باستثناء تجارب قليلة جداً لا يسمح مناخ سوق السينما العربية بظهور الأفلام والمسلسلات التي تعبر عن السياسات الداخلية للعالم العربي بشكل مباشر، وإنما على شكل كوميدي ساخر يُسمى بـ(الفانتازيا)، إذ نرى الكثير من الأعمال الدرامية العربية التي تعبر عن السياسة المتمثلة بحق النضال الوطني وطرد الاستعمار الخارجي مثل (مسلسل باب الحارة وليالي الصالحية ورأفت الهجان) وغيرها من المسلسلات التي تأخذ طابعاً ثورياً.
&feature=youtu.be&t=116
ولكن عندما تتعلق الأعمال الدرامية بالسياسة الداخلية ونقد الحزب العربي الحاكم، والحقوق الدستورية للمواطن العربي وكذلك الوحدة بين العرب، نجدها نُفذت بشكل كوميدي ساخر.
كان المشوار الأول لهذه الأعمال للفنان السوري دريد لحام من خلال مسرحية (كاسك يا وطن 1979) وعدة أعمال درامية أخرى، وهو يُعد فيلسوف السياسة الكوميدية، وتعتبر هذه المسرحية من أشهر المسرحيات الكوميدية العربية الناقدة والهادفة وقد حققت نجاحاً كبيراً في جميع أرجاء العالم العربي.
وتبعه الفنان المصري (عادل إمام) ابتداء من منتصف التسعينات، من خلال فيلم (الواد محروس بتاع الوزير)، وتدور أحداثه حول محروس، الفلاح البسيط الذي يستغله أحد الوزراء ليعمل لديه، لكن بدلاً من مساعدة الوزير يتسبب في العديد من المشكلات له، ويستغل قربه منه في الحصول على مزايا تجعله يدخل مجلس الشعب.
ويعد عادل إمام ملك الكوميديا السياسية في فترة التسعينات، فكانت له عدة أعمال بعد ذلك، منها (مسرحية الزعيم) التي مثل فيها مع الفنان المرحوم أحمد راتب ويوسف داوود، ومصطفى متولي، ورجاء الجداوي، والذي انتقد من خلالها سياسة الحكام ونفاقهم السياسي.
&feature=youtu.be&t=15
وقد لجأ بعض الفنانين إلى الدعوة للوحدة العربية عبر الكوميديا أيضاً، مثل فيلم (السفارة في العمارة) لعادل إمام، وفيلم (عندليب الدقي) للفنان المصري محمد هنيدي، وقد انتقدا الشعوب العربية من خلال هذه الأعمال بشكل ساخر، وتدور أحداث هذين الفيلمين عن التطبيع مع الاحتلال الإسرائيلي، وقد أوضح عادل إمام السبب من خلال فيلمه بأن التطبيع يأتي من خلال وقيعة أو فضيحة يتم تهديد الحاكم العربي به، مثلما حصل معه شخصياً عندما تم توريطه مع زوجة أحد الإسرائيليين، وخيّروه إما الفضيحة أو القبول بالسكن والعيش بجانب السفارة الإسرائيلية، بينما يطالب الفيلم الآخر بالوحدة العربية.
ثم ظهر الفنان المصري هاني رمزي بفيلم كوميدي باسم (عايز حقي) ونال صدىً جماهيرياً واسعاً، ودار موضوعه حول العلاقة بين السلطة والشعب.
&feature=youtu.be&t=293
ويختلف هاني رمزي في فيلمه (عايز حقي) عن جميع الأفلام السياسية التي مُثلت بشكل كوميدي، فإذا كانت تلك الأفلام ركزت على ملفات الفساد والنفاق السياسي والاجتماعي لدى الحكومات العربية، فإنه بهذا الفيلم يقدم تنويعة جديدة على وتر السلطة ويناقش أزمة البطالة وسياسة الخصخصة، حيث يطالب المواطن بنصيبه من أملاك الدولة ويقيم مزاداً علنياً لبيعها.
&feature=youtu.be&t=2911
وهنا يبرز عدد من الأسئلة: لماذا يتم تقديم الوحدة العربية والحقوق الدستورية للمواطن العربية من خلال أفلام كوميدية، ولا يتم تقديمها بشكل مباشر؟ ولماذا تجنح السياسة خلف قناع الضحك؟ بل لماذا اختفت هذه الأفلام بشكل عام في الفترة الأخيرة؟
آراء ومشاهد
قال المخرج السوري مؤمن الملا لـ"رصيف22": "إننا كمخرجين يجب أن نعبر عن الأوضاع التي يعيشها عالمنا العربي، إذ من الواجب توسيع الحقوق الديمقراطية والحريات حتى نستطيع طرح الكثير من المشكلات التي تعترض حياتنا على الصعيد السياسي والاقتصادي والفكري، ولكن أصحاب القرار في الدولة يقفون دائماً عقبة أمام تنفيذ أي مشروع فني يطرح هذه القضايا التي تُعاني منها شعوبنا العربية بشكل عام". ومن الواضح هنا أن المخرج الملا بيّن أن الأفلام السياسية التي تنتقد الحكومات العربية بشكل مباشر تتعرض للقمع، وهذا ما يمنع البعض من اللجوء إلى السياسة بشكل كوميدي وليس بشكل مباشر. ولكن المخرج المصري عصام شعبان كان له رأي معاكس تماماُ لما تفضل به الملا، فهو ينفي وجود عقبات حكومية تمنع مثل هذه الأفلام. &feature=youtu.be&t=69 وأضاف عصام شعبان أن امتناعهم كمخرجين عرب عن تقديم مثل هذه الأعمال الفنية ليس له علاقة لا بالرفض الحكومي ولا بالعقوبات التي قد تمارسها الحكومات عليهم والتي هي غير موجودة أصلاً حسب وجهة نظره، بل إن الأمر يتعلق بالاتجاه العام للمشاهدين. كما أن لجوء المخرج العربي لأعمال سياسية ووقوفه مع طرف وانتقاده لطرف آخر، سيسجل على نفسه نقطة تدل على أنه محسوب على فلان ومعارض لفلان، فيجلب له الكثير من الكراهية من قبل المعارضين لأفكاره من الجمهور، الذي اكتسب حبهم له بعد سنوات طويلة وأعمال شاقة. وأيد المخرج السينمائي السوري إبراهيم رضوان حديث الملا قائلاً: "إن الأنظمة العربية تعتبر هذا النوع من الكوميديا عبارة عن مخدر وتنفيس للشعوب، فهو مسموح بجرعات معينة وموجهة، فهي تحمل في طياتها رسائل ترسلها الأنظمة العربية للخارج والداخل"، مشيراً إلى أن هناك محاولات عربية كثيرة لنقل الواقع العربي واصطدمت بالرقابة التي تمثل الأنظمة العربية كفيلم (البريء) للفنان المصري أحمد زكي ومحمود عبد العزيز والمخرج عاطف الطيب، والذي استطاع بعد حين أن يخرج للنور ونرى هذه التحفة الفنية. هذا الواقع دعا الكثير من المخرجين والكتاب العرب للاتجاه الى الكوميديا السوداء التي اشتهر بها الماغوط ودريد لحام ونهاد قلعي في سوريا ومحمد صبحي في مصر، وعادل امام لاحقاً، إلا أن معظم الأفلام الكوميدية حالياً تمثل تطبيلاُ للنظام الحاكم رغماُ عنها. ويتضمن فيلم (البريء) أكثر من فكرة، فهو يتحدث عن الحرية بمعناها الشامل عن طريق إظهار لمحات من الفساد السياسي في مصر بعد سياسة الانفتاح، وبالتحديد خلال انتفاضة 17 و18 يناير 1977.رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يومينكل التوفيق ومقال رائع
Ahmad Tanany -
منذ 6 أيامتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعلا يوجد اله او شئ بعد الموت
Mohammed Liswi -
منذ أسبوعأبدعت
نايف السيف الصقيل -
منذ أسبوعلا اقر ولا انكر الواقع والواقعة فكل الخيوط رمادية ومعقولة فيما يخص هذه القضية... بعيدا عن الحادثة...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ اسبوعينمقال بديع ومثير للاهتمام، جعلني أفكر في أبعاد تغير صوتنا كعرب في خضم هذه المحن. أين صوت النفس من...