شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

قدّم/ ي دعمك!

"بخور عدني"... رواية عن مدينة الصخب والضجيج والتعدّد

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

ثقافة

الأحد 29 مايو 201606:46 م

"عدن" مدينةُ تعجّ بالناس من مختلف الأديان واللغات والأعراق، مدينةٌ تمنح كل من يسكنها أو يمر فيها مجرد مرور لقب "العدنيّ"، مدينةٌ لا تبخل على أحد، ولا ترفض أحداً، أبوابها مشرّعة للجميع، وجواز العبور إليها أن تحبّها فقط. هذه هي المدينة التي يتخذها "المقري" مكاناً لأحداث روايته الجديدة، وأما الزمان فهو الفترة بين الأربعينيات والستينيات من القرن الماضي، تلك الفترة الحافلة بالمتغيرات والصراعات: الحرب العالمية الثانية تطحن بأتون نيرانها الجميع، وعدن تحت الاحتلال البريطاني

بطل الرواية ضائع بين شخصيتين: "ميشيل" يريد الالتحاق بالقتال لتحرير وطنه، لكنه لا يستطيع بسبب عاهته، فرجله اليمنى يزيد طولها عن رجله اليسرى، ولذا فإنه يستخدم حذاء خاصاً يخفي عرجه.

تستصدر أمه له وثيقة طبية تعفيه من الخدمة العسكرية، وأوراق سفر إلى عدن، حيث يعمل زوج خالته. أما صديقه "فرانسوا" فهو معافى الجسد، وعليه الالتحاق بالمقاومة، لكنه يشعر بنفسه عاجزاً عن توجيه أي طلقة رصاص لأي شخص، حتى لو كان عدواً. هكذا يتفق الاثنان على تنفيذ خطة جهنمية، تقضي بأن يصبح كل منهما الآخر، فيحقق "ميشيل" هدفه بحماية الوطن، ويفرّ "فرانسوا" من حرب غير مقتنع بها، مستخدماً حذاءً يجعله يعرج، وأوراق صديقه التي تتيح له السفر إلى "عدن". لكن في لحظة ما، يجلسان قبل تنفيذ الخطة ويتناقشان، كل منهما يحاول ثني الآخر عن موقفه.

لا نعرف هل نفذا الخطة، أم أن أحدهما استطاع إقناع الآخر بالعكس. لا يكشف الكاتب ماذا حدث فعلاً، ومن منهما وصل إلى "عدن"، مبقياً الغموض الذي يلفّ تلك الليلة محفزاً لتشويق القارئ. "مع هذا، يبدو أن الحذاء القديم هو الذي جاء إلى عدن. فميشيل إذا قرر أن يأتي إلى عدن، فلن يلبس سواه لأنه لم يكن ينتعل حذاءه الجديد، ويظهر به سوياً دون عرج إلا ليقبلوه في جبهة الحرب. الحذاء القديم يخفف عن ميشيل عرجه، إلا أنه يبقيه على ما ظهر فيه. أما فرانسوا فيكفيه أن ينتعل هذا الحذاء ليظهر عليه العرج نفسه".

الشاب الواصل إلى "عدن" سيتخذ من "أي شي" اسماً له، وسترعاه وتتولى أمره "ماما" الفتاة المجهولة النسب، والتي وجدتها عائلة "جراهم" الإنكليزية على الشاطئ، فأخذتها لتربيها، ثم بدأت رحلة تنقلاتها من عائلة إلى أخرى، ومن ثقافة إلى أخرى، حتى غدت حين كبرت "ضمير مدينة عدن ودليل الجميع إلى خفاياها". ولعل هذه الشخصية من أجمل الشخصيات التي رسمها "المقري" في روايته، فهي الفتاة/ المرأة التي تطوف روحها الشفافة فوق الجميع، فيعشقها الجميع دون أن يتجرأ أحدٌ منهم ويطلب التفرد بها لتكون زوجته وحده. كما أن الجميع يثقون بها، وبرؤاها. هكذا ستتحول أحلامها إلى ما يشبه نبوءات ينتظر الجميع تحققها.

وكما "عدن" مدينة الصخب والضجيج والتعدد، فإن الرواية عنها لا بدّ أن تكون مثلها، صاخبة بالاحتفالات والأغاني، ضاجة بالأحداث والحكايا، متعددة الشخصيات إلى درجة قد تفقد القارئ تركيزه في كثير من الأحيان وهو يتنقل بين الشخصيات التي تنتمي إلى أديان وأقوام مختلفة، فهناك الفرنسي والإنكليزي واليمني والصومالي، وهناك المسلم واليهودي والزرادشتي والبهائي.

وأمام هذا التنوع والتعدد يشعر كل فرد يعيش هناك أن هذا هو وطنه الذي بحث عنه طويلاً، بديلاً عن وطنه الأصلي الذي تركه لسبب أو لآخر. بهذه الطريقة يندمج الشاب الفرنسي بهذا المجتمع، ويصبح واحداً منه، يشارك في حفلات "شمعة" المغنية اليهودية، ويعشقها سراً، فيما هي تبدّل أزواجها الواحد تلو الآخر. يعمل معها في "كازينو بندر"، ويعيش أجمل أيام حياته، يتعلّم اللغة العربية على يد "العارف" ويقرر نسيان ماضيه الفرنسي، وحبه القديم لـ"شانتال".

ترصد الرواية فترة صعود الحركات المنادية بالتحرر من الاحتلال البريطاني، وكيف ترافقت مع انقسام البلاد بين الأحزاب السياسية المختلفة التي عملت على إقصاء الآخر، محوّلةً "عدن" إلى مدينة يتفشّى التطرف فيها، ويزداد العنف، مما أفقدها جمالها كمدينة تحتضن الجميع بكل اختلافاتهم، مدينة كانت توصف بأنها "أرض الشمس المشرقة والألوان البراقة". هذا التغيّر سوف يقود بطل الرواية الذي ظنّ أنه وجد وطناً بديلاً أن يسائل نفسه عن هويته وعن معنى الوطن: "هل صدّقت أن الوطن وهم وعبرت كل هذه المسافة لتبحث عن بديل عنه؟ أو قل إنك لم تكن هو، أو لم تكن أنت. أليس اللاوطن هو وهم، أيضاً؟ بم تفكر؟ (...) هل صرت الآن تعرف معنى كريتر، اسم عدن؟ ستتباهى بالقول إنك عشت الأخرى عدن، وهذا يكفي؛ وإنك كنت، في زمن ما، عدنياً".

علي المقري روائي وشاعر وصحافي يمني، من مواليد تعز 1966. بدأ كتابة الأدب منذ الثامنة عشرة من عمره. له عدة مجموعات شعرية، وأربع روايات: "طعم أسود رائحة سوداء" التي وصلت إلى القائمة الطويلة لجائزة البوكر 2009، "اليهودي الحالي" التي وصلت إلى القائمة الطويلة لجائزة البوكر 2011، "حرمة"، و"بخور عدني". ترجمت رواياته إلى الإيطالية والفرنسية والإنجليزية والكردية وغيرها.

مراجعة رواية بخور عدني - معلومات عن الرواية


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

Website by WhiteBeard
Popup Image