أبو عامر أو "بو عامر" كما يُعرف عند الحضارمِ في المهجر، هو شاعرٌ شعبيٌّ من وادي حضرموت في بلادِ اليمن، اُشتهر بالحكمة وله أبياتٌ وأقوالٌ خالدة يتناقلها الناس جيلاً بعد آخر مستشهدين بها حتى يومنا هذا، عاش حياتَه فلاحاً يحرث الأرض ويزرعها. يقول علي بارجاء مؤلفُ كتاب "الشاعر الحكيم الفلاح أبو عامر":"لا يوجد في المصادر والمراجع ما يشير إلى اسمه، ولعلّ اشتهارَه بهذه الكنية كانت سبباً في نسيان اسمه وعدم اهتمامهم بتدوين شعره كونه شعراً حُمَينِياً، ما جعلهم يهملون ترجمة حياته إضافةً إلى أن أهل حضرموتَ يتناقلون الأخبار بالمذاكرات ولم يقيدوها بالكتابة في الكتب". من أبرز ما رُوي عنه أن رجلاً من هيصم توفي و ترك أرضاً وقفاً لمن انقطعَ رزقه فاستفتوا الحكيم "أبو عامر" الذي كان يعمل فلاحاً فأجاب قائلاً:"يقول بو عامر نشدتونا ولا عندي صفات – ما ينقطع رزقه إلا من جدد أكفانه ومات" فأصبحت الأرض مقبرةً! الشواهدُ الموجودة في المقبرة المذكورة تبيِّنُ أن "أبو عامر" كان متواجداً قبل مدةٍ تجاوزت 800 عامٍ، فهو من أهل القرن السابع الهجري كما جاء في تاريخ الأحقاف "أي ما بين 1203 إلى 1299 بالتقويم الميلادي". ولـ"أبو عامر" أبياتٌ شعريةٌ يتداولها الناس، خصوصاً النساء تحفيزاً لهن بإنجاب الذكور وهي: يقول بو عامر في الدنيا ثلاثة غبون الأول الغبن من راحت عليه العيون الثاني الغبن من كثرت عليه الديون الثالث الغبن من قلت رجاله يهون والغبن بمعنى لوعةٍ وحسرةٍ يجدها الإنسان في صدره، وحرقةٍ في القلب. في حين يرى بارجاء أنها إشارة إلى قلة رجال قبيلته بني هلال بعد ارتحالِ معظمها إلى برقة، إحدى المدن الليبية، وقابس، إحدى المدن التونسية، وهذا ما يؤيد انتماءه إلى بني هلال. وتختلف الأقوال بين من يذكر أنه حكيمٌ يأتي إليه الناس ويجيب عليهم مباشرةً، وبين من يقول إنه يجيب على من سأله بقوله لا أعلم، وحين يذهبون من أمامه يختبئون ويسمعونه وهو يصدح بأبياتٍ شعريةٍ تردُّ على مسألتهم! ومن حِكَم "أبو عامر" أيضاً "يقول بو عامر خيار العلم قولة ما دريت – إن شفت شيء ما قلت شيء وإن حد حكى لي ما حكيت".
مقلدين لـ"أبو عامر" في القرن العشرين
يقول علي بارجاء في ترجمة الشاعر "أبو عامر":"إن أسلوبه في تقديم الحكمة والنصح كان من خلال الإشارة إلى نفسه بكنيته في أول الأبيات الشعرية بقوله (يقول بو عامر..) والتي يخفي بها اسمه فلا يظهر أمام الناس، لأن اسمه سيشير إلى شخصه وهو لا يريد ذلك، لا خوفاً من سلطان، لكن لعل اختفاءَ اسمه يجعل له قبولاً. وكم من الناس من يُسَفّهُ شعراً لأن قائله فلانٌ، وقصة أبي تمام مع أبي اسحاق الكندي شهيرةٌ، فقد أُعجب الأخير بقصيدةٍ عرضت عليه، وحين قيل له إنها لأبي تمام رجع عن إعجابه بالقصيدة وراح يُعَدد فيها العيوب! ولفتَ أسلوبُ "أبو عامر" نظرَ شاعرٍ أديب وكاتبٍ صحفي مولود عام 1918، هو حسين البار صاحبُ صحيفة "الرائد" فنظَم مقطوعاتٍ شعريةً على غرار "أبو عامر" عبَّر فيها عن موقِفه من الأحداثِ السياسية والاجتماعية بهدف تغييرها، واتخذ من صحيفته منبراً ينشر عبره هذه الأقوال منها: يقول بــو عامـــر قتــــلتونا بـــــــترديد الوعـــود لا جيتكم با اقضي عمل قلتوا رجع غدوه وعُود غدوه قفا غدوه، وغدوه كذب ماله شي وجود"أبو عامر" شخصية حقيقية أم أسطورة خيالية؟
ينفي بارجاء أن "أبو عامر" أسطورةً خيالية صنعها الرواة، وألفوا حولها الحكاياتِ، وأنطقوا على لسانها شعراً. مؤكداً أنه شخصيةٌ حقيقيةٌ، رَغم الغموضِ الذي يحيط كثيراً من تفاصيلِ حياته، وقلَّةِ الكتب التي ذكرته. وجاء في هامش المعجم الجغرافي والتاريخي والأدبي والاجتماعي "إدام القوت في ذكر بلدان حضرموت" للسيد عبد الرحمن بن عبيد الله السقاف أن هناك شخصيتين لـ"أبو عامر"، الأول هو القديم من قرية المخينيق، والأخير في القرن الحادي عشر هو من تم تحديد مكانه في ولاية رحاب بحضرموت.يقول بو عامر في الدنيا ثلاثة غبون (حسرات): الأول الغبن من راحت عليه العيون، الثاني الغبن من كثرت عليه الديون، والثالث الغبن من قلت رجاله يهون..
إن أردتَ أن تستفتحَ الحديث مع أحد الحضارم ما عليك إلا القول: "يقول بو عامر" وهو سينطلق بإحدى حِكمه التي نُقشَت في ذاكرتهم
هجرة الحضارم
تقع حضرموت في شبه الجزيرة العربية، ولهجرةِ أبنائها أكثرُ من سبب كما يصفها المؤرخون، منها ما كان من أجل الفتوحات الإسلامية، وأخرى بسبب فترات القحط والجفاف كهجرة أبناء قبيلة الشاعر "أبو عامر"، ومن الأسباب أيضاً الطموح الذي يحمله الحضرمي فلم يعد يتسعُ له المكان. و يتواجد الحضارم في مختلفِ دول العالم، منصهرين في البلد التي يهاجرون إليها وفي الدول غير العربية يتزوجون من بناتهم لصعوبة الزواج من بنت بلده، ولا تستغرب إن وجدتَ أبناءهم لا يعرفون شيئاً عن موطن آبائهم. بعكس هجرتِهم إلى الدول العربية، خاصة الخليج، بحكم القرب الجغرافي والاجتماعي بينهم، جميعهم من دول شبه الجزيرة العربية، حتى أنك تجد أفراد القبيلة الواحدة متواجدين بين حضرموت ودول الخليج العربي، لا سيما أن هناك من أبناء قبائل مكة المكرمة والمدينة المنورة من سبقت لهم الهجرة إلى حضرموت. و هجرة الحضارم إلى المملكة العربية السعودية سبقتْ وجودَ النفط، فقد تمّت منذ حُكم الأشراف، ونسبةٌ كبيرةٌ استوطنت باقي دولِ الخليج العربي. ولا تزال أشعار وحكم "أبو عامر" متداولةً بينهم، خاصةً عند كبار السنّ من الحضارم في المهجر، لذا إن أردتَ أن تستفتحَ الحديث مع أحدهم ما عليك إلا القول: "يقول بو عامر" وهو سينطلق بإحدى حكمه التي نُقشَت في ذاكرتهم، استمع له جيداً.رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يوممتى سوف تحصل النساء في إيران على حقوقهم ؟!
مستخدم مجهول -
منذ يومينفاشيه دينيه التقدم عندهم هو التمسك بالتخلف
مستخدم مجهول -
منذ يومينعظيم
Tester WhiteBeard -
منذ 3 أيامtester.whitebeard@gmail.com
مستخدم مجهول -
منذ 3 أيامعبث عبث
مقال عبث من صحفي المفروض في جريدة او موقع المفروض محايد يعني مش مكان لعرض الآراء...
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعرائع