"لازم تبقى قريب من الناس وكل ما تحس أكتر بيهم تقدر تطلع أحاسيسهم في صورك أكتر".
كلمات وصف بها علاء أحمد، مصور صحفي في موقع مصرواي، ما بات يطلق عليه "الديلي لايف" أو تصوير الحياة اليومية، "لحظات كوداك".
والمقصود بهذا النوع من التصوير، الذي يلقى رواجاً كبيراً خلال الفترة الماضية، هو تصوير حياة الناس اليومية العادية دون أي إضافات أو تجهيز، فقط الاعتماد على اللقطة الحالية وما تمثله من قيمة سواء جمالية أو سياسية واجتماعية-أنتروبولوجية.
التصوير العاطفي
بالعودة إلى علاء، الذي شارك في أكثر من مسابقة في هذا النوع من التصوير، يقول: "الأمر ببساطة هو تصوير الناس، تفاصيلهم تحكي الكثير، وطبيعتهم هي أوجز دلالة على ما يحياه الناس، ولا يخضع الأمر هنا إلى قواعد. ثمة قاعدة أساسية في التصوير هي أن "الفن قرار شخصي"، فأنت من تتذوق الصورة وتذهب إليها وتلتقطها، سواء كانت صورة للبهجة أو للحزن، ناس فوق أتوبيس أو شاب يقفز في النيل، المهم هو رأيك الشخصي". ما يقوله علاء ليس بتلك الحرية العامة، فصحيح أن اختيار الصورة أمر شخصي لكن تصوير الحياة اليومية لم يكن بداية اليوم أو غداً، ففي التاريخ، هناك الكثير من المصورين الذين بدأوا هذا النوع، وإن كان في حينها كان يطلق عليه "مصور رحالة"، أي يسافر من بلد إلى آخر لتجسيد كيف كان يعيش الناس بطريقة عادية جداً. رينيه بوري، المصور الفرنسي الذي توفي عام 2014، هو واحد من هؤلاء الرحالة، برغم صوره الشهيرة لعدد من الشخصيات العالمية مثل "تشي غيفارا" وغيرها، إلا أنه التقط أكثر من صور الحياة اليومية لعدد من الدول. وفي مصر مثلاً، كان لبوري الكثير من الصور، التي جسدت حياة أهالي مدينة بورسعيد بعد العدوان الثلاثي على مصر عام 1956، فمثلًا رصد صورةً للأطفال وكيف تحولت الأسلحة إلى جزء من حياتهم اليومية، كأن يلعبوا فوقها مثلًا، وصور أخرى لأسلحة الدول المحاربة في شوارع وطرقات محافظتي الاسماعيلية والسويس. "الصورة هي لحظة، عندما تضغط على الزر لن تعود ثانيةً أبداً"، هي أحد أبرز كلمات بوري، الذي قرر عام 1965، إنشاء وكالة، واعتمد في تصويره على إظهار الجانب الآخر في كل دولة، فمثلاً دولة تدعي الثراء يظهر فقرها، وكان أشهر ما صوره "وجهان للصين".سيدة الكوكاكولا
هشام عادل، مصور في جريدة "فيتو"، يُلقي الضوء على زاوية أخرى لهذا النوع من التصوير، فيوضح أن "الديلي لايف" يعنى بالأساس بالناس، فهو ليس تصويراً صحفياً لمؤتمرات أو حوارات، وليس تصويراً للحروب، لكنها الحياة العادية، الناس الذين يأكلون ويشربون في الشوارع والحارات والميادين العامة، طقوسهم، الغرابة تلعب دورها أيضاً . الكثير من الأفكار يمكن أن تُغيرها صورة، يكمل عادل، فمثلاً صورة لمجموعة من جنود الشرطة وهم يضحكون ويتناولون الشاي، تبرز مدى طبيعتهم الإنسانية، فهم ليسوا أداةً للضرب فقط كما يعتقد الكثيرون، صورة أخرى لامرأة مع زوجها الطاعن في السن تبرز معنى الوفاء، وهكذا. ولفت إلى أن انتشار الـ"ديلي لايف" يعود أيضاً لطبيعة البلد، ولذلك أكثر الصور من هذا النوع توجد في دول قارة آسيا، التي فيها من المشاهد اليومية ما يكفي الكثير. وإذا كان المصور بوري نال شهرةً واسعةً بسبب تصوير "الديلي لايف"، فإن الأبرز في هذا المضمار كان المصور الإيراني ذو الأصل الفرنسي رضا، الذي زار أكثر من 100 بلد، وغطى الكثير من الحروب ورصد الحياة اليومية للشعوب في العالم. وعام 1996 زار رضا مصر، والتقط فيها عدداً من الصور، التي تجسد الحياة اليومية للمصريين، كانت أبرزها صورةً لسيدة تشرب الكوكاولا من أسفل النقاب، وتلقى تلك الصورة رواجاً كبيراً حتى الآن حين يتم نشرها.القواعد
حسام دياب، رئيس قسم التصوير في موقع مصراوي ومن قبله في المصري اليوم، وأحد من يعملون في التصوير لعقود طويلة، يقول في حديثه لرصيف22، أن فن تصوير الحياة اليومية لم يكن وليد اللحظة، هو امتداد لتصوير الرحالة في الماضي، ولكن هناك أسباب كثيرة جعلته ينتشر في تلك الأشهر الأخيرة. السوشال ميديا أحد أهم الأسباب في رأي دياب، فالناس تقبل على هذا النوع من الصور وبالتالي بدأ الكثير من المصورين الشباب في الاتجاه إليها، بجانب سبب آخر، هو قلة الأحداث في مصر، عكس السنوات الماضية التي شهدت تظاهرات كثيرة واحتجاجات، دفعت المصورين إلى تسجيل كل هذا، لكن مع قلة الأحداث فالمصورين اتجهوا للتكثيف في تصوير الحياة اليومية. سبب ثالث يضيفه حسام، هو أجهزة الهاتف الجديدة الذكية، التي مكنت الكثيرين من التقاط الصور ونشرها على مواقع التواصل الاجتماعي، وإن كان يبدو الأمر متاح لكل شخص، إلا أن دياب يوضح أن هناك قواعد لهذا التصوير، من الناحية الفنية، فإن أفضل عدسة لالتقاط صورة الديلي لايف هي النورمال، التي تطابق رؤية العين والمعروفة بـالـ50 مم. ويكمل أن هناك قواعد لهذا التصوير الذي يعتمد على تصوير الناس، أولها استئذان من تلتقط له صورة، وباستخدام عدسة مثل الـ50 مم، سيكون هناك حالةً من الإجبار، لأنها عدسة تجبرك على الاقتراب ممن تريد تصويره، وبالتالي فتح حوار معه، وفي أحيان كثيرة، يمكن أن يجلس المصور بجانب من يريد تصويره للحديث معه، مشيراً إلى أن نصيحته دوماً للشباب في تصوير الشارع اليومي هي: "حط نفسك مكان الناس ومتأذيش الناس، الشارع مليان ناس غلابة، متبرزش ضعفهم لكن إبرز الضعف اللي حواليهم". ورغم انتشار هذا النوع بين الأوساط الشبابية، إلا أن الصحف لا تهتم به، بل تكتفي فقط بصورة في صفحتها الأخيرة، تحمل جملة هي في الغالب بيت شعر ملائم للصورة لا أكثر، وهو أمر عكس ما يحدث في بعض دول الخارج التي تتعامل مع تلك الصور على انها وثيقة مهمة، ما يؤرق بعض المصورين الشباب، الذين يروا أن المؤسسية قد تعطي هذا الفن رونقاً أكثر، آملين أن تكون مسابقات نقابة الصحافيين التي تعقدها بين الحين والآخر لهذا الفرع تكون بداية. ويقول حسام دياب، إن تلك الصور ثروة حقيقية، فمن خلالها يمكن معرفة مشاكل المجتمع من مواصلات وصرف صحي وغيره، فكم صورة تم اتخاذها لبيوت متهالكة أو لأتوبيسات مزدحمة، وهو أمر يجب النظر إليه. الدكتور عاصم الدسوقي المؤرخ المصري ورئيس قسم التاريخ بجامعة عين شمس، يؤكد ما قاله دياب من أهمية هذا النوع في التوثيق، لافتاً إلى أن محتوى الصور يؤكد أين كنا. فمثلاً حين نرى صورة للمصيفين في الإسكندرية بملابس البحر نتأكد أن المصريين يتجهون للتزمت الديني، وحين نرى سيارات في شوارع القاهرة من صناعة مصر، نتأكد أن سياسات العقود الماضية كانت خاطئة،شذذ وهو أمر يتم استخدامه في التأريخ.رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
علامي وحدي -
منذ 3 ساعات??
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ 23 ساعةرائع. الله يرجعك قريبا. شوقتيني ارجع روح على صور.
مستخدم مجهول -
منذ يومحبيت اللغة.
أحضان دافئة -
منذ يومينمقال رائع فعلا وواقعي
مستخدم مجهول -
منذ 6 أياممقال جيد جدا
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعحب نفسك ولا تكره الاخر ولا تدخل في شؤونه الخاصة. سيمون