فازت المصورة المصرية هبة خميس منذ بضعة ساعات بجائزة أفضل قصة مصورة من فئة القضايا المعاصرة، ضمن أهم مسابقة للتصوير في العالم التي تنظمها سنوياً منظمة World Press Photo. أجرينا حوار مع هبة منذ أيامٍ قليلة، لنتعرف أكثر على عالمها المصوَر وعلى قصة "الجمال الممنوع" التي شاركت بها بالمسابقة العالمية، فأدخلتنا من خلال عدستها إلى هذا العالم بكل تجرد، حيث لا تدخل تجميلي للواقع وألوانه. فتاة إسكندرانية تحمل كاميرا، تطوف العالم، تلفتها وجوه البشر، تجذبها حكايات الناس والشوارع، تستمع إلى قصص فتغزلها في صور إنسانية ليراها العالم.
خبر منشور في أحد المواقع الإلكترونية يحكي عن كي أثداء الفتيات في الكاميرون لحمايتهن من الاغتصاب، قرأته المصورة الصحافية المصرية هبة خميس وقررت الذهاب للكاميرون ومقابلة مجموعة من السيدات اللاتي قررن كي أثداء بناتهن، فأنتجت للعالم قصة "الجمال الممنوع" لتكون طريقها إلى الترشح والفوز بجائرة الصورة الصحفية العالمية World Press Photo وهي أكبر مسابقة للتصوير الصحفي في العالم.
حاور رصيف22 هبة خميس (29 عامًا) حول قصتها مع الكاميرا والمغامرة، وحول قصصها الإنسانية المؤثرة.
أول كاميرا
طفولة هبة كانت في محافظة الإسكندرية بعيدًا عن صخب المدينة الذي طالما ضايقها. ترعرعت في أسرة متوسطة الحال. حب العرائس واللعب بها لم يكن هوايتها. الحياة البرية والتعرف على البشر كانا همها ومتعتها، تقول هبة "كنت بحب اللعب بالعجلة واشوف الناس في الشوارع" . وتضيف "جاء حبي للكاميرا في المرحلة الثانوية، فقررت أن أستغل مصروفي واشتري به كاميرا، وبالفعل حصلت على الكاميرا وصورت بها إحدى رحلات المدرسة. لكن الصور كانت سيئة، فتأثرت نفسيًا بسبب تعليقات الزملاء وقررت أن لا أصور بها ثانية". نمت علاقة هبة بالكاميرا منذ كانت طالبة في كلية الفنون الجميلة بالإسكندرية، فكانت تلتقط مجموعة من الصور حيث تكون، تقول"الكاميرا هي الوسيلة الوحيدة للتعامل مع الناس". أما بدايتها الحقيقة مع التصوير الصحفي فكانت مع اندلاع ثورة 25 يناير. وما تلاها من تظاهرات واحتجاجات بعد الثورة عجل بدخولها إلى الميدان، وخلال عملها في الجرائد المحلية جذبتها الحكايات الإنسانية. في ديسمبر 2011 تدربت على يد أساتذة التصوير في جريدة المصري اليوم ثم انتقلت إلى جريدة "التحرير" لمدة 4 سنوات، وكانت المصورة الصحفية الوحيدة ضمن فريق عمل الجريدة، كما تعاونت مع وسائل إعلام أجنبية مثل (أسوشيتدبرس- الوكالة الأوروبية- نيويورك تايمز- التلغراف).صور تحاكي البشر
عام 2013، قررت هبة تغيير طريقة عملها من التقاط صور الأشخاص إلى متابعة حكاياتهم. تفسر أسباب ذلك بالقول "غطيت الثورة في مصر ورأيت الناس تُقتل. لم يكن متاحاً لي غير التقاط الصورة بالزوايا والإضاءة. وكان هذا مرهقاً نفسيًا، فقررت التوجه إلى القصص الإنسانية". وتضيف "القصص الإنسانية تجعلني على صلة أقوى بالناس. فأنا أحمل الكاميرا وأذهب إلى حكاياتهم ثم التقط الصور، لأن اختراق ثقافة المجتمعات المغلقة أمر صعب والحديث عنه أصعب، وذلك يضعني دائمًا في مواجهة الخطر والتهديد". و"جميلات القرى" هي باكورة قصصها الإنسانية، وكلها عن النساء الريفيات اللواتي يشتغلن في قطاع الفلاحة وينتقلن من المناطق الريفية إلى المدن لبيع المنتجات البسيطة حتى يتمكنّ من تسديد مصاريف تدريس أبنائهن. ولأن ماهينور المصري أصدق النشطاء السياسيين وقصتها ملهمة، قررت هبة إنتاج قصة مصورة عنها. ومن منطلق أن ارتباط المصريين بالجدران حالة تمتد إلى جذور أجدادهم الفراعنة، قررت هبة أن تطوف في المحافظات لدراسة هذه الحالة وأنتجت قصة عن ثقافة الغرافيتي من أسوان إلى الإسكندرية. تقول "في الدنمارك كنت أحاول إنتاج قصص إنسانية بشكل أعمق. فأنتجت قصة عن المصابين في حرب أفغانستان من مدنيين وعسكريين". كما عملت هبة على قصص "بيع الجنس" للاجئين في ألمانيا. فأثر الحرب والوضع السياسي كانا سببًا في أن يقوم لاجئين بهذا الفعل، بسبب المال. أما الآن فهي تعمل على قصة عن المتحولين جنسيًا في مصر.التجربة الدنماركية
عام 2016، قُبلت هبة، بعدما تلقّت منحة، في معهد "دانش" الدنماركي لتعلّم فنون التصوير لمدة 6 أشهر. وتلفت إلى أن الحياة في الدنمارك كانت صعبة بسبب الدراسة والعمل معًا، إذ كانت في الصباح تتلقى الدروس، وفي المساء تذهب إلى نادي بولينج لتنظيفه كي تتمكن من تسديد فواتيرها. وكانت هبة اختارت مخيمات اللاجئين في أوغندا مشروع تخرجها، ولكنها غيّرت رأيها بعدما قرأت خبرًا عن كي أثداء فتيات الكاميرون، فبات هو موضوع مشروع التخرج. لذا أمضت شهرًا في الكاميرون، تعاونت خلاله مع جمعيات خيرية وحقوقية وصحافيين للوصول إلى أكبر عدد من الفتيات اللواتي كويت أثداؤهن. ولجأت أيضًا للبائعين والكنائس لتصوير هؤلاء الفتيات وعائلاتهن. تقول "الجمعيات الحقوقية ساعدتني في الوصول إلى حالات كثيرة نافرة، ولكن إقناع الفتيات لم يكن سهلًا على الإطلاق، وتواصلتُ مع بعض الأهالي في القرى وأقنعت فتاتين بقبول التصوير".الجائزة في الرحلة
وقد حازت القصة ثلاث جوائز، ونشرت في أربع دول. تقول هبة "الترشح لأكبر جوائز الصحافة هو تقدير معنوي كبير يضعني تحت الأضواء ويرفع من مستوى المسؤولية". وتتابع "في عملي التصويري، كنت أحاول أن أبيّن حب الأمهات لبناتهن وحرصهن على حماية فلذات أكبادهن من المجرمين". [caption id="attachment_144474" align="alignnone" width="1000"] إحدى الطرق هي تسخين الحجر على الشواية بعد الطهي وتدليك الثدي به[/caption]نظرة المجتمع
"رغم ترشحي لأكبر جوائز في التصوير الصحفي إلا أن هذا لا يشفع بإن تعليقات عن أهمية الجواز وإن لازم أتجوز واتستر لأن البنت مالهاش غير البيت في الأخر" تحكي هبة بسخرية عن تعليقات البعض عقب ترشحها بجائزة الصورة للصحفية للعالمية. وتضيف أنها في نظر البعض ليست زوجة صالحة للمنزل ولتربية الأطفال لأنها تنتقل كثيرًا وتواجه الخطر لدى تغطية الأحداث أو لدى انتاج القصص الإنسانية.الوضع العام في التصوير
توضح هبة أن وضع التصوير في مصر للفتيات والشباب هو نفسه، ووصفته أنه صعب بسبب عدم التأمين من قبل المؤسسات الصحفية، والخوض في حروب من أجل الحصول على بطاقة النقابة أو على صورة من دون مضايقات أمنية. علمًا أن عمل المصورات في مصر أسهل من عمل المصورين الشباب، والدليل، بحسب قول هبة، "أن المواطنين أيام الثورة فتحوا الأبواب لنا من دون خوف كي نصور من أسطح المنازل والشرفات". وتختم "في بداية تعلقي بالكاميرا والتصوير كنت أحلم بأن تنتهي الحروب، وأدركت لاحقًا أن هذا صعب".رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يومينكل التوفيق ومقال رائع
Ahmad Tanany -
منذ 6 أيامتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعلا يوجد اله او شئ بعد الموت
Mohammed Liswi -
منذ أسبوعأبدعت
نايف السيف الصقيل -
منذ أسبوعلا اقر ولا انكر الواقع والواقعة فكل الخيوط رمادية ومعقولة فيما يخص هذه القضية... بعيدا عن الحادثة...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ اسبوعينمقال بديع ومثير للاهتمام، جعلني أفكر في أبعاد تغير صوتنا كعرب في خضم هذه المحن. أين صوت النفس من...