لطالما شكلت الكوميديا ركناً أساسياً في صناعة تاريخ السينما المصرية، لذا تتغير خريطتها باستمرار بمواهب وأشكال جديدة من أجل إقناع الشعب "ابن النكتة"، وهو ما يتقارع من أجله فنانون كثر.
ورغم سيطرة الزعيم عادل إمام على فترة الثمانينيات والتسعينيات، كنجم شعبي لا يشق له غبار، إلا أنه منذ بداية الألفية الثالثة لم يسيطر فنان واحد على شباك التذاكر فترة طويلة، وهو ما صاحبه صعود نجم البعض وأفول آخرين كانوا ملء السمع والبصر قبل سنوات.
هنا نرصد الخريطة الجديدة للكوميديا التي تخلو من زعيمها الذي خفت نجمه كثيراً في السنوات الأخيرة، وقرر أن يختم مسيرته في الدراما، ويغيب عنها أيضاً الضاحك محمد هنيدي الذي ما زال يبحث عن طريقه للعودة إلى الصدارة من حين لآخر، مثله مثل أحمد حلمي الذي توارى عن الأنظار ويتحين الفرصة. وفي الطريق سقط منا كثر لم يعد يعوّل الجمهور عليهم مثل محمد سعد وهاني رمزي وأحمد آدم.
شيكو وماجد وفهمي: ثلاثي غيّر المعادلة
بينما كانت الساحة الكوميدية غارقة في متابعة أرقام "عسل أسود" لأحمد حلمي، ونيولوك عادل إمام في "زهايمر" خلال صيف 2010، أعاد الثلاثي شيكو وهشام ماجد وأحمد فهمي ذاكرة السينما لثلاثي أضواء المسرح وذلك من خلال فيلم "سمير وشهير وبهير" الذي ناقشوا فيه فترة السبعينيات بشكل ساخر. لم يكن هذا التجمع للثلاثي جديد، إذ بدأوا أولى تجارب الأفلام المستقلة من خلال فيلم "رجال لا تعرف المستحيل" إنتاج 2001، ليصنعوا شكلاً مختلفاً قائماً على أفكار فانتازية ساخرة كما حدث في" سمير وشهير وبهير"، و"الحرب العالمية الثالثة"، و"بنات العم". الثلاثي انشق في العامين الماضيين إلى فريق يضم شيكو وماجد وآخر بطله أحمد فهمي الذي تعاون مع أكرم حسني في "ريح المدام"، لكن تجربة الثلاثي سرقت الأضواء من نجوم قدامى مثل هنيدي وحلمي ومحمد سعد الذين فشلوا في الحفاظ على مكانتهم التي اكتسبوها عند الجمهور المصري. يؤمن هشام ماجد بأن الأفكار الغريبة تصنع حبكة درامية مختلفة عن الأفلام القائمة على الأفيهات الخام، وهو ما ساهم في نجاح أفلام مثل الحرب العالمية الثالثة، ومؤخراً "قلب أمه" الذي تدور أحداثه عن نقل قلب أم لمجرم عصابة. ورغم تصنيفه كممثل كوميدي، يتطلع ماجد لإحداث نقلة بالعمل في مساحة أخرى. يقول: "نجم الكوميديا عمره قصير، لذا يجب أن يغير ويقدم أدواراً بجانب الكوميديا حتى يستمر، وهو ما حدث مع الزعيم عادل إمام بعد أن لعب أدواراً سياسية واجتماعية في سينما الثمانينات".مسرح مصر: أبناء أشرف عبد الباقي
لم يجد أشرف عبد الباقي وسيلة لتعويض قلة إنتاجه الفني في السنوات الأخيرة إلا بتأسيس فريق "مسرح مصر" في 2014، الذي أعاده إلى الحياة ومنح الشباب فرصة العمر. من قلب مسرح الاسكتشات خرج مصطفى خاطر وعلي ربيع وأس أس ومحمد سلام ليحتلوا الأدوار الثانوية في بعض الأفلام والأعمال الدرامية خلال العامين الماضيين. يعد ربيع الأكثر انتشاراً إذ شارك في "لهفة" و"أستاذ ورئيس قسم" و"مولانا العاشق"، و "كابتن مصر"، حتى أقنع المنتجين بقدرته على البطولة في مسلسل "سك على أخواتك". أما خاطر وسلام فقادا البطولة بصحبة بيومي فؤاد في "ربع رومي" الذي عرض في رمضان الماضي.جيل السوشيال ميديا
برأي الناقد الفني طارق الشناوي، فإن السينما المصرية تفرز المواهب الكوميدية بلا توقف، لكن السوشيال ميديا هي من تطرح الآن ملامح الفن ونجومه.السينما المصرية تفرز المواهب الكوميدية بلا توقف، لكن السوشيال ميديا هي من تطرح الآن ملامح الفن ونجومه.
من المرجح أن تتغير هذه الخريطة على وجه من السرعة كما تشكلت على عجل، كون نجومها ليسوا قادرين على تثبيت صورتهم في ذهن الجمهور، لاعتمادهم على الإفيهات فقط.وقيّم الشناوي النماذج الصاعدة في السنوات الأخيرة، إذ اعتبر أن مصطفى خاطر، أحد أشهر نجوم مسرح مصر، مؤهل ليكون الكوميديان رقم واحد، لكن عليه اختيار أنواع أخرى من الدراما. كما يتوقع أن ينطلق شيكو منفرداً بعيداً عن هشام ماجد، لأنه يمتلك كاريزما تمنحه الأفضلية على غرار النجم الراحل علاء ولي الدين.
أحمد أمين: من البلاتوه إلى الوصية
اعتبر الكوميديان الشاب أحمد أمين أن تغيير خريطة الكوميديا ضرورة، فطالما أن هناك أجيال تتوالى ستفرز خرائط جديدة مع الحفاظ على الطابع الكلاسيكي. قدم أمين عمله الدرامي الأول في رمضان الماضي من خلال مسلسل "الوصية" الذي شاركغي بطولته أكرم حسني، وكلاهما قادمان من برامج ساخرة تعتمد على الأفيهات في جذب الشباب. بالنسبة لأمين، فالمواهب الشابة التي ظهرت مؤخراً تتفرد بأسلوب مميز عن غيرها وتمتلك فرصاً للنجاح. لكن صاحب "البلاتوه" يختلف مع تعبير إزاحتهم الأجيال الجديدة، يقول لرصيف22: "هناك نجوم لهم مكانة وإبداعهم مستمر ولديهم رصيد حقيقي مكون من تاريخ وأعمال" ويدلل أمين على ذلك بحالات قديمة فعادل إمام لم يستطع إزاحة فؤاد المهندس، ولم يفعلها أحمد حلمي مع عادل إمام. ويدافع أمين، في حديث مع "رصيف22"، عن الإفراط في استخدام الإفيهات، ويقول: "ربما ينجرف الكثير وراء الإضحاك باستخدام الإفيهات اللفظية لأنها مضمونة وتعطي الكوميديان حالة من الاطمئنان من أن جمهوره سوف ينهي مشاهدة العمل، وقد حصل على ضحكة أو شيء مرضٍ، ولكن البقاء للحكي المحكم والسيناريو المتماسك وهو ليس اكتشافي، ولكن هذا ما يثبته التاريخ بخصوص ما يبقى من أعمال، ونظل هناك قيمة لعرضه وما ينتهي بعد طرحه على الجمهور بوقت قصير". يصنف أمين بأنه أحد أبناء الكوميديا الخضراء أو ما يسمى evergreen comedy، فهو يحب الأداء التمثيلي الذي ينشأ من منتهى الجدية والصدق لا من الهزل أو الاضحاك المفتعل. أزمة الكوميديا تشغل بال أمين، فهو يحاول البحث عن الأفضل من خلال تأسيس شركة لإنتاج محتوى كوميدي مختلف وتقديم أعمال تحظى باحترام الجمهور في السنوات المقبلة.أحمد مكي: الرابر الحائر
يعد مطرب الراب أحمد مكي أحد الوجوه التي فرضت نفسها على الساحة الكوميدية في العقد الأخير، فمنذ فيلمه الأول "إتش دبور"، إنتاج 2008، يسعى صاحب سلسلة "الكبير أوي" لاقتحام مساحات معرفية لم يسبقه أحد إليها. لكن مكي لم ينجُ من فخ التكرار الذي أطاح محمد سعد. فمنذ فيلمه " لا تراجع ولا استسلام" لم يجد السيناريو والشخصية الجديدة التي اشتهر بتقديمها في حلقات "الكبير أوي" أو "طير أنت". وابتعد مكي عن السينما في السنوات الخمس الأخيرة بعد تفرغه لسلسلة "الكبير أوي" و "خلصانة بشياكة" إنتاج 2017، وهو ما خطف جزءاً من شعبيته في الفترة الأخيرة. وعلق الشناوي على ابتعاد أحمد مكي عن المنافسة رغم تصدره شباك التذاكر في فترات ماضية: "مكي لم يستوعب أخطاءه التلفزيونية في الدراما بعد توقف سلسلة الكبير أوي، فهو لم يقدم شيئاً خالداً في السينما، وضل طريقه إلى نوع الكوميديا الذي يريده".محمد جمعة: عودة الكوميديا السوداء
بين صعود جيل وأفول آخر، تشهد الخريطة تقديم أنواع جديدة من الكوميديا، مثل الشخصية الكئيبة "عم ضياء" التي قدمها الفنان الصاعد محمد جمعة في مسلسل "الوصية" خلال الموسم الرمضاني الأخير. يقول جمعة عن الكوميديا السوداء التي حازت إعجاب قطاعات كبيرة وصارت متداولة في السوشيال ميديا بعبارة "كله رايح"، إنه يشعر بالسعادة لرؤيته تقبل الناس شكلاً جديداً من الكوميديا، لأن الجمهور يريد نوعاً آخر بدلاً من الأفيهات المستهلكة. يفضل جمعة الكوميديا الأمريكية التي تعتمد على المواقف، فهي لا تموت مع الزمن بعكس الإفيهات التي تفقد متعتها وقيمتها مع تكرارها. يستشهد بفيلم "إشاعة حب" (إنتاج 1960) الذي ما زال حاضراً في ذاكرة السينما والجمهور لأنه يعتمد على شخصيات مختلفة مكتوبة بعناية وأنماط حياتية أكثر من اعتماده على الإفيهات. ورغم نجاحه الكبير في شخصية ضياء السوداوي، يرفض جمعة اعتماده نمطاً جديداً في السينما، خشية من إحساس الجمهور بالفتور من هذه التجارب. "نتمنى من المنتجين أن يبحثوا عن أفكار وكتابات جيدة قبل اختيار الممثلين، نعاني من التكرار، فمن نجح في دور يسعى لتكراره، وهذا ما يعرض صاحبه للإفلاس والنفور الجماهيري منه"، يوضح جمعة لرصيف22. يؤمن جمعة بأن الخريطة السينمائية تتغير من حين لآخر لأن التغيير سنة الحياة. لا يرى "عم ضياء" أن السينما المصرية تعاني من ندرة كتّاب، يقول إن مصر تمتلك كتاباً جيدين في الكوميديا، لكن هنالك أزمة في صناعة الكوميديا وآلياتها، فالمنتجون لا يصبرون على المؤلفين كي ينافسوا في المواسم، وهو ما تسبب في إنتاج أعمال"مسلوقة".لماذا ابتعد هنيدي وسعد وحلمي؟
وتطرق الشناوي إلى الحديث عن مستقبل النجوم القدامى الذي كانوا ملء السمع والبصر مع بداية الألفية الثالثة، فأحمد حلمي الذي نافس الزعيم عادل إمام على شباك التذاكر بـ"مطب صناعي" يرى الشناوي أنه يجيد اختيار الأدوار ويحترف إحراز الأهداف المباغتة، لذا لم ينطفئ نجمه حتى الآن. أما محمد هنيدي ومحمد سعد وأحمد آدم فهم بالنسبة للشناوي حرقوا أنفسهم بسبب السيناريوهات الضعيفة التي ارتضوا بها، مشيراً إلى أن نجاح هنيدي من الحين للآخر لا يعدو كونه قبلة حياة مؤقتة. لكن الناقد الفني خالد محمود يتوقع أن تتغير هذه الخريطة على وجه من السرعة كما تشكلت على عجل، كون نجومها ليسوا قادرين على تثبيت صورتهم في ذهن الجمهور، لاعتمادهم على الإفيهات فقط. "هم جيل بلا مواهب قادرة على صنع جماهيرية خاصة، أما الجيل القديم فقد عمل في المسرح ولديه كاريزما قيادة عمل شخصي"، يقول محمود. يتفق الممثل الشاب أحمد أمين مع خالد محمود في كونهما لا يملكان شعبية جماهيرية، ويشير محمود إلى أن جمهور السوشيال ميديا أثر على الجمهور في المشاهدة، فأوحى للبعض أن الفريق القديم الذي يتصدره محمد هنيدي ومحمد سعد وأحمد حلمي انسحب وتراجع أمام الجدد. أمر آخر ساهم في تعزيز حضور النجوم الحاليين، فالمنتجون يبحثون عن التريند مثل الجمهور، عدا أن أصحاب دور العرض يتحكمون في المعروض، وهذا ما يشكل جزءاً سلبياً على السينما، يضيف محمود. وحدد محمود شروط عودة حلمي وهنيدي لتصدر شبابيك التذاكر بتقديمهما أفكاراً طازجة وشخصيات جديدة، فالانسحاب ليس في مصلحة الجمهور والسينما. ويقارن بين نوعية الكوميديا التي قدمها شيكو ورفاقه عن نجوم جيل 2000، فالأولى لا تخجل اجتماعياً وإفيهات عصرية لا تدوم، أما هنيدي على سبيل المثال فتعرض لحكايات عميقة ذات مضمون اجتماعي وسياسي وكوميدي، فالمقارنة لا تصب في مصلحتهم لغياب الفكرة الاجتماعية عن مدرستهم وكذلك الموهبة الراسخة.رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يومينكل التوفيق ومقال رائع
Ahmad Tanany -
منذ 6 أيامتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعلا يوجد اله او شئ بعد الموت
Mohammed Liswi -
منذ أسبوعأبدعت
نايف السيف الصقيل -
منذ أسبوعلا اقر ولا انكر الواقع والواقعة فكل الخيوط رمادية ومعقولة فيما يخص هذه القضية... بعيدا عن الحادثة...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ اسبوعينمقال بديع ومثير للاهتمام، جعلني أفكر في أبعاد تغير صوتنا كعرب في خضم هذه المحن. أين صوت النفس من...