شهدت عدة مدن ليبية على مدار الأيام الماضية موجة غضب شديدة على خلفية تصريحات منسوبة إلى السفير الإيطالي جوزيبي بيروني لدى طرابلس بأن روما لن تسمح بإجراء انتخابات في ليبيا، خلال العام الجاري، ما دفع العديد من الليبيين إلى التظاهر ضد ما اعتبروه "تدخلاً سافراً في شؤونهم".
فقد خرج مواطنون في طرابلس في تظاهرة احتجاجية في ميدان الجزائر في العاشر من أغسطس رفضاً لتصريحات السفير الإيطالي، وتنديداً بأي تدخل خارجي، كما شهدت مدينة بنغازي عرضاً للخيول، في رسالة تذكّر بكفاح عمر المختار للاحتلال الإيطالي.
جاء هذا الغضب الليبي على خلفية تصريحات منسوبة لبيروني قال فيها: "لن نسمح بإجراء انتخابات في ليبيا بأي ثمن وأية تكلفة".
كما قلل السفير في مقابلة على قناة محلية من عدد المتظاهرين ضد الوجود الإيطالي في ليبيا، وقال إن عددهم لا يتجاوز العشرين أو الثلاثين شخصاً، وإن ما يراه على أرض الواقع هو "الكثير من الدعم لنا".
وفي شهر يوليو الماضي، نشر بيروني تغريدة، أثارت حفيظة الليبيين إذ كتب: "كم سيكون رائعاً أن ترى فيراري ببريقها الأحمر مجدداً وهي تنطلق من قرقاش إلى بن عاشور… رغم كل التحديات، تريد طرابلس الساحرة لنفسها سمعة أكبر من كونها ‘عروس هذا البحر’".
فقد أرفق بيروني بتغريدته المذكورة صورة لسباق سيارات جرى عام 1937، في فترة الاستعمار الإيطالي لليبيا، وبعد إرساء احتلالها لها إثر قتل عمر المختار.
واستفز ذلك الليبيين فعلّقوا على تغريدته بنشر صور لجنود إيطاليين يتحلقون حول جثامين قتلى من المقاومة الليبية وصور أخرى توثّق فظاعة الحقبة الإيطالية في ليبيا.
رسالة إلى فرنسا؟
يذكر المحلل الليبي والباحث في مركز الدراسات الاستراتيجية في لندن الدكتور عبد العزيز أغنية أن تصريحات السفير الإيطالي كانت رسالة مباشرة إلى فرنسا التي طرحت مبادرة لإجراء انتخابات في نهاية العام الجاري، خلال اجتماع عقده الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون مع قطبي الصراع، قائد "الجيش الوطني" خليفة حفتر الذي تدعمه مصر والإمارات، ورئيس حكومة الوفاق في طرابلس فايز السراج المدعوم من إيطاليا والإخوان وقطر وتركيا والمعترف به دولياً، في 29 مايو الماضي. هذه ليست أول مرّة يوجّه فيها مسؤول إيطالي تحذيرات إلى فرنسا. ففي يونيو الماضي، قالت وزيرة الدفاع الإيطالية إليزابيتا ترينتا، في اتصال هاتفي مع نظيرتها الفرنسية فلورانس بارلي، إن إيطاليا هي مَن تقود في ليبيا، ولذلك فإن قيادة العملية السياسية في هذا البلد يجب أن تكون إيطالية.ماذا قال السفير فعلاً؟
بعد الكلام المنسوب إلى بيروني، أصدرت لجنة الخارجية والتعاون الدولي في مجلس النواب الليبي بياناً استنكرت فيه بشدة تصريحاته التي "طالب فيها بإصرار تأجيل الانتخابات ضارباً بعرض الحائط الأعراف الدبلوماسية التي تنظم عمله كممثل لجمهورية إيطاليا في ليبيا"، معتبرة أن كلامه "تدخل سافر في الشأن الليبي ومس خطير بالسيادة الوطنية وتعدٍّ على خيارات الشعب الليبي وإهانة تستدعي اعتذار الجانب الإيطالي". واعتبرت اللجنة السفير "شخصاً غير مرغوب به في ليبيا"، مطالبة وزارة الخارجية الإيطالية بتعيين بديل له. وردت سفارة إيطاليا في ليبيا على البيان بنفيها أن يكون بيروني قد دعا إلى تأجيل الانتخابات، وأوضحت أنه "لم يطلب أبداً تأجيل الانتخابات الليبية، بل بالعكس، فقد قال إن قرار تحديد موعد إجراء الانتخابات يعود إلى الليبيين والليبيين فقط". وحقيقة الأمر أن بيروني ظهر في مقابلة على "قناة ليبيا"، قال فيها إن بلاده ترفض إجراء انتخابات فى ليبيا "بأي ثمن" وقبل أن تتوفر "الظروف الملائمة" لإجرائها وقبل إقرار دستور، وترفض أن يتم التمسك بالموعد المقرر وفق اتفاق باريس، وهو شهر ديسمبر القادم ، قبل أن يستدرك: "هذا الأمر من شأن الليبيين وحدهم". ولفت في حديث السفير قوله إن الحل فى ليبيا سياسي وإن "هناك أطرافاً تسعى إلى الاستيلاء على السلطة عبر الانتخابات هذا الأمر غير مقبول"، في إشارة ضمنية إلى خوف بلاده من نتائج الانتخابات وتفضيلها توافقاً سياسياً على الحسم عبر الصناديق، لأن نتائج الانتخابات قد تؤدي إلى فصل جديد من الصراع كما حصل بعد انتخابات 2014.لماذا لا تريد إيطاليا انتخابات؟
يرى أغنية أن إيطاليا تخشى إجراء انتخابات في ليبيا في الوقت الحالي، لأن حلفاءها من الإسلاميين ومليشيات أخرى سوف يخسرون لا محالة وبشكل مخزٍ، ولن يكون لهم أي حليف في المؤسسات المنتخبة. ويضيف لرصيف22 أن فرنسا تعلم مدى رفض الشارع الليبي لإيطاليا وحلفائها، في حين تصاعدت شعبية حليفها خليفة حفتر، بعد انتصاراته في درنة وفرضه للأمن الذي يفقده سكان المناطق والمدن التي تتركز فيها مليشيات متحالفة مع روما. في المقابل، تؤكد مستشارة وزير الدفاع الأمريكي والمحللة الأمنية في معهد "بروكينغز" في واشنطن فيديريكا سايني فاسانوتي أن إيطاليا لا ترفض بشكل مطلق المبادرة الدبلوماسية الفرنسية لإجراء انتخابات في ليبيا، ولكن لدى روما العديد من الشكوك في أن نتائجها ستكون إيجابية. وتضيف فاسانوتي لرصيف22 أن لدى إيطاليا مخاوف من أن اجراء انتخابات في الوقت الحالي في ليبيا في ظل هذا الانقسام، مع وجود المئات من الميليشيات المسلحة، قد يُحدث حرباً وصراعاً جديداً بين الشرق بقيادة حفتر الذي يسيطر على بنغازي وطبرق ودرنة ومناطق في الجنوب، وبين الغرب بقيادة السراج الذي تدعمه مليشيات مختلفة في سرت ومصراته وطربلس ومدن أخرى. وتُقرّ فاسانوتي بأن الصراع بين روما وباريس في ليبيا، يعود إلى سببين: أولاً، الأحقاد القديمة التي لم تنطفىء أبداً بين البلدين؛ والثاني التنافس على إدارة موارد الطاقة في هذا البلد.الليبيون غاضبون من تصريحات منسوبة إلى السفير الإيطالي بأن بلاده لن تسمح بإجراء انتخابات في ليبيا، وروما تستمر في تحدّي باريس وتحاول عرقلة جهودها الدبلوماسية... "كعكة النفط" الليبية تثير شهية دول كبرى
الصراع بين فرنسا وإيطاليا في ليبيا صار علنياً... وأنصار خليفة حفتر يستدعون تدخلاً روسياً لموازنة النفوذ الأمريكي ولعدم ثقتهم بحليفتهم باريسمن جانبه، يرى المحلل الإيطالي والصحافي في وكالة نوفا ألسندرو شيبيونه أن المبادرة الفرنسية في ليبيا هي انتحار، لأن الذهاب إلى الانتخابات في موعد محدد دون الوصول إلى الحد الأدنى من الظروف الأمنية المناسبة، وقبل تحقيق مصالحة وطنية، ليس فكرة جيدة. وأضاف الصحافي الإيطالي لرصيف22 أن هناك حملة صحافية تشهيرية ترعاها وسائل إعلام مقرّبة من الجنرال حفتر، مشيراً إلى أن بيروني لم يقل أبداً أن إيطاليا ضد الانتخابات في ليبيا، بل قال إن الليبيين وليس فرنسا يجب أن يحددوا موعدها. وأضاف: "أعتقد أن إيطاليا ترغب في تنظيم مؤتمر حول ليبيا لإيجاد مخرج حقيقي من الأزمة، مع توقيع اتفاقيات جديدة بالحبر لا الاكتفاء بتفاهمات شفهية كما حدث في باريس".
ليبيا... ورقة ضغط وابتزاز بيد ترامب
يشير الدكتور عبد العزيز أغنية إلى أنه يبدو أن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب توصل إلى اتفاق مع رئيس الوزراء الإيطالي جيوسيبي كونتي حول ليبيا، خلال زيارة الأخير إلى واشنطن، ينحاز بموجبه إلى روما على حساب باريس. ويضيف أن الجانبين اتفقا على البدء بحوار استراتيجي بينهما حول ليبيا بعد أن توصلا إلى تفاهمات تخدم مصالح الطرفين. ويوضح أن ترامب يريد من خلال الاتفاق مع إيطاليا الضغط على فرنسا وابتزازها في ملفات أخرى مثل الاتفاق النووي الإيراني، كما أنه يرغب في توظيف الحكومة الإيطالية الشعبوية واليمينية للضغط على أوروبا، خاصةً ألمانيا، في عدد من الملفات الدولية. ويلفت إلى أن الرئيس الأمريكي يعتقد أن النفط الليبي قد يكون بديلاً عن النفط الإيراني، لمنع حدوث أي نقص في السوق، وما يترتب عليه من ارتفاع في أسعاره عالمياً. ويتابع أن ترامب التاجر يفكر في إعادة بناء الجيش الليبي، ويريد الاستحواذ على النصيب الأكبر من صفقات إعادة تسليحه، بحال الوصول إلى تسوية، مشيراً إلى أن بناء القوات المسلحة سيحتاج مليارات الدولارات، كما أن الشركات الأمريكية تطمع في النفط الصخري الليبي. وتحتل ليبيا التي يتجاوز عدد سكانها ستة ملايين نسمة المركز الخامس عالمياً في احتياطات النفط الصخري، بعد أن ارتفعت احتياطاتها من 48 مليار برميل إلى 74 مليار برميل، بحسب تقديرات عام 2014. كما ارتفعت احتياطات الغاز الليبي في ليبيا ثلاثة أضعاف، من 55 تريليون قدم مكعب إلى 177 تريليون، مع إضافة 122 تريليون قدم مكعب من الاحتياطي القابل للاستخراج من الصخور، بالإضافة إلى ارتفاع احتياطيها من النفط الخام 48 مليار برميل، لتحتل المركز العاشر عالمياً. وتسيطر قوات حفتر على منطقة الهلال النفطي التي تحتوي على 80% من ثروة البلاد النفطية، ويمتد هذا الحوض النفطي على طول أكثر من 200 كيلومتر، وتنتج حقوله نحو 60% من إنتاج البلاد، كما يضم أهم موانئ تصدير النفط.استدعاء روسيا إلى المشهد الليبي
قبل فترة، ناشد المتحدث باسم "الجيش الوطني" العقيد أحمد المسماري روسيا التدخل في بلاده، رغم أن موسكو منافسة لها في إمدادات الغاز لأوروبا، وقال: "الوضع في ليبيا يتطلب تدخلاً روسياً وتدخل الرئيس (الروسي فلاديمير) بوتين شخصياً، وإبعاد اللاعبين الأجانب مثل تركيا وقطر وإيطاليا بشكل مباشر". يرى عبد العزيز أغنية أن استدعاء روسيا يهدف إلى خلق توازن مع التدخل الإيطالي الداعم لمعسكر طرابلس، كما يُظهر أن حفتر لا يطمئن إلى فرنسا، فقد تتوصل الأخيرة إلى اتفاق مع إيطاليا، بينما روسيا دولة مناوئه لأمريكا ويمكن الاعتماد عليها في المؤسسات الدولية. من جانبها، ترى مستشارة وزير الدفاع الأمريكي أنها لا تعتقد أن تدخل روسيا قد يضرّ بمصالح إيطاليا، لكن على الحكومة الإيطالية أن تستخدم كل مهاراتها الدبلوماسية للتعاون مع بوتين في ليبيا ، وإقناع الجنرال حفتر بأن إيطاليا ليست عدواً لليبيا. وتضيف المحللة الأمنية أن الوجود الروسي العسكري في دولة مطلة على البحر الأبيض المتوسط له خطورة على حلف الناتو، وعلى أوروبا، لذا على إيطاليا أن تتواصل مع حفتر، وتمنع تحقق ذلك بالدبلوماسية.إعلان حرب... حفتر ينوي طرد إيني
كشفت صحيفة "هافنغتون بوست"، في نسختها الإيطالية، أن حفتر ينوي حرمان إيطاليا من "الكعكة النفطية"، على حد وصفها، عبر استبدال شركة إيني التي تدير معظم حقول النفط الليبية بتوتال الفرنسية، بحال استمرت روما في دعم السراج. وأكدت الصحيفة أن حفتر يتبنى استراتجية معادية لإيطاليا، أساسها طرد السفير الإيطالي من طرابلس، إضافة إلى محاولة منع مَن يحمي السراج من الحصول على أية موانئ آمنة في ليبيا، ودفع حكومة طبرق والقبائل نحو مقاطعة مؤتمر روما المزمع عقده في نهاية العام الجاري. وفقاً للتقرير، تدير وزارة الداخلية في طربلس 34 مركز احتجاز للمهاجرين، بتمويل من إيطاليا، برغم أن السراج أعلن مراراً وتكرراً رفضه إقامة مثل هذه المراكز في ليبيا، كما أن حفتر غاضب من حصول السراج على تمويل أوروبي من أجل بناء هذه المعسكرات. ويذكر التقرير أن قوات حفتر تهدد إيطاليا بأن هناك 52 ألف لاجئ من سوريا وفلسطين وإريتريا والسودان، محتجزون لديها، ويمكن السماح لهم بالعبور نحو شواطئها. وتُعَدّ إيني الإيطالية أكبر شركة نفطية تعمل في ليبيا، ويبلغ إنتاجها اليومي نحو 600 ألف برميل نفط إضافة إلى نحو 450 طناً من الكبريت. أما توتال الفرنسية فهي تشغل حقلي المبروك والجرف من خلال أحد فروعها، شركة "سي. بي. تي. إل."، ويصل متوسط إنتاج الحقلين معاً، إلى 60 ألف برميل يومياً، فيما تشارك الشركة في إنتاج بعض الحقول الأخرى مثل حقل الشرارة. ويبدو أن حصة الشركة الإيطالية النفطية الكبيرة، إضافة إلى اكتشافها أكبر حقل للغاز في المتوسط في مصر (حقل ظهر) أثار شهية الفرنسيين.الوجود العسكري في ليبيا
تمتلك إيطاليا قاعدة عسكرية فيها أكثر من 300 جندي، وفقاً للمعلن من قبل وزارة الدفاع الإيطالية، في مدينة مصراتة، وأُنشئت تحت مزاعم تقديم الخدمات الطبية لجنود حكومة الوفاق خلال تحريرهم مدينة سرت من قبضة تنظيم داعش. كما تحتفظ بوجود عسكري في أحد موانئ مدينة طرابلس، حيث ترابط بوارج حربية، تحت مزاعم محاربة الهجرة غير الشرعية، كما ينتشر 400 جندي آخر في جنوب البلاد، و400 آخرون في النيجر. في المقابل، لقي ثلاثة عسكريين فرنسيين مصرعهم عام 2016 في شرق ليبيا، ما أدى إلى الاعتقاد بوجود قوات فرنسية في بنغازي. وتمتلك باريس أربع قواعد عسكرية وفقاً للبيانات الرسمية في إنجامينا في تشاد، ونيامي في النيجر، وغاو وتيساليت في شمال مالي، وهي دول الساحل، جنوب ليبيا. وشرعت باريس عام 2014 في بناء قاعدة "ماداما" في أقصى شمال النيجر، قرب الحدود مع جنوب ليبيا، وتم تزويدها بمطار حربي لتكون نقطة انطلاق نحو الأراضي الليبية.رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يوممتى سوف تحصل النساء في إيران على حقوقهم ؟!
مستخدم مجهول -
منذ يومينفاشيه دينيه التقدم عندهم هو التمسك بالتخلف
مستخدم مجهول -
منذ يومينعظيم
Tester WhiteBeard -
منذ يومينtester.whitebeard@gmail.com
مستخدم مجهول -
منذ يومينعبث عبث
مقال عبث من صحفي المفروض في جريدة او موقع المفروض محايد يعني مش مكان لعرض الآراء...
مستخدم مجهول -
منذ 6 أيامرائع