من خلال خمسة محاور أساسية تتوزع على ثلاثة فصول كتابية وزمنية: "خريف"، "شتاء"، "ربيع"، تتفق في مسمياتها مع تصاعد الحدث في الرواية، يسرد الكاتب المغربي هشام مشبال سيرة الخوف المعشش فينا، والذي ينتشر ليصبح سمةً عامة للمجتمع كله.
تتوزع المحاور الخمسة على خمس شخصيات، لكل منها حكايتها مع الخوف. "نجيب" أستاذ التاريخ في الجامعة يخاف الزمن وتقدّمه، وهو الذي فوجئ بعد أن صار في الخمسين أن حياته الماضية كلها عبارة عن تكرار ممل لأفعال بعينها، والدليل الوحيد أن الزمن يمر هو تجاعيد وجهه. "منى” التي تزوجت من رجل اكتشفت في ما بعد أنهما ينتميان إلى عالمين مختلفين، فهي تعشق الأدب والروايات وهو "قذفت به الدنيا إلى مستنقع الأمن والمخابرات وفقدان الثقة في كل شيء"، لكنها رغم ذلك لا تستطيع تركه بسبب خوفها من بطشه. زوجها أيضاً يتخبط في شباك الخوف، يخاف كل الناس، متوهماً أن كل شخص يمكن أن يكون عدواً للوطن، ومتوهماً القوة في حفاظه على أمن الوطن من أعدائه الوهميين. "كمال" المحامي الذي خشي المستقبل فظلّ طوال عمره يلهث وراء مكاسب يجنيها، واكتشف في خريف العمر أنه لم يذق طعم الفرح الحقيقي، وأنه كان يجري وراء السراب. وقد انعكس زواجه "أنيسة" بلا حب، على ابنهما "عاطف" الذي كبر منطوياً على نفسه، يخشى الآخر، يعيش تمرده الداخلي ويخاف إظهاره.
الوحيدة التي نجت من لعنة الخوف التي تطارد الجميع كانت “ بنى"، الصبية التي أتت لتدرس في جامعة "تطوان"، فتأثرت بأخبار الانتفاضات العربية، وتعاطفت معها، ثم انضمت إلى الحراك الشبابي في المغرب، وبدأت بتوزيع المنشورات والدعوة إلى التظاهرات حالمةً بوطن جديد، ومجتمع حر منفتح يؤمن بالعدالة والمساواة.
يصف مشبال كيف أن مجتمعاً كاملاً قائماً على الخوف والخنوع والاستسلام، لا يمكنه أن يتحرر إلا بعد الكثير من التضحيات والجهود، وكيف أن أحلام شخصياته تتحطم أمام جبروت الواقع القاسي الذي تديره مجموعة من القوى المتسلطة والمستبدة، التي تلجأ إلى شتى الطرق والوسائل لتحافظ على المجتمع قانعاً بما هو عليه، صامتاً ومستكيناً، وهو ما حصل مع "لبنى" التي تتعرض للكثير من المضايقات والتهديدات، تصل في نهاية الأمر إلى الاغتصاب، فتتخلى عن كل أحلامها وتعود لتحتمي في قوقعة خوفها.
مع ذلك، ينثر الكاتب في الرواية، وبموازاة اليأس المطبق على شخصياتها، ما يمكن اعتباره مفتاح الخروج من الخوف، ومفتاح المواجهة والتمرد: الحب. الحب هو الذي يمكّن الإنسان من تجاوز هواجسه، ليس تجاوزها فحسب، بل أيضاً الثورة عليها، فها هي "منى" تقرر بعد أن تحب "نجيب" الخلاص من زوجها ومن حياتها البائسة معه، بل وتحديه عبر المشاركة في التظاهرات. كذلك "عاطف" يرفض الانصياع لوالديه بالابتعاد عن المشاكل وعن "لبنى"، كاسراً بذلك أولى حلقات الخوف التي احتمى بها طوال عمره، "لكنهما لا يعرفان شيئاً يا لبنى. لا يعرفان أنني ولدت من جديد حين عرفتك. ابتعدت عني الكوابيس والهواجس التي كانت تطاردني كالأشباح. وبدأت الفرحة الحقيقية تعرف الطريق إلى هذا القلب”.
يصف الكاتب حالة المجتمع حين يغيب القانون، وتصبح الغلبة للأقوى، الذي يستطيع بماله شراء الحقيقة، والمتاجرة بها، وذلك عبر بضع حكايات ينسجها في الرواية، مستخدماً شخصية "كمال" المحامي الذي ترد إلى مكتبه قضايا عدة، والذي يصادف أيضاً بضع نساء في نزواته الجنسية، لكل واحدة منهن مأساتها. فتبرز الرواية بذلك الأسباب الخفية لانطلاق شرارة التمرد في البلاد العربية، خاصة أن هذه الظواهر تتجاوز مكان الرواية الجغرافي لتشير، وإن لم يعلن ذلك، إلى الإنسان المقموع والمقهور في كل البلدان التي تسودها شريعة اللاقانون.
هشام مشبال كاتب وناقد مغربي. له بضعة مؤلفات نقدية، وروايتان: "الطائر الحر" و"أجراس الخوف"، وسيرة "أحلام الظلمة" عن حياة المعتقل السياسي السابق محمد الأمين مشبال.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ يومرائع. الله يرجعك قريبا. شوقتيني ارجع روح على صور.
مستخدم مجهول -
منذ يومحبيت اللغة.
أحضان دافئة -
منذ يومينمقال رائع فعلا وواقعي
مستخدم مجهول -
منذ 6 أياممقال جيد جدا
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعحب نفسك ولا تكره الاخر ولا تدخل في شؤونه الخاصة. سيمون
Ayman Badawy -
منذ أسبوعخليك في نفسك وملكش دعوه بحريه الاخرين