شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

ادعم/ ي الصحافة الحرّة!
القوة العربية المشتركة... مَن سيقاتل مَن؟

القوة العربية المشتركة... مَن سيقاتل مَن؟

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

سياسة

الأربعاء 31 مايو 201710:02 م

في فيلمه الشهير عن حياة فنان الكاريكاتور العربي ناجي العلي (1992)، اختار المخرج المصري الراحل عاطف الطيب تقديم الممثل محمود الجندي في شخصية مثيرة للجدل. ولعلّ كثيرين يتذكرون السؤال الشهير الذي ظل ذاك "المصري السكّير" يطرحه على ناجي العلي (نور الشريف)، حين كانت صواريخ الطائرات الحربية الإسرائيلية تنهمر على مخيم عين الحلوة: "مش هتيجي الجيوش العربية؟".

السؤال ذاته تكرر في المشاهد الأولى من الفيلم، وقت كان ناجي علي، الفتى النازح من قرية الشجرة في الجليل إلى لبنان، يصغي إلى حديث "الكبار" في المخيّم، وهم يتحدثون عن دور "جيش الإنقاذ" في نكبة فلسطين.

طال انتظار الجيوش العربية كثيراً، واقترب من سبعة عقود، ولكن يبدو أن ثمة خبراً ساراً سيتصدر أخيراً عناوين وسائل الإعلام العربية الرسمية وشبه الرسمية، حين يجتمع كبار القادة العسكريين العرب في القاهرة اليوم، للبحث في الخطوات التنفيذية لما اتفق عليه ملوكهم وامراؤهم ورؤساؤهم، خلال قمتهم الأخيرة في شرم الشيخ بشأن تشكيل "القوة العربية المشتركة".

وللمصادفة الغريبة، فإنّ هذا الاجتماع العسكري العربي يتزامن مع ذكرى سقوط مدينة حيفا في أيدي عصابات الـ"هاغاناه" الصهيونية (22 أبريل 1948). وبرغم ما يحمله هذا التاريخ من رمزية، يبقى المؤكد أن القضية الفلسطينية هي آخر ما يمكن أن يفكر الجنرالات في إدراجه على جدول أعمال اجتماعهم "التاريخي"، بعدما غابت إسرائيل عن قائمة "المخاطر المحدقة بالأمن القومي العربي".

تناقضات سياسية

القرار العربي بتشكيل القوة العسكرية المشتركة كان في ذاته غريباً ومفاجئاً. صحيح أن الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي سبق أن مهّد للفكرة، قاصداً الاستفادة منها في ليبيا، إلا أن إخفاق الديبلوماسية المصرية في توحيد العرب حول فكرة التدخل العسكري في هذا البلد الغارق في الفوضى، خفّض كثيراً من سقف التوقعات.

من هنا كان مدهشاً أن يتفق معظم القادة العرب على اتخاذ قرار على هذا القدر من الحساسية والخطورة، نظراً إلى تأثيراته الإستراتيجية على أمن الشرق الأوسط، خصوصاً أنهم، منذ تأسيس جامعتهم، أخفقوا في تطبيق ميثاق التضامن العربي، وما تلاه من اتفاقات دفاع مشترك، حتى أن قرارات قممهم بشأن "التضامن العربي" تحوّلت على مدار السنوات الماضية إلى مادة دسمة للسخرية.

وبرغم أن هذه السخرية انسحبت على التعليقات بشأن تشكيل "القوة المشتركة"، فما رشح بشأنها من تفاصيل في الدوريات الأجنبية المختصة بالعلوم العسكرية يوحي بأن ثمة مقاربة جدية للمسألة هذه المرة. لكن العبرة تكمن في واقعية الفكرة ومدى قابليتها للتطبيق.

وتظهر التفاصيل العسكرية أن القوة المقترحة ستضم نحو 40 ألف جندي - بما يتجاوز عديد "حلف شمال الأطلسي" - يتوزعون بين 34 – 35 ألفاً من القوات البرية، و3 - 5 آلاف من القوات البحرية، ونحو ألف من القوات الجوية، بما يسمح للدول المشاركة بنشر "قوة مرنة للرد السريع في مناطق الأزمات".

نظرياً، يبدو تشكيل "قوة عربية مشتركة" خطوة مبشّرة، إذا ما عدنا إلى تجربة الانتصار التاريخي على إسرائيل في حرب العام 1973. ولكن من الناحية العملية، فإن إسقاط ما جرى في "نصر اكتوبر" على تجربة جديدة في ميدان العمل العربي المشترك يبدو شكلاً من أشكال الهذيان، خصوصاً أن النظرة إلى "العدو التاريخي" لم تعد واحدة بعد "كامب ديفيد" و"وادي عربة"، وما شهدته المنطقة العربية من تحولات، أفرزت أعداء مستحدثين.

فخلال الأعوام الماضية، برزت شعارات جديدة إلى الواجهة على شاكلة "محور ممانعة" و"محور اعتدال"، وجرفت الدول العربية إلى حالة استقطاب جديدة غير مسبوقة. إلى ذلك، فإن تجربة السنوات الأربع التي أعقبت "الربيع العربي" أظهرت أن التناقضات العربية لم تعد مقتصرة على الثنائي "الممانع" و"المعتدل"، بل صارت تشمل حتى "المعتدلين".

وعلى سبيل المثال، فإنّ التباين ظهر جلياً بين المقاربتين المصرية والسعودية إزاء الصراع الدامي في سوريا، فيما اتخذ بعداً أكثر خطورة ولامس مستوى القطيعة الديبلوماسية بين مصر وقطر، واتخذ شكل "حرب بالوكالة" في ليبيا.

وإذا كان الخطر "الداعشي" المستمر والمتمدد، ورياح "عاصفة الحزم" قد أسهما في تنحية الخلافات القائمة جانباً - ولو إلى حين - فإنّ أولويات هذا الطرف أو ذاك إزاء الملفات الداخلية والإقليمية تبدو متفاوتة بشكل يثير الشكوك بشأن وحدة القرار السياسي الذي يفترض أن تترجمه عسكرياً "القوة المشتركة".

ولعلّ ما يعزز تلك الشكوك هو أن الاختلاف في الأولويات والأهداف لا يقتصر على دول ذات ثقل ضئيل بل يشمل الدولتين اللتين ينتظر أن تشكلا مركز الثقل في "القوة العربية المشتركة". فالتنافس بين مصر (الثقل العسكري) والسعودية (الثقل المالي) تبدى في محاولة الطرفين قطف ثمار القوة المشتركة قبل تشكيلها.

ففي حين سارعت مصر إلى تسويق الأمر على أنه انتصار سياسي يؤهلها إلى استعادة دورها الإقليمي، فإن السعودية حرصت على انتزاع دور القيادة، حين استبقت قرار القمة العربية بتشكيل "تحالف إقليمي" لشن الحرب على الحوثيين في اليمن، وفق مبدأ "هذا قرارنا ومن يريد أن ينضم لنا فلينضم، ومن لا يريد فله ما يشاء" الذي جاء على لسان الملك سلمان بن عبد العزيز في افتتاح قمة شرم الشيخ.

أهداف ملتبسة

وبتطبيق المبدأ القائل إن العمل العسكري هو في خدمة السياسة، فإن التباينات بين الدول العربية تجعل أهداف "القوة المشتركة" ملتبسة، خصوصاً في ظل غياب قضية جامعة - وإن كانت رمزية - كتلك التي كانت تمثلها القضية الفلسطينية في وقت سابق. لا بل أن تل أبيب لم تخفِ، على لسان معلقيها العسكريين، ارتياحها لتشكيل هذا الإطار العسكري.

كذلك، يبدو عبثياً الحديث عن رغبة عربية في الاستقلال عن الولايات المتحدة، إن على مستوى قرار تشكيل القوة أو على مستوى أي تحرك عسكري قد يتمخض عنها. وفي هذا الإطار، لم يكن مستغرباً أن يسارع وزير الدفاع الأمريكي أشتون كارتر إلى تأييد فكرة "القوة العربية المشتركة"، وتعهده ضمناً توفير الدعم اللازم لها.

ولعلّ الولايات المتحدة قد تكون المستفيد الأول من قوة كهذه، إذا تشكلت، خصوصاً أنها تمثل النموذج الذي تحدث عنه الرئيس باراك أوباما في أكاديمية "ويست بوينت" قبل أشهر، حين أشار إلى أن بلاده لن تتصدى للخطر الإرهابي خارج حدودها بمفردها، ولكنها ستركن إلى الشراكة مع دول أخرى تبحث الشبكات الإرهابية عن موطئ قدم فيها.

ولكن الحرب على الإرهاب تبدو بدورها مفهوماً ملتبساً لدى العرب، فالتنظيمات المصنفة إرهابية في بلد مثل مصر (الإخوان المسلمون)، تنظر إليها دولة أخرى مثل قطر كجماعة مضطهدة. كذلك، تصنّف أطراف خليجية بعض الجماعات المتطرفة في سوريا على أنها من "قوى الثورة".

وإذا كان قرار تشكيل "القوة العربية المشتركة" قد أناط بها "مكافحة الإرهاب ومواجهة التحديات التي تهدد الأمن القومي العربي"، فإن الافتقار إلى تعريف موحد للإرهاب يجعل كل ما كتب في هذا الإطار حبراً على ورق.

ولا يخرج عن هذا السياق ما يتردد عن أن القوة المشتركة ستكون بمنزلة "ناتو" سنّي في مقابل "وارسو" شيعي. فالمزاج المعادي لإيران في بعض الدول العربية، قد لا يجد صدى في دول أخرى مثل مصر، ولا حتى في دول خليجية على غرار الكويت وعُمان.

كذلك، فإن اقتراب المفاوضات النووية بين إيران والغرب من خواتيمها "السعيدة" ستكبل يد الخليجيين - السعوديين على وجه الخصوص - في استخدامهم ورقة الخطر الإيراني لرفع منسوب الاستقطاب الاقليمي، خصوصاً أن الرئيس باراك اوباما بدا واضحاً في تأكيده أن ثمة مرحلة جديدة تنتظر الشرق الأوسط، وذلك حين توجه إلى القادة العرب، بعد اتفاق لوزان، قائلاً إن الخطر الأساسي على أنظمتهم لا يأتي من إيران وإنما من الشباب الغاضب.

إلى ذلك، فإن القلق السعودي من إيران لا يصل إلى درجة الشعور بالخطر العسكري المباشر، وإنما يتمحور حول تزايد النفوذ السياسي الإيراني على خط بغداد - دمشق - بيروت – صنعاء. ومن ثم فإن الدول الخليجية تدرك أن التصدي للطموحات الإيرانية الإقليمية تشمل خيارات عدّة، أبرزها الحرب الاقتصادية، ولا يستلزم بالضرورة استخدام قوة عسكرية يقول القائمون عليها أن طابعها "دفاعي".

هكذا، وفي ظل العجز العربي عن تحديد عدو مشترك، وتضارب الإستراتيجيات، وغموض الأهداف، تبدو "القوة العربية المشتركة" مجرّد وسيلة للضغط السياسي أكثر مما هي طرح واقعي.


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

Website by WhiteBeard
Popup Image