شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

انضمّ/ ي إلى ناسك!
إجهاض

إجهاض "الزقاق الخلفي" يتزايد في المغرب: للنساء حلولهن الخطيرة وللدولة حلولها الغريبة عن الواقع

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

حياة

الاثنين 8 أكتوبر 201810:36 ص
النساء المغربيات يُقبِلنَ على عمليات الإجهاض بشكل كبير، هذا ما تظهره الدراسات والأبحاث الميدانية التي تم إجراؤها، سواء داخل المغرب أو خارجه.

خلال العام الماضي، بدأ الحديث عن المغرب باعتباره في المرتبة الأولى عربياً بحوالي 1400 عملية إجهاض سري في اليوم، متبوعاً بتونس التي تسمح بإجراء الإجهاض بشكل قانوني منذ سنة 1973؛ فيما حلّت الولايات المتحدة في المركز الأول عالمياً بمليون حالة إجهاض سنوياً.

في الثامن والعشرين من سبتمبر كل عام، يعيد العالم إحياء "اليوم العالمي للإجهاض الآمن" للتذكير بأهميّة منح المرأة الحق في تقرير مصير حملها والحصول على الإجراءات الطبيّة اللازمة للحفاظ على حياتها في حال قرّرت التخلص من الحمل لسبب معيّن.

وتُعرّف منظمة الصحة العالمية الإجهاض غير الآمن بأنه "الإجراء الذي يقوم به أشخاص يفتقرون إلى المهارات اللازمة أو في بيئة لا تتفق مع الحد الأدنى من المعايير الطبية أو كليهما". كما تُعرف عمليات الإجهاض غير الآمن في بعض الأحيان بالعامية بـ"إجهاض الزقاق الخلفي" التي يجريها بالسرّ شخص لا يملك التدريب الطبي المناسب، أو شخص محترف يعمل في ظروف لا تلتزم بالمعايير الطبيّة، أو تجريها المرأة نفسها.

حوالي 25 مليون عملية إجهاض غير آمن جرت بين عامي 2010 و2014، بحسب تقرير المنظمة العالمية العام الماضي، بينما تموت نحو 70 ألف امرأة حول العالم سنوياً بسبب هذه العمليات التي تجري بمعظمها في مناطق أفريقيا وآسيا وأمريكا اللاتينية.

وللمغرب حصته من تلك العمليات، فرغم إقبال المغربيات على الإجهاض بشكل متزايد، فإن القانون الجنائي للمملكة لا زال يُجَرّمه ويفرد له عقوبات تصل إلى السجن، سواء في حق المرأة أو الطبيب(ة) الذي/التي أجرى/ت العملية.

الملك يتدخل لتقنين الإجهاض، ولكن...

في 16 مارس عام 2015، صدر بيان عن الديوان الملكي جاء فيه أن الملك المغربي محمد السادس قد استقبل كل من وزيري الشؤون الإسلامية والعدل ورئيس المجلس الوطني لحقوق الإنسان للتباحث معهم حول ملف الإجهاض السري في المغرب، وذلك "في إطار التفاعل والتجاوب الملكي الدائم مع انشغالات المواطنين ومختلف الفعاليات الوطنية، بخصوص القضايا المجتمعية الراهنة، ولا سيما منها إشكالية الإجهاض السري".

التدخل الملكي في هذا الملف الحساس، جاء بعد أربعة أيام فقط من المناظرة الوطنية حول الإجهاض التي نظمتها وزارة الصحة، بمشاركة الأصوات العلمانية والمحافظة في المملكة، للحديث عن إشكالية الإجهاض.

كانت الأرقام المتداولة آنذاك تتحدث عن حوالي 600 إلى 800 حالة إجهاض سري في اليوم في المغرب، ما جعل عدداً من الفاعلين في المجتمع المدني يدقون ناقوس الخطر عبر الدعوة إلى تقنين إجراء عمليات الإجهاض لكي تتم بشكل آمن.

INSIDE_AbortionMorocco

لكن تدخل ملك البلاد بشكل رسمي في هذا الموضوع له أبعاد أخرى؛ فالملك في المغرب يحمل صفة "أمير المؤمنين"، وأي نقاش مجتمعي يهم مستقبل البلاد وله علاقة بالدين الإسلامي، لا تُتَّخذ فيه أي قرارات من دون الرجوع إلى القصر.

حصل ذلك على سبيل المثال، عام 2001، عندما تدخل الملك بصفته أميراً للمؤمنين، لوضع حدّ للخلاف الذي نشب بين الإسلاميين والعلمانيين بخصوص مسألتي الولاية في الزواج وتعدد الزوجات، عبر الإعلان عن تأسيس لجنة تنكب على إعداد مدونة للأسرة تراعي خصوصية المغرب باعتباره بلداً مسلماً.

"اكتشفت قبل أسبوع بأنني حامل، ولما أخبرت زوجي بذلك انفعل وأرغمني على أن أُجهِض. في البداية رفضت ولكن بعدما احتدم النقاش بيننا وصل به الأمر إلى درجة تهديدي بأنني لن أدخل البيت إذا لم أضع حداً لهذا الحمل"... قصة بين قصص كثيرة في المغرب الذي يشهد حوالي 1400 حالة إجهاض سري يومياً
رغم إقبال المغربيات على الإجهاض بشكل متزايد، فإن القانون الجنائي للمملكة لا زال يُجَرّمه ويفرد له عقوبات تصل إلى السجن، سواء في حق المرأة أو الطبيب(ة) الذي/التي أجرى/ت العملية

وهو الأمر نفسه الذي تم التأكيد عليه في موضوع الإجهاض، إذ شدّد بلاغ الديوان الملكي على أن تقنين الإجهاض في المملكة يجب أن يتم في إطار "احترام تعاليم الدين الإسلامي، والتحلي بفضائل الاجتهاد، وبما يتماشى مع التطورات التي يعرفها المجتمع المغربي وتطلعاته، وبما يراعي وحدته وتماسكه وخصوصياته."

وبعد شهرين من التشاور مع مختلف الفعاليات والجهات المعنية، اتضح أن تقنين الإجهاض في المغرب لن يتم لأن "الأغلبية الساحقة تتجه إلى تجريم الإجهاض غير الشرعي، مع استثناء بعض حالاته من العقاب لوجود مبررات قاهرة..."، حسب البلاغ الثاني الذي أصدره القصر الملكي بخصوص هذا الموضوع.

في النهاية، تم الاتفاق على أن يتم السماح بالإجهاض فقط إذا كان الحمل ناتجاً عن اغتصاب أو زنا محارم، إذا كانت الفتاة الحامل مختلة عقلياً، أو في حالة ثبوت إصابة الجنين بأمراض جينية حادة أو تشوهات خلقية غير قابلة للعلاج وقت التشخيص؛ لكن تبقى الحالات الثلاث غير كافية بل وغير منسجمة مع الواقع المغربي، لأنها لا تمثل سوى نسبة قليلة على أرض الواقع.

"هدّدني كي أضع حداً للحمل"

حاولنا البحث عن عيادة طبية تقوم بإجراء عمليات الإجهاض في العاصمة المغربية الرباط، لكننا لم نتمكن من الحصول على أية معلومة من لسان الأطباء الذين يجرون هذا النوع من العمليات؛ كما حصل مع طبيب رفض أن يقدم أي توضيحات في هذا الباب خوفاً من الملاحقة القانونية، على الرغم من أنه يقوم بشكل يومي بإجراء عمليات إجهاض في عيادته لنساء منهن من يأتين من مدن بعيدة.

التقينا بسيدة غادرت للتو العيادة الطبية بعدما "تخلّصت" من حملها. تحكي هذه السيدة، التي رفضت أن تكشف عن إسمها، لرصيف22 كيف وجدت نفسها مضطرة لإجراء عملية إجهاض رغماً عنها.

ثمة نساء لم تكن لديهن الإمكانيات المادية اللازمة للقيام بعملية إجهاض، فلم يجدن حلاً سوى الهروب بعد الولادة وترك الرضيع في المستشفى، وهناك من وصلت لدرجة رمي الرضيع في القمامة للتخلص منه، بالإضافة إلى حالات بعض الفتيات اللواتي حاولن الانتحار...

"أنا أم لثلاثة أطفال، ومتزوجة من ابن خالتي... اكتشفت قبل أسبوع بأنني حامل، ولما أخبرت زوجي بذلك، انفعل وأرغمني على أن أُجهِض. في البداية رفضت ولكن بعدما احتدم النقاش بيننا وصل به الأمر إلى درجة تهديدي بأنني لن أدخل البيت إذا لم أضع حداً لهذا الحمل".

سألنا هذه السيدة عن تكلفة هذه العملية، التي استغرقت ما يزيد عن خمس ساعات، فقالت إنها أجرتها بـ 1500 درهماً (حوالي 159 دولاراً أمريكياً).

يبدو المبلغ ضئيلاً جداً، خصوصاً إذا علمنا بأن إجراء عمليات الإجهاض في عيادة طبية مغربية أمر محفوف بالمخاطر، ويتراوح ثمنها بين 3000 و7000 درهماً (بين حوالي 318 و742 دولاراً أمريكياً)، ولكن السيدة أكدت لنا بأن الطبيب تعاطف معها لأنها لا تملك الكثير من المال.

سيدة أخرى التقيناها في ظروف أفضل، تُدعى أسماء، وهي أُم أربعينية لطفل وطفلة. لم تتردّد أسماء في سرد حكايتها مع الإجهاض لرصيف22 بكل ثقة في النفس.

تقول أسماء، التي تتحدر من طبقة اجتماعية راقية وتشغل منصباً مهماً في إحدى الوزارات بالعاصمة الرباط، إنها اضطرت لإجراء عملية الإجهاض مرتين، لأنها لم تتخذ الاحتياطات الكافية لتفادي وقوع الحمل.

"وجدت نفسي مضطرة للقيام بالإجهاض لأنني ببساطة لا أريد أن أُنجب مجدداً"، بحسب تعليقها.

ثمة فرق بينها وبين السيدة، التي أجرت العملية رغماً عنها، حيث أن زوجها لم يُرغِمها على الإجهاض، بل ترك لها الاختيار. "عندما أخبرته بأنني حامل، لم تصدر عنه أية إشارة تدل على أنه غير موافق أو غاضب... لقد ترك لي الاختيار، واتخذت قراري بكل حرية لأنه لا يمكنني أن أتحمّل في هذا السن عناء الحمل والولادة والاعتناء بالرضيع"، تقول أسماء.

"تقنين الإجهاض ضرورة حتمية"

في المغرب، هناك رجل يُدافعُ باستماتة عن تقنين الإجهاض منذ أزيد من عشر سنوات. دفاع يُحرّكه الوعي لديه بأن الإجهاض السري يُشكّل خطراً على حياة عدد كبير من المغربيات.

الشرايبي

هو البروفيسور شفيق الشرايبي - الأخصائي في أمراض النساء والتوليد والأستاذ في كلية الطب ورئيس الجمعية المغربية لمحاربة الإجهاض السري - المعروف بدفاعه الشرس عن ضرورة إقرار نص قانوني يكافح السرية ويسمح بإجراء عمليات الإجهاض بشكل قانوني في المغرب؛ لأنها تحدث وستحدث بشكل يومي حتى وإن ظلّت الدولة على موقفها الرافض، كما يفسر.

يقول الشرايبي، في حديثه مع رصيف22، إنه خلال عمله كطبيب صادف بشكل يومي عدداً كبيراً من النساء (عازبات ومتزوجات) حملن بشكل غير مرغوب فيه، ولجأن إلى القيام بعمليات إجهاض غير آمن كانت لها مضاعفات خطيرة على صحتهن.

ثمة نساء أخريات، بحسب الشرايبي، لم تكن لديهن الإمكانيات المادية اللازمة للقيام بعملية إجهاض، فلم يجدن حلاً سوى الهروب بعد الولادة وترك الرضيع في المستشفى، وهناك من وصلت لدرجة رمي الرضيع في القمامة للتخلص منه، بالإضافة إلى حالات بعض الفتيات اللواتي حاولن الانتحار بسبب الحمل غير المنتظر...

لكل هذه الأسباب، يرى الشرايبي بأن تقنين الإجهاض في المغرب ضرورة حتمية لا مفر منها؛ لأنه رغم أن القانون يمنع الإجهاض، فإنه سيستمر لكن في إطار سري يهدّد صحة المرأة وأحياناً حياتها، وحتى المستقبل المهني للطبيب الذي يجري هذه العمليات.

وشدّد الشرايبي على ضرورة توسيع نطاق الإجهاض في المغرب ليشمل حتى الحمل غير المرغوب فيه، موضحاً أنه كان قد وجه رسالة رسمية إلى رئيس الحكومة المغربي سعد الدين العثماني، مطلع فبراير الماضي، يستفسر فيها عن سبب تأخر صدور القانون الذي يسمح بإجراء عملية الإجهاض في أربع حالات؛ داعياً إياه في الوقت نفسه إلى إعادة النظر في المادة 453 حتى يتلاءم القانون مع واقع المجتمع المغربي.

إنضمّ/ي إنضمّ/ي

رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

WhatsApp Channel WhatsApp Channel
Website by WhiteBeard
Popup Image