شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

قدّم/ ي دعمك!
حرب فيسبوك

حرب فيسبوك "القذرة" في ليبيا: فصل جديد من القصف في الشوارع وعلى الشبكات الاجتماعية

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

سياسة

الأربعاء 5 سبتمبر 201805:35 م
واجه الليبيون صعوبة في الولوج إلى موقع "فيسبوك" بالعاصمة طرابلس ومدن أخرى، تزامنًا مع موجة جديدة من القتال بين الفصائل المٌسلحة التي تتبادل إطلاق النار والقصف في الشوارع منذ أيام. واعتاد المسؤولون والمجموعات المسلحة استخدام الشبكة الزرقاء في بث أخبارهم، فيما يشيع رواج الأخبار الكاذبة من قبل الأطراف المتناحرة، خاصة مع الأحداث الأخيرة. وفيما طالت الصواريخ منازل مواطنين وفندقًا يقيم فيه أجانب وأدت إلى إغلاق مطار العاصمة (معيتيقية)، وإلى فرار 400 سجين من أحد السجون، ظهرت معركة متوازية على الإنترنت رصدت ملامحها صحيفة "نيويورك تايمز". في صفحاتها الخاصة على فيسبوك، أصدرت المجموعات المتنافسة بيانات للتفاخر والتهكم وإطلاق التهديدات، وقد تعهد أحدهم "تطهير" ليبيا من خصومها، في وقت كان "مناضلو الكيبورد"، كما يعرفون في ليبيا، يبثون أخبارًا زائفة أو تعليقات سيئة. وقام آخرون بتوجيه ساحة المعركة، ففي إحدى صفحات نشر مستخدم خرائط وإحداثيات للمساعدة في قاعدة جوية تسيطرة عليها مجموعة منافسة. وتتمتع وسائل التواصل الاجتماعي بنفوذ كبير في ليبيا، التي تتصف بكثافة سكانية مُنخفضة، لكنها مُمزقة بفعل تنافس عدد كبير من الجماعات المسلحة على الأرض والشرعية عبر محاولات الهيمنة على الشوارع وعلى ما يدور في فضاء الإنترنت. ولا يعكس فيسبوك، أكثر المنصات شعبية في البلاد، حجم الفوضى الجارية فقط بل يمكنه مضاعفة نفوذ هذه المجموعات التي تستخدمه في العثور على المعارضين لها واعتقالهم أو قتلهم أو إجبارهم على مغادرة مكانهم، وفقًا لما أوردته جماعات حقوق الإنسان ونشطاء ليبيون. وعلى التايم لاين، يتباهى القادة المتنافسون بمآثرهم في ساحات القتال وعطلاتهم الفاخرة، أو يحشدون أنصارهم عن طريق زرع الانقسام والكراهية العرقية. كما تنتشر الوثائق المزورة على نطاق واسع، غالبًا بهدف تقويض دور المؤسسات الوطنية القليلة في ليبيا، خاصة مصرفها المركزي. وفي الآونة الأخيرة، تعرض فيسبوك لانتقادات على مستوى العالم بسبب اتهامات له بالتورط في أعمال التلاعب السياسي والعنف. ويصر فيسبوك على أنه يراقب الأوضاع في ليبيا بصرامة. ويوظف فريقًا من مراجعي المحتوى الناطقين بالعربية لتطبيق سياساته، ويقوم بتطوير الذكاء الاصطناعي لإزالة المحتوى المحظور بشكل استباقي، ويتعاون مع شركاء من المنظمات المحلية ومجموعات حقوق الإنسان الدولية لفهم البلاد بشكل أفضل. وقالت متحدثة باسم الشركة لـ"نيويورك تايمز": "نحن أيضًا لا نسمح للمؤسسات أو الأفراد المنخرطين في الاتجار بالبشر أو العنف المنظم بالبقاء على فيسبوك". وكشفت الصحيفة أن الأنشطة غير القانونية ما زالت شائعة على فيسبوك في ليبيا. ووجدت أدلة على أن الأسلحة العسكرية يتم بيعها عبره علانية، رُغم سياسات الشركة التي تمنع مثل هذه التجارة. ويعلن المتاجرون في البشر نجاحهم في مساعدة المهاجرين غير الشرعيين على الوصول إلى أوروبا عن طريق البحر، واستخدام صفحاتهم لتحقيق المزيد من هذه الاتفاقات مع الراغبين في الهجرة. وعمليًا، تمتلك كل جماعة مسلحة في ليبيا، وحتى بعض مراكز احتجازها، صفحة خاصة بها على فيسبوك. وفي المقابل، قالت مُتحدثة باسم فيسبوك إنهم أزالوا العديد من الصفحات والمشاركات بعد أن أبلغت "نيويورك تايمز" الموقع بعناوين تلك الصفحات يوم الأحد الماضي. لكن صفحات عدة لم يشملها الحظر. وقد كتب محمود شمام، وزير الإعلام الليبي السابق، الأسبوع الماضي في صفحته على فيسبوك: "أخطر حرب قذرة يتم شنها من قبل وسائل الإعلام الاجتماعي وبعض البرامج الإعلامية الأخرى... كذب، تزوير، تضليل ووقائع مختلطة. الجيوش الإلكترونية مملوكة للجميع، ويستخدمها الجميع دون استثناء. إنها حرب مُميتة".

فيسبوك من وسيلة للإطاحة بالقذافي إلى أداة للقمع

ساعد فيسبوك الليبيين على التوحد في العام 2011 للإطاحة بالعقيد معمر القذافي الذي حرم الناس على مدى عقود من شراء أجهزة الفاكس أو حتى الطابعات من دون إذن رسمي. آنذاك، عكس فيسبوك انفتاحًا "غير عادي" للمجتمع الليبي بعد أربعة عقود من الدكتاتورية في عهد القذافي، كما تقول ماري فيتزجيرالد، وهي باحثة مستقلة عن ليبيا، مُضيفةً "كان الجميع على فيسبوك. وكانت هناك محادثات حادة للغاية، والكثير من النقاش". وأدت حملة الكراهية المُوجهة ضد من يشتبه في أنهم من أنصار القذافي على مواقع التواصل إلى ترحيل المهاجرين الأفارقة أو إعدامهم، وتسببت بنزوح جميع سكان بلدة تاورغاء البالغ عددهم 30 ألفًا حفاظًا حياتهم. اليوم، يعيش معظمهم في مخيمات اللاجئين. وذهبت "نيويورك تايمز" إلى أن مرد تأثير فيسبوك إلى خلل وظيفي في ليبيا، فلا توجد في البلاد سلطة مركزية، عدا أن معظم محطات التلفزيون والصحف ترتبط بالجماعات المسلحة أو الفصائل السياسية أو القوى الأجنبية، مثل قطر والإمارات. ومع انقطاع التيار الكهرباء وقضاء العديد من الليبيين ساعات طويلة داخل منازلهم لخطورة خروجهم ينتقلون إلى فيسبوك لمعرفة ما يجري. "قد يكون الهاتف هو الشيء الوحيد الذي يعمل"، قال جلال حرشاوي، وهو محلل سياسي مقيم في باريس، مُوضحًا "يعاني الناس من صدمة بعد سنوات من الأخبار الزائفة في عهد القذافي. هم متعطشون إلى الحقيقة". ويستخدم حوالى 181 مليون شخص فيسبوك شهريًا في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، بحسب متحدثة فيسبوك كانت أجابت عن أسئلة الصحيفة عبر البريد الإلكتروني بشرط عدم الكشف عن هويتها. أما بالنسبة للفصائل الليبية المسلحة، فإن الوصول إلى فيسبوك يشكّل أداة قوية للدعاية والقمع. ففي مدينة بنغازي (شرق ليبيا)، التي يهيمن عليها الرجل القوي المشير خليفة خيفتر، تقوم وحدة خاصة على الإنترنت تابعة لقواته، المعروفة باسم الجيش الوطني الليبي، بمراقبة فيسبوك بحثًا عن مشتبه فيهم بأن يكونوا من المعارضة أو من الإسلاميين. وقد اعتقل بعضهم وسجنوا، وأُجبر آخرون على الفرار من المدينة، وفقاً لجماعات حقوق الإنسان. وهنالك ضغوط مماثلة في طرابلس، حيث تقوم قوة الردع الخاصة، وهي ميليشيا يقودها قائد ديني محافظ، عبد الرؤوف كارا، بمتابعة فيسبوك بحماس يشبه دور الشرطة الدينية في السعودية. وفي العام الماضي، احتجزت ميليشيات كارا 20 مشاركًا في نسخة ليبية من مهرجان للرسوم الكرتونية Comic-Con. وقال النشطاء إنهم غضبوا بسبب الصور على فيسبوك التي تظهر شبابًا ليبيين يرتدون زي شخصيات مثل سبايدر مان وجوكر. وقال بعض المعتقلين إنهم تعرضوا للضرب في الحجز. وفي أغسطس 2017، تعرضت الكاتبة الليبية ليلى المغربي لعاصفة من التهديدات من قبل منتمين إلى "قوة الردع" على فيسبوك بسبب مجموعة من القصص القصيرة والقصائد. وقد قفزت إلى سيارة مع زوجها وأولادها وسافرت إلى تونس حيث يعيشون في المنفى. وقالت عبر الهاتف لـ"نيويورك تايمز": "تركنا كل شيء وراءنا". وفي 2014، قتل إسلاميون في بنغازي اثنين من الناشطين العلمانيين في سن المراهقة، هما توفيق بنسود وسامي الكوفي، بعد ظهور اسميهما على قائمة ضربت على موقع فيسبوك.
واجه الليبيون صعوبة في الولوج إلى موقع "فيسبوك" بالعاصمة طرابلس ومدن أخرى، تزامنًا مع موجة جديدة من القتال بين الفصائل المٌسلحة التي تتبادل إطلاق النار والقصف في الشوارع منذ أيام.
"أخطر حرب قذرة يتم شنها من قبل وسائل الإعلام الاجتماعي وبعض البرامج الإعلامية الأخرى... كذب، تزوير، تضليل ووقائع مختلطة. الجيوش الإلكترونية مملوكة للجميع، ويستخدمها الجميع دون استثناء. إنها حرب مُميتة"

تفاخر قادة الميليشيات بحياتهم "الفخمة" أشعل موجة القتال الأعنف منذ سنوات

وصفت الصحيفة القتال الذي اندلع قبل أيام في طرابلس بأنه الأسوأ منذ سنوات، حيث أسفر عن مقتل 47 شخصًا على الأقل، من بينهم أطفال، وأكثر من 130 جريحًا، وفقًا لمسؤولين بوزارة الصحة. ورُغم أن طرابلس بدت هادئة هذا العام، فإن القلق قائم بسبب سيطرة الميليشيات الأربع الكبيرة على المدينة تحت مظلة حكومة الوفاق الهشة، التي يترأسها فايز سراج. ويُنظر إلى قادة الميليشيات على نطاق واسع على أنهم فاسدون ولا يخضعون للمساءلة، وذلك باستخدام نفوذهم لدى المصرف المركزي لشراء الدولارات الأمريكية بسعر الصرف الرسمي، وهو أقلّ خمس مرات عن سعر السوق السوداء. ولفت أحد قادتها، هيثم تاجوري، الانتباه إليه عن طريق نشر صور على فيسبوك وهو يتباهى بنمط حياته الفخم وعطلاته خارج البلاد، وبذلاته الأنيقة، بينما يغرق الكثير من الليبيين في ضائقة اقتصادية. وأدت هذه التعليقات إلى إشعال مشاعر الاستياء بين المجموعات المتنافسة التي تسعى إلى المشاركة في كعكة المكاسب. وفي الأسبوع الماضي، شنت ميليشيا تعرف باسم "كنيّات" أو اللواء السابع، من بلدة تدعى "ترهونة"، على بعد 45 ميلاً جنوب شرق طرابلس، هجومًا على العاصمة. وفي الوقت الذي انخرط فيه مقاتلو "كنيات" في معارك مدفعية في الضواحي الجنوبية، سعت إلى استغلال الغضب العام من خلال إدانة منافسيها بتشبيههم بأنهم مثل "الدولة الإسلامية للمال العام" ووعدت بـ"تطهير" ليبيا منهم.

رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

Website by WhiteBeard
Popup Image