ولعلي أضرب لك مثلا على ما أقول وهو أن هناك قضية شهيرة العام الماضي حيث قامت والدة طفلة في الحضانة بتحرير محضر ضد زميلها البالغ من العمر 5 سنوات كونه وضع يده على مناطق حساسة في جسدها، ففوجئنا بوالد الطفل يردد "لم معيزك.. واللي عنده معزة يلمها" في استهزاء واضح بالبنت الصغيرة. فهذا الولد عندما يكبر سيرى أمه معزة وأخته معزة والمرأة بشكل عام معزة متاحاً التحرش بها. كيف رصدت الزيادة الكبيرة في نسب الطلاق في مصر؟ نسبة الطلاق وصلت لـ 68% في مصر بعد أول 5 سنوات زواج، لأن البنت تحس في تلك الفترة أن لها حقوقاً، والرجل في مصر يرى أن ليس لها أي حقوق، هي تعمل ويجب أن تصرف على البيت دون تقدير أو حتى مساعدة منه لها، وللأسف بعض البيوت المصرية تربي أبناءها على أن المرأة ليس لها حقوق وأن مهمتها هي خدمة الرجل وهو ما يترسخ في ذهن الذكر ويتعامل به مع زوجته بعد الزواج. هل الجنس من أسباب الطلاق؟ الجنس وحده لا يصنع السعادة، ومن يظن ذلك يفشل زواجه، الجنس جزء من السعادة فقط ولا اعتقد أنه السبب الرئيسي في تلك النسبة الكبيرة جداً. هل الزواج للهروب من مفهوم "العنوسة" الاجتماعي سبب في الطلاق؟ بالفعل، ومن هنا أنصح الفتيات ألا يستعجلن الزواج، وأقول لهن إذا لن تكوني أسعد في بيت زوجك فبيت والدك أفضل كثيراً. على صعيد آخر، ما الأسباب الرئيسية في المشاكل الجنسية لدى الرجال؟ "الأنتخة" التلوث والتدخين والأكل الكثير والأكل السريع وقلة الحركة. وماذا عن النساء؟ المشاكل الجنسية عند المرأة سببها جهلها بالشيء نفسه، فكثير من البنات لا يعرفن أن الاستمتاع مكتسب في العلاقة الجنسية في حين أن استمتاع الرجال غير مكتسب، ولعلمك فإن الفتيات يحببن الرجل من نصفه الأعلى حيث عينه وشعره ووجهه، أما الرجل فيهمه النصف الأسفل من المرأة، وعند الزواج لو لم يفهم كل طرف حاجة الطرف الآخر تحدث المشاكل، المرأة تنتظر الليمون والورد، والرجل لا يهمه سوى الجنس. جاءتني حالات سيدات تقول لي "تصوري يا دكتورة إنه تزوجني فقط من أجل الجنس". فأقول لها نعم، وأبدأ في شرح الأمور لها. يلجأ بعض الأزواج للدجل والشعوذة في التعامل مع المشاكل الجنسية. فهل هناك ما يسمى بالربط الجنسي؟ لا يوجد هذا الشيء، فقد أخبرتك عن المشاكل الجنسية التي تواجه الرجل والمرأة، أما المشايخ المزعومون فهم رموز للدجل والشعوذة، وقد خرجت في حلقة مع الإعلامي محمود سعد منذ سنوات أحذر من هذه الأمور واؤكد أنه لا يوجد شيء اسمه ربط بالنسبة للرجل ولا بالنسبة للمرأة. هي فقط المشاكل التي عرضتها لك وإذا اكتشفت انتهت. البعض يبرر البرودة الجنسية بالنسبة للمرأة بالمس والسحر وغيرهما؟ التربية الخاطئة هي من تصنع برودة المرأة. الأب يمنع البنت من أن تقترب من أي شاب دون أن يفهمها الأسباب، فهذا يرسخ لديها الخوف من الآخر حتى لو كان زوجها.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يومينكل التوفيق ومقال رائع
Ahmad Tanany -
منذ 6 أيامتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعلا يوجد اله او شئ بعد الموت
Mohammed Liswi -
منذ أسبوعأبدعت
نايف السيف الصقيل -
منذ أسبوعلا اقر ولا انكر الواقع والواقعة فكل الخيوط رمادية ومعقولة فيما يخص هذه القضية... بعيدا عن الحادثة...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ اسبوعينمقال بديع ومثير للاهتمام، جعلني أفكر في أبعاد تغير صوتنا كعرب في خضم هذه المحن. أين صوت النفس من...