"الموضة تذهب وتتلاشى لكن الستايل يبقى إلى الأبد"، هذا ما قاله في السابق مصمم الأزياء العالمي "إيف سان لوران" الذي يبدو أنه أخفق يومذاك في مقاربته للأمور، إذ لم ينتبه إلى الحقيقة التالية: صحيح أن الموضة تبطل مع الوقت إلا أن الآثار البيئية والاجتماعية التي تسببها لا "تذهب مع الريح" بل تبقى مترسخة إلى وقتٍ طويلٍ.
بالرغم من أن هناك عالمين متباعدين إلى حدّ ما: الأزياء والخيارات الغذائية، فإن هناك قاسماً مشتركًا بينهما: الاستهلاك العشوائي الذي يغذيه الإيقاع السريع الذي نعيشه اليوم.
انطلاقاً من رغبتنا الملحة في البحث عن المواد السريعة، وعلى غرار العروضات المغرية التي تشمل البرغر والبيتزا وغيرهما من أطعمة "الجانك فود" الرخيصة وصورها التي تلعب على مناطق اللذة في الدماغ، تحاول العلامات التجارية تقديم ملابس جاهزة ذات أسعار تنافسية في سياق ظاهرة تعرف بـ"الموضة السريعة".
أزياء معلّبة
"الأزياء السريعة" مصطلح أُدرج حديثاً لوصف التصاميم غير المكلفة التي تتحرك بسرعة من المنصة إلى المتجر. أما الهدف فيتمثل في إنتاج ملابس "سريعة الفعالية" من حيث الكلفة وتستجيب لمتطلبات المستهلكين التي تتغير بسرعة. ففي العصر الذي نعيشه اليوم، بات عامل "السرعة" يتحكم بمفاصل حياتنا ويسيّرنا ويتدخل في خياراتنا، ففي الوقت الذي ازداد فيه استهلاكنا للوجبات السريعة نظراً للضغوط اليومية وضيق الوقت، فإن كبرى دور الأزياء العالمية قررت بدورها الانخراط في لعبة "السرعة" من خلال إطلاق أزياء "معلّبة"، تفتقر إلى الابتكار والتجدد، سرعان ما ينتهي "مشوارها" إلى الخزانة حيث تقبع فترة طويلة قبل أن نقرر التخلص منها.في الوقت الذي ازداد فيه استهلاكنا للوجبات السريعة نظراً لضيق الوقت، فإن كبرى دور الأزياء قررت بدورها الانخراط في لعبة "السرعة" من خلال إطلاق أزياء "معلّبة"، تفتقر إلى الابتكار والتجدد
تم تصميم هذه الملابس لتجعل المرء يشعر أنه خرج عن الموضة بعد أسبوع واحد فقط من ارتدائها، ففي الماضي كان هناك فصلان للأزياء: ربيع/صيف وخريف/ شتاء، أما الآن بتنا نشهد "مواسم صغرى" في السنة قد تصل إلى 52 موسماً.هناك حوالي 100 مليار قطعة من الملابس تباع كل عام في العالم أجمع، وقد تضاعف إنتاجها بين عامي 2000 و2014، بعدما ازداد الطلب عليها مرتين أكثر مما كان يحدث في السنوات الـ15 الماضية، أما متوسط عمر كل قطعة نشتريها فهو 35 يوماً. لا تقع المسؤولية على عاتق المستهلكين فقط لأن هناك عوامل عديدة تساهم في زيادة الإقبال على "الموضة السريعة": تساهم الإعلانات والعروضات المغرية في تغذية احتياجاتنا، خاصةً لناحية ابتياع الملابس التي باتت جزءاً من حياتنا اليومية، لأنها، كما يقال، المرآة التي تعكس شخصيتنا وأسلوبنا في الحياة. وعليه يمكن القول إن شغفنا للتسوق ساهم في تأجيج الدائرة المفرغة لصناعة الأزياء، التي تربطنا بعالم يكون فيه كل شيء سريع الزوال ويمكن التخلص منه بسهولة.
أكبر مصدر للتلوث
يقوم العديد من الأشخاص بالتخلص من ملابسهم برميها في القمامة، غافلين أن هذه الملابس بحد ذاتها أكبر مصدر للتلوث. فقد أوضح موقع qqf أنه بالرغم من أنها أوجدت العديد من الوظائف (مليون وظيفة في العالم) فإن الموضة هي واحدة من الصناعات الأكثر تلويثاً للبيئة على هذا الكوكب، إذ ينبعث منها في كل عام حوالي 1.2 مليار طن من الغازات المسببة للاحتباس الحراري، وهذا يضاهي الرحلات الدولية وحركة النقل البحري مجتمعة. يأتي ربع إنتاج ألياف النسيج من القطن، الذي تتطلب زراعته الكثير من الماء، والشمس والمبيدات الحشرية، كما أن الكلور، والأمونيا، والصودا، والمعادن الثقيلة كلها مواد تستخدم يومياً في مصانع النسيج التقليدية، أما تأثير صبغ الملابس على الهواء، والمياه، والتربة "فحدث ولا حرج". وفي حال استمر الاستهلاك على هذا النحو، من المرجح أن يصل انبعاث النفايات النسيجية عام 2050 إلى نسبة 26%.حقائق صادمة
ليست مسألة التلوث المشكلة الوحيدة التي تخلفها صناعة الأزياء السريعة، فهناك العديد من الحقائق التي تحاول هذه الصناعة إخفاءها عن المستهلكين.الموضة هي واحدة من الصناعات الأكثر تلويثاً للبيئة، ينبعث منها في كل عام حوالي 1.2 مليار طن من الغازات المسببة للاحتباس الحراري، ما يضاهي الرحلات الدولية وحركة النقل البحري مجتمعة.فبالرغم من الجهود العديدة التي تبذلها صناعة الأزياء السريعة سواء كان ذلك من خلال تخصيص ملايين الدولارات لشنّ حملات واسعة النطاق، والذهاب إلى حدّ إطلاق "مجموعات واعية" والتبرع بجزء من العائدات لدعم قضايا إنسانية جديرة بالاهتمام، فإن هناك بعض الحقائق التي يتكتم عليها عمالقة هذه الصناعة، وفق ما أشارت إليه صحيفة "هافيغتون بوست". موضة مصممة للهلاك بسرعة: تم تصميم هذه الملابس لتجعل المرء يشعر أنه خرج عن الموضة بعد أسبوع واحد فقط من ارتدائها، ففي الماضي كان هناك فصلان للأزياء: ربيع/صيف وخريف/ شتاء، أما بدءاً من 2014 بتنا نشهد "مواسم صغرى" في السنة قد تصل إلى 52 موسماً للأزياء خلال سنة واحدة. ومع ظهور اتّجاهات جديدة كل أسبوع، فإن هدف الأزياء السريعة هو جعل المستهلكين يشترون أكبر عددٍ من الملابس في أسرع وقتٍ ممكنٍ، وذلك بعد الأخذ بعين الإعتبار موضوع خفض الأسعار. فبحسب ما ذكرته إليزابيث كلاين في كتابها " Overdressed: The Shockingly High Cost of Cheap Fashion"، فإن أسعار الأزياء السريعة تكون في العادة أقل بكثير من المنافسة، مما يشجع على زيادة الطلب عليها. ومع قيام المصممين بابتكار "ترندات" جديدة كل أسبوع، فإن الزبون يشعر بأنه "يسير بعكس الموضة" بعد أول استخدام لهذه الملابس السريعة. الخصومات ليست حقاً خصومات: يحب عشاق الموضة والفاشينيستا فكرة الدخول إلى متجر "outlet" والخروج بتصاميم أنيقة ذات أسعار مغرية أقل من السعر العادي، إلا أن هذه الملابس بخلاف ما نعتقد فإنها "لا تدخل المتاجر العادية ومن المرجح أن يتم إنتاجها في مصنعٍ مختلف تماماً عن الملابس الموجودة في المتاجر الأصلية"، وفق ما يؤكده "جاي هالستاين" في تقرير The Myth of the Maxxinista. لذا فإن متاجر الـOutlet تتعامل مع بعض المصممين حتى يتمكنوا من وضع ملصقات المصممين على الملابس الرخيصة المصنوعة في مصانع ذات جودة منخفضة. احتواء الملابس على مواد كيميائية خطيرة: بحسب مركز الصحة البيئية، فإن بعض سلاسل الأزياء السريعة تبيع مجموعة من الحقائب والأحزمة والأحذية المصنوعة من مواد كيميائية خطيرة، بالرغم من توقيعها على تسويات بالحد من استخدام مثل هذه المواد في منتجاتها. وقد كشف مقال في صحيفة "نيويورك تايمز"، أن مركز الصحة البيئية يركز على الحدّ من استخدام الرصاص في المنتجات التي يتم تسويقها بشكلٍ خاص للشابات أثناء فترة الحمل، لأن هذه المنتجات تلحق أضراراً بصحة الأم والجنين، كما تبين أن التعرض لهذه المواد يساهم في ارتفاع معدلات العقم عند النساء، وزيادة مخاطر النوبات القلبية والسكتات الدماغية وارتفاع ضغط الدم. الملابس مصممة للزوال: يهتم عمالقة الأزياء السريعة بالأرباح فقط، وتعتمد "سياستهم" على رغبة المستهلكين في ارتداء ملابس جديدة، وهو أمر غريزي إذا ما "إنهارت" الملابس في غسلة واحدة. وفي هذا الصدد، قالت الكاتبة "إليزابيث كلاين":" ينتج متجر مثل H&M مئات الملايين من الملابس سنوياً، وبالتالي فإنهم يضعون هامش ربح صغيراً على الملابس ويكسبون الأرباح من خلال بيع محيط من الملابس". أما المشكلة فتكمن في ذهاب الملابس مباشرةً إلى مكبّ النفايات. وكونها مصنوعة من الألياف الاصطناعية والبترولية، فسوف يستغرق الأمر عقوداً حتى تتحلل. العبودية: تشير التقديرات إلى أن ما بين 20 و60% من الملابس يتم خياطتها في المنازل على يد عمال "غير شرعيين"، وفق ما ذكرته الكاتبة "لوسي سيغل" في كتابها ?To Die For: Is Fashion Wearing Out the World فبالرغم من وجود آلات يمكن أن تنجز حياكة الملابس على غرار العمل اليدوي، فإنها مكلفة للغاية ويجب شراؤها من مصنع الملابس، من هنا تعتبر "سيغل" أنه من غير المحتمل الاستثمار في المعدات، خاصة إذا كنا نتحدث عن ملابس ذات قيمة سريعة. ومن خلال تحقيقاتها الخاصة، توصلت "سيغل" إلى معلومات تفيد بأن الملايين من العمال اليائسين هم الذين يختبئون في أفقر مناطق العالم "يحنون ظهورهم ويطرزون محتويات خزانة الملابس العالمية في الأحياء الفقيرة حيث يمكن لعائلة أن تعيش في غرفة واحدة".
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ يومرائع. الله يرجعك قريبا. شوقتيني ارجع روح على صور.
مستخدم مجهول -
منذ يومحبيت اللغة.
أحضان دافئة -
منذ يومينمقال رائع فعلا وواقعي
مستخدم مجهول -
منذ 6 أياممقال جيد جدا
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعحب نفسك ولا تكره الاخر ولا تدخل في شؤونه الخاصة. سيمون
Ayman Badawy -
منذ أسبوعخليك في نفسك وملكش دعوه بحريه الاخرين