يؤكد وزير الخارجية الألماني السابق يوشكا فيشر أن تركيا، تحت حكم رئيسها الحالي رجب طيب أردوغان، لم تعد مرشحاً محتملاً لعضوية الاتحاد الأوروبي، ولكنه يدعو إلى مساعدتها في أزمتها الأخيرة لأن أمن أوروبا مرتبط بأمنها.
ورأى فيشر في مقال نشره قبل أيام أن أردوغان أضاع على تركيا والعالم الإسلامي بشكل عام فرصة نادرة لتقديم نموذج إسلامي ديمقراطي ناجح.
من "نموذج ناجح" إلى "رجل مريض"
واستعاد فيتشر واقع السنوات الأولى بعد وصول أردوغان إلى رئاسة الوزراء في بلاده، وذكّر بأن تركيا شهدت حينذاك تحديثاً سريعاً ونمواً اقتصادياً قوياً، ما جعلها تقترب كثيراً من الاتحاد الأوروبي. وأضاف أنه إبان أحداث الربيع العربي، عام 2011، كانت هناك إشادة بتجربة تركيا كنموذج ناجح "للديمقراطية الإسلامية"، التي تجمع بين الانتخابات الحرة والنزيهة وبين حكم القانون واقتصاديات السوق . ولكن، بعد مرور نحو سبع سنوات على أحداث الربيع العربي، يكمل وزير الخارجية الألماني السابق، أصبحنا نعيش في عالم مختلف تماماً، استعادت فيه تركيا مجدداً لقب "رجل أوروبا المريض"، رغم أنه كان يفترض أن تتحرك قدماً نحو مستقبل مشرق خلال القرن الـ21، بسبب موقعها الإستراتيجي وإمكاناتها الاقتصادية والبشرية. وكتب فيشر: "بدلاً من ذلك تراجع البلد إلى القرن العشرين، تحت راية القومية والتوجه مجدداً نحو الشرق، وبدلاً من تبنيها سياسات التحديث الغربي، تسعى تركيا للانخراط في الأزمات الدائمة في منطقة الشرق الأوسط". واعتبر أن أردوغان "يقوم بشكل متزايد بتقسيم ولاءاته بين الشرق والغرب"، وهذا جعله يخاطر بزعزعة استقرار الشرق الأوسط بشكل أكبر، مضيفاً: "اندلعت مجدداً الصراعات العرقية الداخلية في تركيا بشكل كبير، وبشكل خاص مع الأكراد، ويبدو أنه لا يمكن حل هذه الصراعات عسكرياً، وبسبب الرئيس التركي أصبحت تركيا جزءاً من المشكلة في المنطقة بدلاً من أن تكون جزءاً من الحل" . وشهد جنوب شرق تركيا تصعيداً للعنف بعد انهيار وقف إطلاق النار بين الدولة التركية وحزب العمال الكردستاني عام 2015، كما يشنّ الجيش التركي حملة ضد وحدات حماية الشعب الكردية في سوريا، ما أسفر عن تنامي حالة العداء بين الأتراك والأكراد.بين أتاتورك وأردوغان
في مقاله، يقول فيشر إنه على عكس أردوغان فإن طموح الجنرال مصطفى كمال أتاتورك كان يتمثل في تحويل تركيا إلى دولة حديثة وعلمانية تنتمي إلى أوروبا والغرب وليس إلى الشرق الأوسط. ومن أجل هذا الهدف، حكم بشكل سلطوي وانشأ دولة هجينة تجمع بين حكم عسكري وبين ديمقراطية متعددة الأحزاب. ويكمل أنه، في عام 1952، انضمت تركيا للناتو وأصبحت واحدة من حلفاء الغرب الذين لا يمكن الاستغناء عنهم، وظلت لعقود طويلة تراهن على موقعها الإستراتيجي.وزير الخارجية الألماني السابق: استعادت تركيا مجدداً لقب "رجل أوروبا المريض"، رغم أنه كان يفترض أن تتحرك قدماً نحو مستقبل مشرق خلال القرن الـ21، بسبب موقعها الإستراتيجي وإمكاناتها الاقتصادية والبشرية
وزير الخارجية الألماني السابق: كانت لدى أردوغان الفرصة لأن يحذو حذو آتاتورك وأن يكمل مهمة دمج تركيا بالغرب ولكنه فشل في ذلكلكن تركيا، برأي فيشر، ظلت كياناً سياسياً غير مستقر بسبب تأرجحها الدائم بين الديمقراطية والحكم العسكري، وهذا ما تسبب في وقف تقدّمها نحو التحديث. ويضيف فيشر أن الانضمام إلى الاتحاد الأوروبي كان الأمل الوحيد لأنصار الديمقراطية من الأتراك، نظراً لما يقتضيه هذا المسار من دمقرطة وفصل بين السلطات وشفافية في إدارة البلاد. وفي العام 1995، انضمت تركيا إلى اتحاد جمركي مع الاتحاد الأوروبي، وعند وصول حزب العدالة والتنمية الإسلامي إلى السلطة سنة 2002، بدت البلاد وكأنها قد توجهت نحو أوروبا بالفعل، إذ عمدت حكومة أردوغان، بالشراكة مع حركة رجل الدين الإسلامي فتح الله غولن، إلى تبني إصلاحات واسعه مؤسساتية واقتصادية وقضائية بما في ذلك إلغاء عقوبة الإعدام وهو شرط مسبق ضرروري من أجل عضوية الاتحاد الأوروبي. لكن فيشر يقول إن أردوغان الذي تولى الرئاسة سنة 2014 وكان قد أشرف على التحديث السريع لتركيا هو مَن أشرف في المقابل على تراجعها السريع كذلك. وبرأيه، كانت لدى أردوغان الفرصة لأن يحذو حذو آتاتورك وأن يكمل مهمة دمج تركيا بالغرب ولكنه فشل في ذلك.
أوروبا وتركيا غير المستقرة
يلفت فيشر إلى أن تركيا تعاني حالياً من أزمة عملة، "وهي أزمة من صنع يد أردوغان"، ويمكن أن تواجه احتمال الإفلاس. وتواجه تركيا مشاكل اقتصادية حادة تنامت بعد فرض الولايات المتحدة عقوبات عليها، عقب أزمة سببها عدم إفراج أنقرة عن القس الأمريكي أندرو برونسون، المحتجز في تركيا منذ نحو عامين. في تحليله لأسباب فشل أردوغان في السنوات الأخيرة، يشير فيشر إلى احتمال أن يكون السبب ثقة الرئيس التركي الزائدة خلال فترة الازدهار الاقتصادي التي سبقت الأزمة المالية سنة 2008، كما يطرح احتمالاً آخر وهو أنه صار يشعر بالغضب من الغرب بسبب تعطل انضمام بلاده للاتحاد الأوروبي، إضافة إلى طموحاته السلطوية التي نجح أخيراً في تحقيقها بعد الانقلاب العسكري الفاشل في صيف عام 2016 . ولكن برغم كل ذلك، يشدّد فيشر على أن أهمية تركيا الاستراتيجية لأوروبا ما تزال باقية وأن آخر شيء تحتاجه أوروبا الآن هو تركيا غير مستقرة، مضيفاً أنه بغض النظر عن تعاطف المرء مع الرئيس التركي أو كراهيته له، هناك حقيقة تقول إن أمن أوروبا مرتبط بأمن تركيا التي استوعبت ملايين المهاجرين واللاجئين الهاربين من صراعات الشرق الأوسط في السنوات الأخيرة. ويرى أن تركيا، تحت حكم أردوغان، لم تعد مرشحاً محتملاً لعضوية الاتحاد الأوروبي، لكنه يطالب الدول الأوروبية بالعمل على تحقيق الاستقرار في تركيا وإنقاذ ديمقراطيتها، والتعامل معها "بصبر وبراغماتية".رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يومرائع
مستخدم مجهول -
منذ 6 أيامربما نشهد خلال السنوات القادمة بدء منافسة بين تلك المؤسسات التعليمية الاهلية للوصول الى المراتب...
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعحرفيا هذا المقال قال كل اللي في قلبي
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعبكيت كثيرا وانا اقرأ المقال وبالذات ان هذا تماما ماحصل معي واطفالي بعد الانفصال , بكيت كانه...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ اسبوعينرائع. الله يرجعك قريبا. شوقتيني ارجع روح على صور.
مستخدم مجهول -
منذ اسبوعينحبيت اللغة.