"إذا وصلنا ليوم رأينا فيه جيريمي كوربن داخل 10 داونينغ ستريت (مكتب رئيس الوزراء)، يجب بكل صراحة أن يرموننا جميعنا بالرصاص". لم يكن ليعبّر النائب المحافظ بوب سيلي عن رفضه وصول رئيس حزب العمال البريطاني إلى رئاسة الحكومة بشكل أقوى مما فعله في مقابلته على "بي بي سي نيوز نايت" مع جون سويني.
إبقاء كوربن خارج السلطة "أكثر أهميّة من بوريس جونسون وحتى من البريكست"، بالنسبة للنائب المحافظ الذي كان، قبل انتخابه العام الماضي لأول مرة، قد خدم في قوات الاحتياط في أفغانستان والعراق.
على جبهتين اثنتين يلعب كوربن، وعلى الجبهتين يربح مؤيدين متحمسين لأفكاره، وأعداء أكثر حماسة للقضاء على الظاهرة الكوربينيّة "المتطرفة"، كما يصفها المحافظون ومعهم رئيسة الوزراء تيريزا ماي، والتي تتصاعد منذ توليه زمام العمل عام 2015 بنسبة أصوات لافتة.
اللعب على الطريقة الكوربينيّة
الجبهة الأولى داخلية، بريطانية خصوصاً وأوروبيّة عموماً. بحسب صحيفة الإيكونوميست، في تقريرها قبل أيام، يأتي كوربين من أقصى يسار السياسة البريطانية، بينما لا يكمن تطرف حزبه في السياسة النقدية "التقليدية إلى حد ما"، بل في الإصلاحات الهيكلية التي يقترحها.
بحسب المجلة، تقوم فكرة الحزب على دمقرطة الاقتصاد… على إعطاء المواطنين كلمة الفصل في كل قطاعات الاقتصاد.
لماذا يتحرك حزب العمل بشكل أكبر الآن؟ وفقاً لـ"الإيكونوميست"، فإن أحد الأسباب هو استكمال أنصار كوربن سيطرتهم على الحزب وعلى اللجنة التنفيذية التي اقترحت الأسبوع الماضي تغييرات في القواعد، وافق عليها المؤتمر العام لاحقاً، وتطلب من المرشحين للقيادة الحصول على دعم شعبي أو نقابي قبل المشاركة في الاقتراع. هذا يجعل الأمور كلها في صالح اليساريين، وفقاً للمجلة.
أما ماي، التي تعد بخروج البلاد من الاتحاد الأوروبي بحلول مارس المقبل وترى أن "الانتخابات المبكرة لن تكون في مصلحة البلاد"، فواجهت انتقادات لاذعة من كوربن وحزبه، انتقادات رأت أن "لا أحد يحترم سلوك الحكومة منذ إجراء الاستفتاء على البريكست".
إذا ما وضعنا موقف كوربن الداخلي جانباً، وهو يعني البريطانيين والأوروبيين في ذلك أكثر من غيرهم، تبدو مواقفه الخارجيّة أكثر وضوحاً وتشدداً، لا سيما في ما يخص القضية الفلسطينية. عارض مشاركة بلاده في الحرب العراقية، صرّح بضرورة إشراك "حزب الله" و"حماس" في عملية السلام في الشرق الأوسط، دعا إلى تسوية سياسية في سوريا…
كلّ ذلك لم يمرّ من دون ردود فعل غاضبة ومنتقدة للرجل الستيني الذي ظلّ يتعامل مع القضايا الجدليّة بنزعة الرجل اليساري المتمرّد، لكن الحالة التي شهدها المؤتمر العام لحزب العمال البريطاني الأسبوع الماضي، من خطابات وقرارات، كانت أكثر ما أثار الجدل لا سيما وأن فلسطين حضرت بشكل واضح في نقاشات المؤتمر، وكادت تفوق بأهميتها نقاش الحزب بشأن مفاوضات الخروج من الاتحاد الأوروبي.
لم يدن كوربن جرائم الاحتلال في غزة وحسب، كما يفعل عادة، ولم يكتف بمهاجمة القانون القومي الذي يكرّس سلطة "الأبرتهايد"، كما علّق سابقاً، بل وصل حدّ إعلانه في المؤتمر الاستعداد للاعتراف بدولة فلسطينية مستقلة بمجرد وصوله للسلطة.
على جبهتين اثنتين يلعب كوربن، وعلى الجبهتين يربح مؤيدين متحمسين لأفكاره، وأعداء أكثر حماسة للقضاء على الظاهرة الكوربينيّة "المتطرفة"...
لن يستفيد الفلسطينيون في غزة والضفة الغربية على الإطلاق، لأن الاعتراف بفلسطين كدولة لا يجعلها واحدة، هكذا أتى الردّ الإسرائيلي على وعد كوربن الذي أثار حماسة الفلسطينيين المؤمنين بمراكمة النقاط لصالح القضية
ولم يبدُ أن الضغوط التي واجهها من اللوبي الصهيوني طوال الأشهر الماضية واتهامه بـ"معاداة الساميّة" كان لها تأثير على حماسته أو حماسة رفاقه. "نحن ندعم سياسة الدولتين.. وكي نطبق هذه السياسة على الصعيد العملي، سنعترف بالدولة الفلسطينية فور تشكيلنا لمجلس الوزراء"، قال كوربن. صفّق الآلاف طويلاً له، وارتفعت الأعلام الفلسطينية وحدها إلى جانب العلم البريطاني في المؤتمر.
ماذا بعد ذلك؟
صحف إسرائيلية عديدة اتهمت حزب العمال البريطاني بأنه أصبح "معاد لليهود" بقيادة كوربين، مصنّفة انتقاد إسرائيل في خانة العداء للسامية.
في استطلاع أخير أجرته "جويش كرونيكل"، تبيّن أن حوالي 40% من اليهود البريطانيين "يفكرون بشكل جدي بالهجرة" في حال أصبح كوربين رئيساً للوزراء، لكن في المؤتمر أصرّ كوربن على أنه غير معاد للسامية بأي شكل، قائلاً "هذا الحزب، هذه الحركة، سوف يبقون دائماً ضد معاداة السامية والعنصرية في جميع أشكالها".
ولكن كما كان متوقعاً، أطلقت تصريحات كوربن الهستيريا الإسرائيلية المعتادة، حتى في وسائل إعلام محسوبة على المعارضة كـ"هآرتس"، فالجميع حساس تجاه "معاداة السامية".
لم تخف صحيفة "جورالزم بوست" امتعاضها الشديد، كما حاولت "هآرتس" نفسها التقليل من موقف كوربن قائلة إنه لا يهم الناخب البريطاني.
من جهته، أعاد الصحافي عزرائيل برمانت، في مقال مطوّل في "هآرتس"، التذكير بمسيرة اللورد بيتر كارينغتون، الذي تولى وزارة الدفاع بين عامي 1970 و1974. وفي عام 1975، حين كان الحزب المحافظ في موقع المعارضة، التقى كارنغتون بياسر عرفات كما نادى بضرورة أن يُمنح الفلسطينيون حق تقرير المصير.
ووجه كارينغتون بعدائية في إسرائيل، لكنه أصرّ على زيارة الأخيرة ولعب دور الوسيط. من هنا، طلب برمانت من كوربين أن يتمثّل بكارينغتون ولو أن ذلك برأيه صعباً فالأخير كان رجل تكتيك وصاحب جاذبيّة على عكس زعيم حزب العمال، ولكن على الأقل يمكن لكوربن أن ينضج قليلاً ويبدأ ذلك بزيارة إسرائيل.
في المقابل، فتحت صحيفة "الغارديان" النقاش حول كوربن في مجموعة من المقالات، كان بينها ما كتبه أحمد الخالدي مؤكداً أن التعاطف مع الفلسطينيين ليس معاداة للساميّة، وليس عليه الاعتذار عن معاداته للصهيونية على أساس أخلاقي.
كيف يُقاس وعد كوربين بدولة فلسطينية؟
عن الاعتراف بفلسطين كدولة، تساءل الباحث في مركز "بيكوم" الإسرائيلي - البريطاني توبي غرين عن معناه بالنسبة للإسرائيليين والفلسطينيين مجيباً: ليس كثيراً.
وشرح غرين أن "الضجة الكبيرة" ستحدث في رام الله، حيث "سيتباهى رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس (إذا كان لا يزال موجوداً في الحكم) برفع العلم فوق سفارة جديدة في لندن... وسيحصل مانويل حساسيان، الممثل الفلسطيني المخضرم في لندن، أو أي سفير آخر على أوراق اعتماد لدى الملكة".
ولكن في الوقت الذي سيُقدم فيه الشاي للسفير في قصر باكنغهام، تابع غرين، لن يستفيد الفلسطينيون في غزة والضفة الغربية على الإطلاق، لأن "الاعتراف بفلسطين كدولة لا يجعلها واحدة... فاعتراف 137 دولة بفلسطين مع الجمعية العامة للأمم المتحدة لم يعط الفلسطينيين السيادة على الأرض.
وبالنسبة للفلسطينيين، الذين يبنون قضيتهم على مراكمة النقاط وليس على الضربات القاضية، يبدو الاعتراف فرصة جديدة لمواجهة إسرائيل، إلى جانب الفرص العمليّة التي تتمثّل بما فعله حزب العمال مثالاً قبل أيام من تصديقه لاقتراح يدعو الحكومة إلى عدم بيع الأسلحة لإسرائيل وتخصيص ميزانيات إضافية لـ"الأونروا".
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ 3 أيامرائع
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعربما نشهد خلال السنوات القادمة بدء منافسة بين تلك المؤسسات التعليمية الاهلية للوصول الى المراتب...
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعحرفيا هذا المقال قال كل اللي في قلبي
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعبكيت كثيرا وانا اقرأ المقال وبالذات ان هذا تماما ماحصل معي واطفالي بعد الانفصال , بكيت كانه...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ اسبوعينرائع. الله يرجعك قريبا. شوقتيني ارجع روح على صور.
مستخدم مجهول -
منذ اسبوعينحبيت اللغة.