ألقت شرطة الرياض القبضَ على مجموعة صيادين تباهوا بصيد ضبعٍ نادر، وقاموا بطبخه وأكله، رغم أن القوانين البيئية تمنعُ ذلك، وتصنّفُ الضباع من الحيوانات المحميَّة التي لا يجوز صيدها في أي وقتٍ أو مكان. كانت الجريمة التي ستكلف مرتكبَها السجنَ عشرة أيام، وغرامةً تصل لخمسين ألف ريالٍ، نحو 13.3 ألف دولارٍ أمريكي، لتمرَّ دون أن يعلم بها أحدٌ، لولا إصرارُ مرتكبها على تصويرها ونشرها عبر مواقع التواصل الاجتماعي، لتصلَ نهاية المطاف إلى الجهات الأمنية. هذا التباهي غيرُ المدروس عبر مواقع التواصل تكرر كثيراً الفترة الماضية، درجة أنه بات كهوس الشهرة، بدءً من "كُل يا بهاء"، مرورا بهدية حليمة بولند المغشوشة، وصولاً إلى قصة سائق الأوبر الذي اعترف بخطف فتاةٍ في الشارع، بحجة ألا تذهبَ مع حبيبها. العامل المشترك بين الجميع، أن الكلَّ الآن رهنُ التحقيقات الأمنية، ويواجهون تهماً قد تزجُّ بهم في السجن خمسَ سنوات على الأقل، وفق عقوباتِ نظامِ مكافحة الجرائم الإلكترونية الذي دخل حيز التنفيذ قبل نحو أربع سنوات.
حب الشهرة
ينصُّ نظام مكافحة الجرائم الإلكترونية في مادته الثالثة على أنه يعاقَب بالسجن مدةً لا تزيد عن سنة وبغرامة لا تزيد على 500 ألف ريالٍ، نحو 133 ألف دولارٍ، أو بإحدى هاتين العقوبتين معاً كل شخصٍ قام بالإساءة عن طريق استخدام الهواتف النقالة المزودة بالكاميرا، أو ما في حكمها، وأيضاً من قام بالتشهير بالآخرين أو إلحاق الضرر بهم باستخدام وسائل تقنيات المعلومات المختلفة. أيضا تنصّ المادة السادسة منه على أنه يعاقَب بالسجن مدةً لا تزيد على خمس سنوات وبغرامةٍ لا تزيد على ثلاثة ملايين ريال، أو بإحدى هاتين العقوبتين كل شخصٍ يقوم بإنتاج ما من شأنه المساسُ بالنظام العام، أو القيم الدينية، أو الآداب العامة، أو حرمة الآخرين الخاصة، أو بأعداده أو إرساله أو تخزينه عن طريق الشبكةِ المعلوماتية، أو أحد أجهزةِ الحاسب الآلي. مع أن القانونَ واضحٌ وصريحٌ، ويجرّم الكثيرَ من الممارسات التي انتشرت مؤخراً، إلا أن كثيرين لا يبالون به. ما الذي يجعل وافداً مصرياً، يصور مقطعاً للإفطار مع زميلته في العمل، وهو يعلم يقيناً أن هذا الفيديو الذي لن تزيد مدته عن الدقيقة سينهي مستقبلهُ، ويزجُّ به في السجن، هو ومن أفطر معها؟ السؤال ذاتُه يتكرر، وما الذي يدفع مجموعةً من الشباب بالمباهاة بذبح قطيعٍ من الغزلان المحظورِ صيدُها. "هم يعلمون أنهم سيحاسَبون، لكنه هوس الشهرة" هكذا يلخص سعود المشهور، أستاذ الإعلام في جامعة الملك عبد العزيز، الظاهرةَ، مضيفاً لرصيف22 "الفترةَ الأخيرة بات حبُّ الشهرة هدفاً لذاته، حتى لو أدتْ هذه الوسيلة للعقاب، مستغلاً أن هناك من بات مشهوراً من قبل بهذا الأسلوب. هناك رغبةٌ لدى الكثيرين بكسب أكبر عددٍ ممكن من المتابعين، ليستطيعَ أن يجلب معلنين، ويتحول الأمر لوسيلةِ كسبٍ ماديّ". يشدد المشهور أن ما يزيدُ انتشارَ هذه المقاطع المجرَّمة، أن كثيراً من المراهقين يحبونها لأن فيها كسراً للمألوف "تطور الأمر لأن يتباهى البعض بالجرائم، مثل صيدِ حيواناتٍ محظورٌ صيدها، أو اختراقِ محمياتٍ طبيعية، وهو يعلم أن هذا ممنوع، وقد يُسجن بسبب ذلك".ضحايا أم متهمون؟
بعض المقاطع تنتشرُ دون رغبةِ أصحابها، لكن أخرى تُنشَر عن سبق إصرارٍ وترصد منهم، قبل يومين انتشر مقطع فيديو لسائقٍ في شركة أوبر، وهو يتفاخرُ بأنه حاول اختطافَ فتاةٍ، موثقاً جريمته باعترافٍ صريحٍ منه، بحجة اعتقاده أن الفتاة كانت في موعدٍ غرامي مع شاب آخر. في كل مرةٍ يتغلب "حبّ اللقطة"، والانتشار على الخوف من المسألة القانونية، لو أن بهاء تناولَ إفطارَه المتواضع بعيداً عن الأنظار، لما كان يخضعُ للمحاكمة حالياً وفق قانونِ مكافحة الجرائم الإلكترونية، ولو اكتفت الإعلامية الكويتية حليمة بولند بالهدية التي حصلت عليها دون أن تصورها وتنشرها طمعاً بمزيدٍ من المتابعين، لما تعرضَ الأشخاص الثلاثة الذين قدموها لها للسجن. يؤكد محمد العصيمي، المتخصص في الصحافة الإلكترونية أن هوس الشهرة والتصوير بات طاغياً على تصرفات الأشخاص، بشكل مرضيّ، مضيفاً لرصيف22 "لدينا هوسٌ بالتصوير والشهرة، هذا أمرٌ مؤكد، المشكلةُ في التفكير والوعي، شبه الغائبين، ورغم التحذيراتِ المستمرة سواءٌ من الجهات الرسمية أو المجتمع، لاتزال تنتشر". ويشدد العصيمي أن القوانين واضحةٌ، وتحذر بين فترة وأخرى، وهناك من قُبض عليهم، رغم ذلك لا يبالون بالأمر "البعض يتباهي بالجرائم التي يرتكبها، وكأنه يقول للشرطة أقبضوا عليَّ". معتبراً أن شبكاتِ التواصل الاجتماعي أساسُ المشكلة، والأسماء الشبحية والمستعارة المنتشرة في موقع التدوينات المصغرة، تويتر، هي المحرك لكل ما يحدث "تتحدى النظام، ثم تأخذ طريقها من بقية الوسائل، لو أننا أحصينا ما يُنشر في واتساب سنجد أن معظمه مأخوذٌ من تويتر، ناهيك عن اختراق النظام والإساءة للآخرين وللبلد كمن يصور الصواريخَ الحوثية". يرى العصيمي أن الحل يكمن في أن تكون القوانينُ أكثرَ وضوحاً "لابد من القيام بحملاتِ توعيةٍ لتوضيح أن هذه الأمور مجرمةٌ، حتى ولو كان مسكوتاً عنها في السابق، ولا بد من تغليظِ الغرامات لتكون رادعةً".في كل مرةٍ يتغلب "حبّ اللقطة" والانتشار على الخوف من المسألة القانونية، لو أن بهاء تناولَ إفطارَه المتواضع بعيداً عن الأنظار، لما كان يخضعُ للمحاكمة حالياً وفق قانونِ مكافحة الجرائم الإلكترونية
هذا التباهي غيرُ المدروس بات كهوس الشهرة، بدءً من "كُل يا بهاء"، مروراً بهدية حليمة بولند المغشوشة، وقصة سائق الأوبر الذي اعترف بخطف فتاةٍ في الشارع، بحجة ألا تذهبَ مع حبيبها، وصولاً إلى صياد الضباع. العامل المشترك بين الجميع، أن الكل رهن التحقيقات الأمنية.
إيقافٌ بلا عقوبة
قبل نحو عقدين، ضجَّ المجتمع السعودي بفيديو انتشر عبر أجهزة الجوال القديمة، يصور شاباً يحاول اغتصابَ فتاة، انتشر الفيديو كما النار في الهشيم، وحُكم عليه بالسجن 12 عاماً. رغم شدة الحكم، إلا أنه لم يكن رادعاً. "نسمع بالإيقاف والتحقيقات لكن لا نسمع بالعقوباتِ التي صدرت على المخالفين، ذلك مادفع الكثيرين لتوثيق تجاوزهم للأنظمة" يقول سلطان الشيباني المختص في التواصل الاجتماعي، مضيفاً لرصيف22 "نحتاج لعقوباتٍ أكثر وضوحاً، وسنّ لوائحٍ جديدةٍ ومحددة، ولا يُكتَفى بالتعهد والإيقاف عدةَ أيامٍ فقط، فكثيرٌ من المقاطع اللي انتشرت، لم يُحاكَم أصحابها ومصوروها، وتم التشهير بهم، لكن دون عقابٍ رادعٍ أو مساءلةٍ قانونية". الشيباني الحاصل على درجة الماجستير في الإعلام الرقمي يشدد أن زيادة وتيرة المخالفات، ناتجةٌ عن هوسٍ مرضي بالشهرة واستغلال الأحداث التي يمرون بها "هناك من يعاني من خللٍ عقلي، ويتم استغلالُه في كثيرٍ من المقاطع، وهؤلاء لا يستطيعون أن يحتجوا، ولا يلاحَقُ المشهرون بهم إلا بعد تحرك المجتمع"، لافتاً إلى أن الحل يكمن في تفعيل دورِ الشرطة بشكلٍ أسرع، وأن تكون هناك شرطةٌ مختصةٌ بمثل هذه القضايا، تؤدي عملها دون انتظار الشكاية. "الأطفال أيضاً ضحايا لهذه المقاطع، بعضهم يتعرض للسخرية والتخويف والتنمر بهدف الحصول على مقطعٍ قد يحقق الشهرة لمصوره، خلال السنوات الخمس الأخيرة شاهدنا مدى تأثيرِ وسائل التواصل الاجتماعي، ولابد أن يتم حصارُ ما يحدث من سُفهٍ، كي لا يتزايد أكثر" ختام حديث الشيباني. يتقاضى بعض الناشطين على مواقع التواصل الاجتماعي، ممن لديهم مئات آلاف المتابعين نحو 13 ألف دولارٍ عن الإعلان الواحد، تزيدُ بارتفاعِ عدد المتابعين. هذا المبلغ المغري، قد يكون سببَ البحث عن متابعين بأية وسيلةٍ لدخولِ عالم الإعلام، حتى لو كانت النتيجةُ مؤسفةً.رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ يومرائع. الله يرجعك قريبا. شوقتيني ارجع روح على صور.
مستخدم مجهول -
منذ يومحبيت اللغة.
أحضان دافئة -
منذ يومينمقال رائع فعلا وواقعي
مستخدم مجهول -
منذ 6 أياممقال جيد جدا
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعحب نفسك ولا تكره الاخر ولا تدخل في شؤونه الخاصة. سيمون
Ayman Badawy -
منذ أسبوعخليك في نفسك وملكش دعوه بحريه الاخرين