"لو أن الصورة أثارت أي شهوة يكون المصور قد فشل في توصيل رسالته"، كلمات عبّر بها محمد الراعي، مصور حر، عن «التصوير العاري»، الذي بدأ في الانتشار بين الأوساط الشبابية.
وهذا النمط من التصوير، كما يوضح الراعي، ليس مجرد تصوير فتاة من دون أي ملابس ونشرها، إذ هنا "تتحول القصة كلها إلى جنس"، مشيراً إلى أن الـ«Nudes Art» مختلف تماماً.
ما قاله الراعي يتفق تماماً مع نظرية كينيت كلارك، المؤرخ الفني الذي اعتبر أن الجنس بالمعنى الشهواني لا ينبغي أن يكون موضوع الفن العاري، فالفن «مجرد» وليس عارياً لإثارة شهوات جنسية.
في الثقافة الإغريقية، هناك مثل يقول: «العري للفنان كالحب للشاعر»، وكلاهما ضروري لإنجاز أي عمل فني.'
عودة العري
رغم أن تلك الظاهرة اختفت منذ سنين طويلة، فقد عادت من جديد مع موجة من الأفكار التحررية التي بدأت في الانتشار بين الأوسط الشبابية، والتي دفعتهم إلى التحرر من ثالوث الشهوة – الجهل – الجنس.
يكشف لنا المصور سالم محمود، اسم مستعار، كواليس ذلك الفن الذي عمل فيه، ويقول أن الـ«Nudes Art» لا يعني تصوير جنسي، بل تصوير أجزاء وإخفاء أخرى من خلال تقنيات التصوير والـ«Focus»، لإعطاء صورة جمالية، وأحياناً كثيرة يعبر عن حالة مثل "الفرح – الحزن – الاحتواء". يضيف محمود لرصيف22 أن أول عمل له من هذا النوع، كان من خلال بعض الفتيات العاملات في مجال الإعلانات "Models"، خصوصاً أن عالم الملابس الداخلية يحتاج إلى صور من هذا النوع. ثم مع الوقت، وحين أظهر أمانته في العمل، من خلال عدم استخدام تلك الصور في أي شيء آخر كاستغلال الفتيات مثلاً، بدأت عارضات أخريات يطلبن منه تصويرهن عاريات. يصفهن محمود بأنهن فتيات عاديات، يحببن أجسادهن ويردن الإمساك بتلك اللحظة التي يكن فيها شابات يافعات، ليس أكثر. يقول: "معظمهن يغلب عليهن الطابع التحرري، وعكس الشائع، لا يتعاملن إلا مع من يثقن بهم، من خلال تجارب لصديقاتهن". وهو ما أدى إلى ظهور «لوبي» لهذا التصوير، يتم التعامل معه سراً، وليس من خلال أي وسائل إعلانية. وبحسب محمود، ما أن تشعر الفتيات أن هناك شعوراً غرائزياً من ناحية المصورين، يوقفن العمل فوراً.
تكلفة جلسات التصوير العاري لا تختلف عن جلسات التصوير عادية، أما أماكن التصوير، فتكون في شقق خاصة، إما تمتلكها الفتاة أو أحد أصدقائها. يشير محمود إلى أنه لا يوجد مكان مخصص لذلك النوع من التصوير، والفتيات يفضلن أماكن يعرفنها ويشعرن فيها بالأمان، ليتمكن من خلع ملابسهن.
العري بالأسود والأبيض
فان ليو
بالعودة إلى ما قبل عام 1952، كان هذا النوع من التصوير موجوداً وشائعاً، ولعل الأشهر في هذا المجال كان «فان ليو»، صاحب أشهر الأستوديوهات في القاهرة. وروى مؤخراً المصور اللبناني أكرم زعتري، أنه عثر على صور جدته عارية حين كان يعد تقريراً عن هذا الأستوديو، وكانت بالفعل من تصوير فان ليو. عاش فان ليو عاش في خمسينيات القرن الماضي في القاهرة، وكانت بدايته بتصوير عائلته صوراً عادية، حتى ذاع صيته، ثم انطلق للتصوير العاري من دون أسباب. وبحسب ما أورد زعتري في شهادته، كان ليو هو من يطلب تصوير السيدات عاريات، وكان ذلك متعارفاً عليه في تلك الحقبة. ويشير إلى أنه كان لا بد أن تجمعه علاقة شخصية بمن يريد تصويرها، ولا يطلب من أي زبونة عنده أن يصورها عارية.
ويكمل أن أول فتاة طلبت منه أن يصورها كانت تدعى الآنسة نادية. في البداية، كانت مرتدية ملابسها، ثم بدأت تتجرد منها من تلقاء نفسها، حتى باتت عارية، وكان يلتقط فان ليو صور المشهد كله، 12 صورة بالتحديد. كانت تجربة فريدة من نوعها لفان ليو، إذ كان يصورها بصمت، خلف عدسته.
يوضح زعتري أن تلك الفتاة التي كانت تبلغ في ذلك الوقت 25 عاماً كانت تعيش في منطقة «هليوبوليس» - مصر الجديدة - ولم يتعرف إليها بعد ذلك ولم يظهر لها أثر بعد التقاط تلك الصور.
اشتهرت فترة الأربعينيات بظاهرة التصوير العاري، وبرزت أسماء مثل العارضتين رضا وشاهيناز.
كانت رضا وشاهيناز طالبتين في كلية الفنون الجميلة في ذلك الوقت، واشتهرتا في الكلية حتى تخرجتا وبدأتا العمل في مجال عرض الأزياء في الخارج وانقطعت أخبارهما.
50 ظلاً للبشرة
تكمل سالي أنها كثيراً ما وقفت أمام المرآة لتلتقط لنفسها صوراً حتى قررت أن تقوم بجلسة تصوير، ودوافعها كما أوضحت، أنها تحب جسدها الذي حباها الله به، وتريد توثيق تلك اللحظات من شبابها. أما المشكلة الحقيقية فكانت تتمحور حول هوية المصور، خصوصاً أن الأمر خاص. بعد رحلة بحث، استطاعت الوصول إلى أحد المصورين من خلال صديقتها، التي خضعت لجلسة تصوير عارية قبل ستة أشهر، وتم تحديد الموعد في شقة زميلتها المغتربة، التي تعمل في القاهرة.
عن تلك اللحظات، تقول: "كان هناك قلق في البداية، العرق المصري نئح علي أني هقلع هدومي قدام راجل غريب". لكن ما ساعدها هو المصور الذي لم يبلغ من العمر الثلاثين، إذ تعامل مع الموقف على أنه عمل فقط. وبمجرد التقاط أول صورة، كانت روحها هي ما ترفرف عليها، وتقول: "شعرت براحة لا متناهية وأصبحت كاللوحة التي يقلبها الرسام كيفما يشاء". ت
ضيف سالي: "التجربة مثيرة، أشعر أحياناً أنني كنت سأخسر الكثير لو لم أقدم عليها، والصور المحفوظة على «اللاب توب» الخاص بي ومحمية برقم سري، تعطيني شعوراً بأنني جميلة، ما يعني مزيداً من الثقة في النفس والفرح في آن واحد، وكل ذلك لم يكلف أكثر من 300 جنيه (17$).
منشورات السكسي
لم يقتصر الأمر على مصر فقط، فبيروت، التي تم إعلانها في سبعينيات القرن الماضي «عاصمة الجمال»، تقبلت التصوير العاري على أغلفة المجلات.
مجلة «شقق مفروشة» أحد النماذج اللبنانية لذلك، وقد صدرت عام 1971 عن دار نشر تدعى «منشورات السكسي» عرفت نفسها بأنها دار لنشر القصص الجنسية، واعتمدت على الصور العارية. مجلات أخرى صدرت في الفترة نفسها ويمكن تصنيفها ضمن الإطار نفسه، من بينها «الصنارة»، «الليالي والجنس» ما أدى إلى رواج موديلات العري والمصورين لهذا النوع.
وبعيداً عن هذا النوع الذي اعتبر البعض أنه «ابتذال للجسد»، كان الرسام اللبناني جورج قرم يقوم برسم الموديلات العارية، وعمل في أكثر من جامعة كمدرس أكاديمي للرسم. وتاريخ قرم، الذي ولد لعائلة فنية، إذ كان والده رساماً، يشير إلى أنه كان يهتم بهذا النوع من الرسوم، وفي ظل ما يمكن أن نطلق عليه الانفتاح اللبناني، لاقى هذا الأمر رواجاً.
وعكس دول كثيرة لم يختف هذا النوع من لبنان، وإن كان لم يعد له مصورون ذائعو الصيت. يدلل على ذلك ما أثارته المتزلجة اللبنانية جاكي شمعون، التي انتشرت صور لها وهي تتعرى في جلسة تصوير علنية عام 2014، أثناء مشاركتها في دورة الألعاب الرياضية في روسيا. شمعون لم تنكر تلك الصور، بل أكدت أنها التقطتها من أجل مجلة رياضية نمساوية، وقد تعرت أمام كاميرات التصوير معربةً أن هذا الأمر بالنسبة لها وللكثير من اللبنانيات، أمر عادي. على نقيض ذلك ما حدث في سوريا، فالثورة الإيرانية وصلت إلى دمشق سريعاً في أوائل ثمانينيات القرن الماضي، وكان أول القرارات إلغاء ما يسمى الموديل العاري في كلية الفنون الجميلة. الفنان التشكيلي السوري أسعد العرابي يؤكد في حوار سابق له: "الموديل العاري لطلبة كلية الفنون كالتشريح البشري لطلاب الطب لا يمكن الاستغناء عنه، ولدينا تماثيل كثيرة لعراة، وكان أمراً متاحاً قبل الهجمة السلفية والوهابية والشيعية على مختلف الدول".
أما التصوير العاري، فيحكي عن صديق له احترف هذا النوع، وبالفعل قام بتصوير نحو 150 امرأة، لكنه لم يعرضها في أي معرض، لأن التفكير العربي السائد أن كل «موديل» يعني علاقة بين المصور والفتاة. ويكمل أن المشكلة ليست في الناس فقط، فالفنان نفسه شغوف بهذا النوع من الفن، لكنه يخشى معارضة الناس، بل يعدّه البعض من المحرمات، ما يجعل المصورين دوماً عاجزين، أو يعملون "بنصف طاقتهم".
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ يوممقال مدغدغ للانسانية التي فينا. جميل.
Ahmed Adel -
منذ 4 أياممقال رائع كالعادة
بسمه الشامي -
منذ أسبوععزيزتي
لم تكن عائلة ونيس مثاليه وكانوا يرتكبون الأخطاء ولكن يقدمون لنا طريقه لحلها في كل حلقه...
نسرين الحميدي -
منذ اسبوعينلا اعتقد ان القانون وحقوق المرأة هو الحل لحماية المرأة من التعنيف بقدر الدعم النفسي للنساء للدفاع...
مستخدم مجهول -
منذ اسبوعيناخيرا مقال مهم يمس هموم حقيقيه للإنسان العربي ، شكرا جزيلا للكاتبه.
mohamed amr -
منذ اسبوعينمقالة جميلة أوي