"الذهاب إلى السينما أشبه بالعودة إلى الرحم، فأنت تجلس هناك ساكناً مُتأملاً في الظلام تنتظر الحياة لتظهر على الشاشة" قولٌ يختصر علاقة المخرج الإيطالي فيديريكو فيليني بالسينما، التي تبدو فيه على مقربة من الشعر، تلك المنطقة التي يحاول فيها الشعراء إعادة خلق العالم حسب رؤيتهم.
بين الأدب والسينما خيوطٌ كثيرة تجعل الاثنين مساحةً للشهرة واستقطاب المعجبين، وهناك من امتلك أدواتِ الكتابة غير أنه شَغف بالوقوف أمام عدسة السينما، بعضهم اختار الظهور في الأفلام، بشخصيته الحقيقية كأديب أو شاعر، وآخر أطل بأدوارٍ مختلفة تاركاً وراءه الأديب الذي كانه.
كان نزار قباني، ممن شاركوا في السينما بشخصياتهم الحقيقية، شعراء يلقون قصائدهم على الجمهور، وحاول الياسري من خلال تلك الشخصية وخطابها أن يكشفَ المتناقضات والصراعات الاجتماعية في ظل الحرب الأهلية اللبنانية.
ورغم بساطة هذه التجربة السينمائية إلا أن المخرجَ أكد أنها استغرقت ثلاثةَ أيام تصوير، قائلاً في حوار قديم له "عندما ذهبنا إلى منزل الشاعر نزار قباني، استقبلتنا زوجته العراقية بلقيس الراوي، وأوسعت لنا الطريق ببشاشة، ثم جاءنا صوت نزار قادماً نحونا".
مضيفاً أن فكرة الفيلم استهوت نزار قباني "وكانت المرحومة أم عمر، بلقيس، هي العون في إقناع نزار بالمشاركة، بداية الأمر" ويؤكد الياسري حماس نزار خلال تلك التجربة، حتى أنه كتب مقطعاً إضافياً للقصيدة استوحاه من أجواء وأحداث الفيلم.
البعض يرى أن تقديم الشاعر لشخصيته الحقيقة على الشاشة لا يعدُّ تمثيلاً، غير أن الناقد الفني طارق الشناوي، ينفي هذا الكلام، مؤكداً لرصيف22 أن الوقوف أمام الكاميرا في حد ذاته أمرٌ صعب للغاية، حتى لو كان الأداء بشخصيتك "فهناك الكثيرون لا يستطيعون فعل ذلك".
نزار قباني.. الشاهد على الحرب بالسينما والقصيدة
ما زلتُ أحبكِ يا بيروتَ المجنونة يا نهرَ دماءٍ وجواهر ما زلتُ أحبكِ يا بيروتَ القلبِ الطيب يا بيروتَ الفوضى يا بيروتَ الجوعِ الكافر.. والشبعِ الكافر هذه الكلمات جزءٌ من قصيدةٍ كتبها الشاعر نزار قباني خصيصاً لفيلم "القنّاص"، وألقاها خلاله في ظهورٍ سينمائي وحيد له. "القنّاص" فيلم للمخرج العراقي فيصل الياسري، يحكي شخصيةَ قنّاص يقتل بلا هوادة، عارضاً صورةً مصغرةً للحرب الأهلية اللبنانية التي دار صراعُها دون رغبة حقيقية من الأطراف المتصارعة في توقف حمامات الدم."الذهاب إلى السينما أشبه بالعودة إلى الرحم، فأنت تجلس هناك ساكناً مُتأملاً في الظلام تنتظر الحياة لتظهر على الشاشة"
كان نزار قباني، ممن شاركوا في السينما بشخصياتهم الحقيقية، شعراء يلقون قصائدهم على الجمهور، وحاول الياسري من خلال تلك الشخصية وخطابها أن يكشفَ المتناقضات والصراعات الاجتماعية في ظل الحرب الأهلية اللبنانية.
ورغم بساطة هذه التجربة السينمائية إلا أن المخرجَ أكد أنها استغرقت ثلاثةَ أيام تصوير، قائلاً في حوار قديم له "عندما ذهبنا إلى منزل الشاعر نزار قباني، استقبلتنا زوجته العراقية بلقيس الراوي، وأوسعت لنا الطريق ببشاشة، ثم جاءنا صوت نزار قادماً نحونا".
مضيفاً أن فكرة الفيلم استهوت نزار قباني "وكانت المرحومة أم عمر، بلقيس، هي العون في إقناع نزار بالمشاركة، بداية الأمر" ويؤكد الياسري حماس نزار خلال تلك التجربة، حتى أنه كتب مقطعاً إضافياً للقصيدة استوحاه من أجواء وأحداث الفيلم.
البعض يرى أن تقديم الشاعر لشخصيته الحقيقة على الشاشة لا يعدُّ تمثيلاً، غير أن الناقد الفني طارق الشناوي، ينفي هذا الكلام، مؤكداً لرصيف22 أن الوقوف أمام الكاميرا في حد ذاته أمرٌ صعب للغاية، حتى لو كان الأداء بشخصيتك "فهناك الكثيرون لا يستطيعون فعل ذلك".شعراء أولعوا بالوقوف أمام عدسة السينما، واختاروا الظهور في الأفلام، إما بشخصياتهم الحقيقية، أو بأدوارٍ مختلفة بعيدة عن الأدب
بعد عزلةٍ دامت 30 عاماً، ظهرت الشاعرة العراقية نازك الملائكة لمدة 10 دقائق، في فيلم وثائقي يحكي سيرتها.
صلاح جاهين.. المولع بالتمثيل
شعراء آخرون أولعوا بالتمثيل، حتى قدموا أدواراً أساسيةً، فمن منا لا يذكر المعلم سلطان في فيلم "اللص والكلاب"، والشيخ سيد في فيلم "المماليك"، شخصيتان قدمهما شاعر العامية المصري صلاح جاهين، بين أعمالٍ كثيرةٍ شارك فيها. بدايةُ جاهين السينمائية كانت دوراً قصيراً في فيلم يحكي عن ثورة 1952، ويروي في حديث له أنه حينما علم بترشيحه لهذه المشاركة، ذهب إلى بيته راقصاً وهو يصيح "ح امثل قدام فاتن حمامة ورشدي أباظة بحالهم". لكن تجربة جاهين السينمائية الحقيقية كانت عبر فيلم "لا وقت للحب" للمخرج صلاح أبو سيف، الذي أعجب كثيراً بتمثيل جاهين، حتى أنه علق في أول تجربة أداء له "ستوب.. هايل يا أستاذ.. رائع يا أستاذ.. عظيم يا أستاذ". يعتبرُ جاهين من أكثر الشعراء حظاً مع السينما، درجةَ أن عامي 1932 و1933 شهدا مشاركته في خمسة أفلام هي (لا وقت للحب، من غير ميعاد، شهيدة العشق الإلهي، اللص والكلاب، القاهرة). وعندما كان الشاعر المصري رئيس تحرير لمجلة "صباح الخير يا مصر" كتب مقالاً طويلاً بعنوان "أنا عائد من البلاتوه" يصفُ فيه صلاح جاهين الممثل قائلاً "أنا ممثل بالسليقة، وإن لم أكن حتى هذه اللحظة قد وضعتُ قدمي في بلاتوه، أو أحرقتْ وجهي لمبةٌ واحدة، أو ذقتُ مرارةَ شاي الاستديوهات". إلا أن الناقد الفني طارق الشناوي يرى أن التمثيل أقلُّ مواهب جاهين "بالرغم من تعدد مواهبه، وشاعريته المفرطة، إلا أن التمثيل كان أضعف ما يملك جاهين، بل كانت لديه مشكلةٌ كبيرة حتى في إلقاء الشعر". رغم ولعه بالتمثيل واعتزازه به، توقف جاهين عنه بعد ذلك مدة 15 عاماً، حتى عاد بدورٍ صغير في فيلم "موت أميرة" عملٌ وثائقي بريطاني يتناول قصة حقيقية للأميرة السعودية مشاعل بنت فهد بن محمد آل سعود. واستعانت الشركة المنتجة للفيلم إلى جانب صلاح جاهين بعدد من الممثلين المصريين، مثل نبيل الحلفاوي وسمير صبري. مسك الختام في مسيرة جاهين السينمائية، كانت مشاركته في فيلم "وداعاً بونابرت" أمام عدسة المخرج يوسف شاهين عام 1985.نجيب سرور: الشاعر والمسرحي والمناضل
ترك كلية الحقوق ليلتحق بالمعهد العالي للفنون المسرحية، كدليل على أن التمثيل ليس أمراً عابراً في حياته، نجيب سرور الشاعر اليساري المعروف بنضاله وثوريته ويومياته التي تضمُّ أكبر قاموسٍ للمصطلحات الفاحشة والصادمة. اختلف سرور عن غيره من الشعراء أصحاب التجارب التمثيلية، فبرز اسمه في المسرح أكثر منه في السينما، ممثلاً ومخرجاً ومؤلفاً، من أعماله المسرحية (منين أجيب ناس، النجمةْ أم ديل، ياسين وبهية) كانت الأخيرة شاهداً على عبقريته المسرحية. أما ظهوره السينمائي كان محدوداً للغاية، من خلال مشاركته كضيف شرفٍ عام 1969، في فيلم "الحلوة عزيزة " بطولة هند رستم، وشكري سرحان، وسمير صبري. يحكي العمل قصة راقصة جميلة بالمنصورة يحبها ابن العمدة، فتصده وتقرر النزوح إلى القاهرة، لتعيش صراعاتٍ تتشابك مع توالي الأحداث.حسين السيد الحالم بالتمثيل
من علامات الشعر الغنائي في مصر، أواسط القرن الماضي، حسين السيد الحالم بالتمثيل منذ الطفولة، غير أنَّ الصدفة عطفت حياته عن التمثيل وكرستها لكتابة الأغاني والاسكتشات والمسرحيات. إطلالتان فقط لحسين السيد في التمثيل، الأولى عبر الفيلم الغنائي "رسالة من امرأة مجهولة" بطولة فريد الأطرش ولبنى عبد العزيز، مأخوذ عن قصة قصيرة للكاتب النمساوي استيفان زيفايج، تحمل نفس الاسم. أيضاً مثَل مع شويكار في مقطوعة شعرية حملت اسم "أنتِ مسافرة"، ذلك مايرويه الناقد حسن عمر في برنامجه الإذاعي "حكايات فنية" في حلقة مخصصة عن تجربة الشاعر حسين السيد. https://youtu.be/ByxKuD2IsJ0 كان لأصوله التركية دورٌ كبير في تشكيل مسيرته الفنية، فطلعة السيد البهية جاءته من أمه التركية وحسه الموسيقي تنامى من جلساته مع خاله في ندوات الدراويش التي حضرها في طفولته. عام 1938 وخلال ممارسته للتجارة، شاهد حسين السيد إعلاناً في جريدة الأهرام لشركة إنتاج فنية تطلب وجوها جديدة للظهور في فيلم "يوم سعيد". وخلال اجتماعه بلجنة الاختبار، دار حوار جعله يعرض عليهم إمكاناته الشعرية أيضاً، ليظهر في الفيلم لكن بكلماتِ أغنية ألفها ليغنيها الموسيقار محمد عبد الوهاب، ولازالت تتردد حتى اليوم "اجري اجري اجري.. وديني قوام وصلني".الفاجومي: شاب على الهواء
ظهورٌ خاص ومميز للشاعر المصري أحمد فؤاد نجم في فيلم "شباب على الهواء" الذي تدور أحداثه حول مجموعة من الشباب القاطنين في حي المعادي، ويفكرون في إنشاء قناة تلفزيونية للبث في المعادي فقط، ويقيمون بالفعل استوديو على سطح الفيلا التي يملكها أحدهم. يظهر الشاعر أحمد فؤاد نجم في دور جدّ أحمد الفيشاوي الذي جسد البطولة إلى جانب أحمد رزق ونيللي كريم. لعل مشاركة الفاجومي في هذا الفيلم دليلٌ جليٌّ على إيمانه بقدرة الشباب وعونه لهم، وهو الذي تبنى قضاياهم على مدار حياته، فكتب وناضل وسجن بهدف نيل حقوق الشباب في حياة أفضل.نازك الملائكة: السينما تقطع عزلتها
في مقالٍ للمخرجة العراقية خيرية المنصور عن فيلمها "نازك الملائكة" تقول "قلتُ لها تقدرين أن تقفي عند الشباك وتنظرين إلى البعيد.. حتى أضع جزء قصيدتك بصوتك على صورتك في بعيد الديار ووراء البحار أصدقاء بشر أصدقاء ينادون أين المفر قالت بصوت واهن منين جبتيها؟ قلت لها من تونس، هزت رأسها ولم تجب.. قالت إني تعبانة". تروي خيرية أنها أنهت السيناريو والإعدادات للوثائقي خلال ستة أشهر، وكان لابد أن تقابلها وتعرض السيناريو على عائلتها. قبل بدء التصوير، وعند زيارتها بيت نازك استقبلها زوجها الدكتور عبد الهادي محبوبة وقدمت له السيناريو، ونجحت في قطع عزلة نازك التي كانت قد استمرت لـ30 عاماً، لكن وقتها لم تتمكن سوى من رؤيتها وهي نائمة. ظهرت نازك في فيلم خيرية المنصور مدة عشر دقائق فقط، هي الإطلالة السينمائية الوحيدة لها، لتعود بعدها إلى عزلتها. كان العمل قد خصص لسيرتها الذاتية وشارك فيه نقاد وشعراء من الوطن العربي، وصلت مدته إلى 50 دقيقة. الشاعرة نازك الملائكة واحدة من ثلاثة أسسوا للقصيدة الحديثة في العراق، مع الشاعرين شاذل طاقة وعبد الوهاب البياتي، كما تنسب لها الريادة في القصيدة الحرة، من خلال قصيدتها "الكوليرا" التي قيل إنها أول إنجازٍ تنتمي للشعر الحر.رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
نُور السيبانِيّ -
منذ يومالله!
عبد الغني المتوكل -
منذ يومينوالله لم أعد أفهم شيء في هذه الحياة
مستخدم مجهول -
منذ يومينرائع
مستخدم مجهول -
منذ 6 أيامكل التوفيق ومقال رائع
Ahmad Tanany -
منذ أسبوعتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعلا يوجد اله او شئ بعد الموت