في معظم الأحيان يعيش الشخص الانطوائي "صراعاً" حقيقياً في العمل، حيث ترهقه الاجتماعات التي تدوم لساعاتٍ طويلةٍ فتستنزف طاقاته الذهنية، كما أنه يجد صعوبة في إجراء محادثاتٍ هاتفيةٍ أو حتى تناول الطعام مع زملائه في العمل، وبعد انتهاء الدوام يفضل الذهاب مباشرةً إلى المنزل عوضاً عن التسكع مع رفاقه.
سوء تقدير الشخصيات الانطوائية في العمل
عندما يتعلق الأمر بأنواع الشخصيات وصفاتها، ليس هناك أبيض أو أسود، لأننا نتمتع جميعاً بمجموعةٍ واسعةٍ من السمات والسلوكيات وفق البيئة، والمزاج، وبعض العوامل الأخرى، إلا أن معظمنا يميل إلى "الانطواء" أو "الانفتاح" والتي يتم التفريق بينهما من خلال كيفية اكتساب الطاقة ومكان توجيه اهتمامنا. ففي حين أن الأنشطة والتفاعل مع الآخرين يبعث النشاط في روح الأشخاص الانفتاحيين، فإن الانطوائيين بحاجةٍ إلى قضاء بعض الوقت مع أنفسهم بهدفة إعادة "شحن" طاقتهم، كما أنهم يميلون لأن يكونوا هادئين، مستمعين جيدين ويفضلون التفكير قبل النطق بأي كلمة.ولكن كيف يُنظر إلى الانطوائيين في مجال العمل؟
قد يكون الانطوائيون هم الأقل حظاً حين يتعلق الأمر بالعمل وبالحياة المهنية، ففي الوقت الذي يحصل فيه "الشخص المنفتح" على صفقاتٍ جيدةٍ وترقياتٍ مهمةٍ، فإن الانطوائي يمر من دون أن يلاحظه الكثيرون ويعتبر بالإجمال أن عمله "تحصيل حاصل" وبالتالي لا ينظر إلى زيادة دخله. فبالرغم من أن الشخص الانطوائي هو غالباً الموظف الذي يعمل بجهد ويفضل أن تكون أعماله هي التي تتحدث عنه، إلا أنه لسوء الحظ، تفشل العديد من أماكن العمل في التعرف على تلك الخصائص الخاصة بالانطوائيين والتي يمكن استثمارها وتقديرها، إذ نرى أن أغلب الموظفين الذين يتمتعون ب"كاريزما" معيّنة وجاذبية عالية هم الذين تتم ترقيتهم إلى مناصب قيادية. في هذا الصدد توضح "سوزان كاين"، صاحبة كتاب Quiet: The Power of Introverts in a World That Can’t Stop Talking أنه يتم اختيار "المنبسطين" بشكلٍ روتيني للمناصب القيادية في حين يتم التغاضي عن الانطوائيين رغم أنهم في الغالب يقدمون نتائج أفضل من غيرهم، مشيرةً إلى أن المشكلة تكمن في أنه لا ينظر إلى هؤلاء الأشخاص "كمواد قيادية". via GIPHY هذه النظرية قد تبدو صحيحة إلى حدّ ما، فإذا نظرنا من حولنا لوجدنا أن معظم المديرين وأصحاب العمل هم من فئة المنبسطين والذين يقومون بدورهم بتوظيف أشخاص مثلهم يشاركونهم السمات الشخصية ذاتها، بمعزل عن المؤهلات والإنجازات العلمية، وهو أمر أكدته "لورين ريفييرا"، في بحثها، إذ كشفت فيه أن معظم المسؤولين عن التوظيف والترقية يحددون معيار الجدارة وفق صورتهم الشخصية، أي أنهم يعتبرون أن أكثر المرشحين المحظوظين للوظيفة هم الذين يشبهونهم ويتشاركون معهم الصفات الشخصية ذاتها.يقال دائماً إننا بحاجة إلى مزيد من التنوع الذي نعني به العرق والدين والجنس، ولكن لا يوجد مكان على الإطلاق لتنوع الأفكار التي يمكن أن يخرج بها الأشخاص الانطوائيون"، خاصة أن مكان العمل الحديث يلبي رغبات الشخص المنفتح.
يمرّ الانطوائي من دون أن يلاحظه الكثيرون ويعتبر بالإجمال أن عمله "تحصيل حاصل" وبالتالي لا ينظر إلى زيادة دخله.
غياب التنوع
بحسب دراسة استقصائية كشفتها صحيفة "وول ستريت جورنال" فإن نصف السكان الأميركيين ينتمون إلى فئة الانطوائيين، وما يثير الإعجاب أنه بمجرد أن نخطو الخطوة الأولى في السلم الوظيفي نحو دور المدير فإن نسبة المنفتحين تقفز إلى 88%، أي مع التقدم في حياتهم المهنية وتسلق سلم الشركات، فإن نسبة المديرين "المنفتحين" تزداد بشكلٍ كبيرٍ، في حين أن الانطوائيين لا يشكلون سوى نسبة 2% من كبار المديرين التنفيذيين. من هنا يعتبر موقع observer أننا أصبحنا أمام مشكلةٍ حقيقيةٍ في أمكنة العمل الحديثة: "يقال دائماً إننا بحاجة إلى مزيد من التنوع الذي نعني به العرق والدين والجنس، ولكن لا يوجد مكان على الإطلاق لتنوع الأفكار التي يمكن أن يخرج بها الأشخاص الانطوائيون"، خاصة أن مكان العمل الحديث يلبي رغبات الشخص المنفتح: مكاتب مفتوحة تسهل عملية التواصل وهو الأمر الذي يسلب فرصة التنعم بالهدوء الذي يطلبه الشخص الانطوائي بغية زيادة إنتاجية عمله. via GIPHYسرّ الإبداع والتألق في العمل
بالرغم من أن بعض الصفات التي تلاحق الانطوائيين قد تبدو صحيحة مثل صعوبة التواصل والعمل ضمن فريقٍ واحدٍ إلا أن هذا لا يعني أن هؤلاء الأشخاص ليس لديهم فرصة لكي يلمعوا في العمل. في الواقع إن مارك زوكربيرغ، إيلون ماسك، جيف بيزوس، بيل غايتس، وغيرهم من "الانطوائيين" تمكنوا من مطاردة أحلامهم والنجاح في تحقيق ثرواتٍ طائلةٍ، وبالتالي أن يكون الشخص انطوائياً في ميدان العمل لا يعني على الإطلاق أنه يجب أن يحكم عليه بالفشل أو بالتقليل من قيمته. إذا كنتم من الانطوائيين حاولوا أن تعملوا على فكرة الاستفادة من نقاط قوتكم بدلاً من محاولة إصلاح ما قد يعتبره البعض "نقاط ضعف"، وذلك من خلال اتباع الخطوات التالية التي تحدثت عنها الخبيرة في موقع Monster "فيكي سالمي":اختيار الدور الصحيح: لا يوجد وظيفة مخصصة بشكلٍ أفضل للانطوائيين، فبالعض قد يستمتع في المهمات التي تتطلب منطقاً تحليلياً مثل المحاسبة، في حين أن البعض الآخر ينجذب أكثر نحو المجال الإبداعي مثل الكتابة، وبالتالي بغض النظر عن الوظيفة التي تختارونها من المهم التأكد أن دوركم يوظف أفضل مهاراتكم. من هنا تشير "فيكي" إلى أنه يجب على الأشخاص تحديد نقاط قوتهم وضعفهم ومن ثم مقارنتها بالمسؤوليات والتأكد من تطابقها، أما في حال لم يكن الأمر كذلك فيجب التحدث مع المدير لتعديل الدور ليكون مناسباً بشكل أفضل.
الاستفادة من نقاط القوة في الاجتماعات: يفضل الكثير من الانطوائيين التواصل كتابياً عوضاً عن التحدث اللفظي، لأن كتابة رسالة إلكترونية مثلاً تعطيهم الوقت الكافي للتفكير في الأمور التي يريدون قولها، في حين أن الجلوس في قاعة الاجتماعات وسط الأشخاص "المنفتحين" الذين يفكرون بصوتٍ عالٍ، قد يحول عرض الأفكار إلى تحدّ حقيقي، من هنا من الضروري اللعب على نقاط القوة، ومن بينها القدرة على الإنصات جيداً إلى الآخرين. توضح "سالمي" أن هناك العديد من الأشخاص الذين يحبون بببساطة سماع أنفسهم وهم يتحدثون، إلا أنهم لا يأتون بأي قيمة مضافة للمحادثة، ولكن كشخص انطوائي يمكن الإنصات، وتدوين الملاحظات وحل المشاكل في الرأس ومن خلال العمل بشكل مستقل يمكن العودة إلى صاحب العمل وتقديم حلول مدروسة.
جدولة الوقت: حتى وإن كانت لديكم مساحة عمل خاصة بكم، فقد يصعب التركيز في ظل المكاتب المفتوحة وقيام الأشخاص بتجاذب أطراف الحديث معكم، من هنا من الضروري إيجاد الوقت الكافي لإنهاء المهمات المطلوبة أو الإنسحاب إلى مكانٍ هادىء بحيث يصبح من الممكن التركيز أكثر.
تطوير العلاقات مع الزملاء: من المهم تطوير العلاقات مع زملاء العمل، لأن هؤلاء سيكونون بمثابة "الحلفاء" المستعدين لسماع ما تقولونه ودعمكم في قاعات الاجتماعات.
الخروج من الـcomfort zone: يميل الشخص الانطوائي إلى تجنب أن يكون مصدر الاهتمام، فيمتنع عن الكلام في الأماكن العامة، ولكن التقدم في الحياة المهنية، تفرض عليه التحدث بشكل واضح حتى وإن كان هذا الأمر يخيفه ويربكه، واللافت أنه من خلال الممارسة يمكن التغلب على الشعور بالإحراج. وفي الختام تقول سالمي إنه يتعيّن على الشخص الانطوائي أن يتفاخر بانجازاته والترويج لنفسه، خاصة في ظل بيئةٍ تنافسيةٍ: "عليك أن تكون مسموعاً في العمل وتدافع عن نفسك، إذ لا يمكنك أن تفترض أن يكون رئيسك على دراية بكل شيء تقوم به".
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يوممتى سوف تحصل النساء في إيران على حقوقهم ؟!
مستخدم مجهول -
منذ يومينفاشيه دينيه التقدم عندهم هو التمسك بالتخلف
مستخدم مجهول -
منذ يومينعظيم
Tester WhiteBeard -
منذ يومينtester.whitebeard@gmail.com
مستخدم مجهول -
منذ يومينعبث عبث
مقال عبث من صحفي المفروض في جريدة او موقع المفروض محايد يعني مش مكان لعرض الآراء...
مستخدم مجهول -
منذ 6 أيامرائع