شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

اترك/ ي بصمَتك!
التعاطف... لأننا نضع أنفسنا في منظور أولئك الذين نراهم في الصورة

التعاطف... لأننا نضع أنفسنا في منظور أولئك الذين نراهم في الصورة

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

حياة

الأربعاء 5 سبتمبر 201802:22 م
في عصرنا الراهن، أثبتت الصور المأخوذة من أرض الواقع والتي تترجم أوجه الحياة على اختلافها أنها قادرة على التأثير بعقول الناس وإثارة مشاعرهم وعواطفهم أكثر من النصوص الكتابية والخطب على أنواعها. ففي الذكرى الثالثة -2 سبتمبر 2015- لحادثة غرق الطفل السوري "إيلان الكردي" في بحر إيجه خلال رحلة لجوء بائسة للوصول إلى اليونان بواسطة قاربٍ صغيرٍ انطلق من سواحل تركيا محمّلاً باللاجئين السوريين الهاربين من الحرب الأهلية، نتذكر كيف تعاطف العالم بأسره مع صورة الطفل الممدد على الشاطئ، وكيف تمكنت هذه الصورة الصادمة من إحداث ضجة لكونها جسدت بشاعة الحرب التي تخطف براءة الأطفال. [caption id="attachment_161872" align="alignnone" width="1000"]a978601a1ce77fc96b84b2c97491380c June 8, 1972: Kim Phúc, center left, running down a road naked near Trảng Bàng after a Vietnam Air Force napalm attack[/caption] من الطفل "إيلان" إلى الطفل السوري الآخر "عمران دقنيش" مروراً بمطلق شرارة الثورة التونسية "محمد بو العزيزي" وصولاً إلى الشابة الفلسطينية عهد التميمي التي وقفت بوجه جنود الاحتلال، إليكم "القوة" الكامنة وراء الصور ودورها في إثارة المشاعر والعواطف.

جذب الانتباه

على مدى السنوات الماضية، استطاعت المؤثرات البصرية أن تحجز مكانةً لها في لعبة الإثارة والتأثير، ولعلّ نشرات الأخبار هي خير دليلٍ على ذلك إذ تحرص على "الزج" بالصور واللقطات الصادمة بين خبرٍ وآخر. فاليوم باتت وسائل الإعلام -جزء منها على الأقل- تتسابق إلى التقاط صور حصرية للضحايا بهدف إحداث سكوب إعلامي من خلال جذب انتباه الناس ودفعهم إلى التعليق والتفاعل مع القضايا الحيوية المتعلقة بالشأن السياسي، والاجتماعي، والديني، والبيئي... [caption id="attachment_161878" align="alignnone" width="1200"]Venezuela-Crisis_-Ronaldo-Schemidt,-Agence-France-Presse José Víctor Salazar Balza (28) catches fire amid violent clashes with riot police during a protest against President Nicolás Maduro, in Caracas, Venezuela.[/caption] في مقال له على موقع "ذو أتلانتيك"، تحدث الكاتب "آموس زيبيرغ" عن قدرة بعض الصور على إثارة المشاعر وخلق نوع من التعاطف كان له أثر كبير على تغيير مجريات الأحداث، ومن بينها صورة الطفل إيلان الكردي.
كأن خسائر الحرب في سوريا سجلت في عقولنا دون أن تهز قلوبنا... غيّر إيلان كل ذلك. فصورة واحد كسرت قلب العالم"
الضحية المحددة تشكل نوعاً من جماعة بمفردها. فإذا مات هذا الشخص، فعندئذ تموت الجماعة بأكملها.
فعلى مدى 4 أعوام -وقتذاك- قتل أكثر من 200 ألف سوري وفرّ أكثر من 3 ملايين من البلاد بحثاً عن ملاذٍ آمنٍ، وبالرغم من أن الحرب في سوريا تصدرت عناوين نشرات الأخبار، فإن الكارثة الإنسانية لم تحظ بالتغطية الإعلامية الكافية، إلى أن تغيّر الأمر فجأة فارتفعت التغطية وباتت أخبار اللاجئين والمشردين تحتل الصفحات الأولى في الصحف الأجنبية كما أنها دخلت في صلب المناظرات الرئاسية.
الصور الفوتوغرافية تلعب دوراً فريداً في جعل بعض مناطق الدماغ تعمل على تسهيل عملية التعاطف
فما الذي ساهم في هذا التغيير المفاجىء؟ اعتبر "آموس" أن الصور الفوتوغرافية في مثل هذه المواقف هي التي "فتحت" قلوب الناس. فبالنسبة إلى سوريا، أشار الكاتب إلى أن التغيير جاء نتيجة الصورة المرعبة للطفل إيلان الكردي البالغ من العمر 3 سنوات والذي ظهر ممداً على الشاطىء التركي، الأمر الذي خلق حالة من التعاطف العالمي مع معاناة اللاجئين السوريين. وكان المذيع البريطاني "جيريمي كايل" قد علّق على الأثر الذي خلفته صورة الطفل إيلان، بالقول: "كأن خسائر الحرب سجلت في عقولنا دون أن تهز قلوبنا...غيّر إيلان كل ذلك"، مضيفاً أن "صورة واحد كسرت قلب العالم".

أثر الضحية

يحتاج الناس إلى رؤية ما يمرّ به الآخرون ليشعروا بالتعاطف معهم. إيلان-الكردي عن الطفل السوري "إيلان الكردي"، والصورة الصادمة لآثار جروح صديقة لاعب كرة القدم الأميركية "غريغ هاردي"، وانتشار صورة تعود لمقتل الأسد "سيسيل"، كشف الكاتب "آموس زيبيرغ" عن وجود قاسمٍ مشتركٍ بين هذه الصور التي أحدثت تغييراً معيّناً: كل صورة من الصور الثلاث تظهر ضحية فردية. Greg-s-GF ص-سيسي وانطلاقاً من مقولة:"حالة وفاة واحدة هي مأساة ومليون حالة وفاة هي إحصائية"، أوضح الكاتب أنه لإدراك المأساة "يجب أن نرى الضحية كفرد"، من هنا يطلق علماء النفس على هذه الظاهرة إسم "أثر الضحية القابلة للتحديد"، التي يعرفها جيداً الأشخاص الذين يعملون في المجالات المتعلقة بالتعاطف الإنساني. هكذا تلجأ غالبية منظمات الأطفال العالمية إلى دعوة المتبرعين لرعاية أطفال محددين يتعرف إليهم المتبرعون شخصياً، وعلى ذلك يحصل الأطفال على الأموال اللازمة لدفع تكاليف معيّنة، مثل الرعاية الصحية، بينما يتلقى المتبرعون متعلقات تخص الأطفال، وترسل إليهم كل عام صور ملونة لهؤلاء الأطفال، أما الهدف الكامن وراء هذا الأسلوب فهو قيام العديد من المنظمات الخيرية بإدراك حقيقة أن "العقل موجه بشكل كبير للاستجابة لشخص واحد بحاجة سواء كان هذا الشخص الواحد هو نحن أو شخص آخر أمامنا". [caption id="attachment_161882" align="alignnone" width="1000"]_Richard-Lam The couple who was captured kissing on the night of Vancouver's riot, are still together and living in Australia[/caption] وبغية دراسة "أثر الضحية القابلة للتحديد"، أجرى باحثان في جامعة "كارنيغي ميلون"، في أواخر التسعينيات، اختباراً يتضمن سيناريوهات مختلفة وسألا المشتركين عن الضحايا التي لها الأولوية في الإنقاذ، وقد تبيّن أن الضحية المحددة تشكل نوعاً من جماعة بمفردها "فإذا مات هذا الشخص، فعندئذ تموت الجماعة بأكملها". [caption id="attachment_161870" align="alignnone" width="1000"]_eddie-adams-icon Photojournalist Eddie Adams captured one of the most famous images of the Vietnam War - the very instant of an execution during the chaos of the Tet Offensive[/caption] كما أجرى عالم النفس "بول سلوفيك" في العام 2013، دراسة على بعض المتطوعين الذين تم وضعهم تحت جهاز ماسح للتصوير بالرنين المغناطيسي، بهدف مراقبة كيفية اتخاذ القرارات في مسألة التبرع بالمال للأيتام، وقد اتضح أن الأشخاص المتطوعين عندما شاهدوا صورة فوتوغرافية للطفل اليتيم، اختاروا التبرع أكثر من مجرد رؤية إسم اليتيم فقط أو مجرد صورة ظلية له.

ما الذي تحدثه الصورة في العقل البشري؟

"الصورة الفوتوغرافية قوية لأننا بواسطتها نستطيع وضع أنفسنا في منظور أولئك الذين نراهم في الصورة". سواء كانت صورة ملتقطة من الشارع، أو تصويراً صحفياً أو بورتريه، فإن الأفراد يستخدمون التصوير الفوتوغرافي لفهم أنفسهم فيما يتعلق بالأشخاص من حولهم، لأنه وفق موقع petapixel فإن بعض الصور الأيقونية تحمل في طياتها الرغبة، المعاناة، الألم وتحثنا على التعرف أكثر على الأشخاص الموجودين داخل الإطار. [caption id="attachment_161876" align="alignnone" width="1000"]james-nachtway-rwanda photo shows James Nachtwey photographing a firefight in South Africa in 1994[/caption] واعتبر الموقع أن قدرتنا على تحديد التطابق مع وجهة نظر شخص آخر تكون متأصلة في بنية دماغنا، لأن الصور الفوتوغرافية تلعب دوراً فريداً في جعل بعض مناطق الدماغ تعمل على تسهيل عملية التعاطف. وبهدف تفسير كيفية قيام الصور بتفعيل مناطق الدماغ، قام الموقع بتفكيك المعالجة العاطفية إلى مكونات أبسط والتحدث عن أكثر المهارات الاجتماعية الأساسية التي يمتلكها البشر: التقليد. فعندما نرى تعابير الآخرين، يحدث تنشيط غير واعٍ للعضلات نفسها، فعلى سبيل المثال عندما نرى شخصاً حزيناً وعابساً فإن ملامح وجهنا تصبح شبيهة به، وبالتالي فإن عملية التقليد تحدث نتيجة المعلومات البصرية التي تجمع أيضاً مسألة تنشيط العضلات وبدورها تسهل التعاطف. ومن خلال رؤية صورةٍ بسيطةٍ فإن دماغنا سيقوم بشكلٍ غير واعٍ بمعالجة الحركة البيولوجية والذهاب إلى حيث يتم توجيه العواطف وتنشيط العضلات التي نرصدها ومن ثم نقل هذه المعلومات إلى مركز معالجة اللغة حيث يمكننا التعبير بطريقةٍ واعيةٍ عن رد فعلنا العاطفي. [caption id="attachment_161875" align="alignnone" width="1000"]dorothea-lange-photojournalism Lange's iconic 1936 photograph, Migrant Mother[/caption] "التصوير الفوتوغرافي بات أكثر أهميةً من أي وقتٍ مضى لأننا نحتاج إلى صور مرئية تعكس تواصلنا، خاصة في عالم مثل عالمنا يمكن أن يكون مجرّداً من الإنسانية".

رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

Website by WhiteBeard
Popup Image