ما أن بدأت مشاركة العميد طارق يحيى محمد صالح (طارق عفاش) في معركة الساحل الغربي في اليمن ضد الحوثيين حتى بدأت وسائل الإعلام الإخوانية اليمنية بمهاجمته، قبل وسائل إعلام الحوثيين، العدو الأول لطارق صالح حالياً.
أثار هذا الهجوم الاستغراب وطرح تساؤلات كثيرة. فالمفترض أن طارق صالح والتجمع االيمني للإصلاح (الإخوان) يجمعهم أمر مشترك وهو محاربة الحوثيين.
ولكن لوحة تغيّر الولاءات متشعبه في اليمن. فقد كان الحوثيون حلفاء "الإصلاحيين" في مرحلة الاحتجاجات ضد الرئيس اليمني السابق علي عبد الله، عم العميد طارق، عام 2011. ولكن في ما بعد تغيّر المشهد وصار طارق صالح حليفاً للحوثيين في حربهم ضد التحالف العربي الذي تقوده السعودية في اليمن وضد "الإصلاحيين".
وبرأي الكاتب والمحلل السياسي عبد الله إسماعيل، هناك تيار كبير في حزب الإصلاح "تحدد مواقفه الأحقاد والتجاذبات السياسية التي حدثت عام 2011"، وبالتالي فإن نظرته إلى بقية الأحزاب والمكوّنات السياسية ومنها طارق صالح فيها الكثير من الشكوك.
وقال لرصيف22 إن هذا التيار "واضح المعالم وشرس في مهاجمة الآخرين وتقييم مواقفهم وفقاً لرؤيته السياسية وهذا سيستمر بالتأكيد".
وأضاف أن هؤلاء "الإصلاحيين" يحاولون تسجيل مواقف "ليس في صالح المعركة الهامة لليمنيين ضد الانقلاب الحوثي"، و"أمام فشلهم في أغلب جبهاتهم القتالية لن يكونوا راضين تماماً عن نجاح طارق صالح أو غيره من قوات المقاومة".
ولذلك، يتابع، سيضعون عراقيل أمام العميد صالح وقواته للتشكيك فيها ومحاولة تفكيكها و"من المتوقع أن تكون هناك أفعال أكثر من ذلك لأن هذا التيار تيار إيديولوجي يحمل حقداً مؤدلجاً ومن المتوقع منه أي شيء".
مسيرة متشعبة لصالح
شغل العميد الركن طارق يحيى محمد صالح (موليد 1970)، نجل شقيق الرئيس السابق، منصب قائد الحرس الخاص لعمّه قبل أن يعيّنه الرئيس عبد ربّه منصور هادي مع إعادة هيكلة الجيش قائداً للواء 27 ميكا في حضرموت، شرق اليمن. رفض طارق صالح تنفيذ هذا القرار، ورفض تسليم اللواء الثالث مدرع حرس جمهوري، قبل أن يتدخل المبعوث الأممي حينذاك جمال بن عمر ويلوّح بالعقوبات الأممية في حال وجود أي تمرّد على هادي. ولكن طارق صالح لم يلبث طويلاً في منصبه الجديد قبل أن يقيله هادي من اللواء 27 ميكا، عام 2012. بعد ذلك، اختفى عن الأنظار قبل أن يعود إلى الواجهة مجدداً مع تدخل التحالف العربي في اليمن بقيادة السعودية لدعم شرعية الرئيس هادي الذي هرب من صنعاء مطلع عام 2015 إلى عدن. أنشأ العميد طارق، مطلع عام 2016، معسكر الملصي، نسبة إلى الضابط في الحرس الجمهوري حسن الملصي الذي قُتل في معارك ضد الجيش السعودي على الحدود، وتحديداً في نجران. ومع بداية إنشاء المعسكر، بدأ جنود وضباط الحرس الجمهوري بالتوافد على المعسكر الذي كان موقعه بالقرب من مسقط رأس مؤسسه، جنوب العاصمة صنعاء. وأبدى الحوثيون تخوفهم من هذا المعسكر، وتحدثوا كثيراً عن أنه يستهدفهم شخصياً وليس لمواجهة "العدوان السعودي" ضد اليمن وعن أن خريجي المعسكر الذين تلقّوا تدريبات عالية على القنص لم يذهبوا إلى الجبهات الحدودية. وفي محاولة من الرئيس علي عبد الله صالح لتهدئة الأزمة مع الحوثيين، قام بزيارة المعسكر برفقة رئيس المجلس السياسي للحوثيين صالح الصماد، وبوجود طارق صالح الذي قال إنه سيرسل الدفعة القادمة من خريجي المعسكر إلى جبهات القتال. ولكن هذا لم يكفِ لطمأنة الحوثيين الذين صعّدوا ضد العميد طارق وهاجموا منزله ومنزل إخوانه ومنزل الرئيس صالح في الـ27 من نوفمبر 2017، ليعلن الأخير في الثاني من ديسمبر 2017 فض الشراكة مع الحوثيين ويدعو إلى ثورة ضدهم، وليعقد أعضاء حزب المؤتمر الشعبي العام الأمل على القائد الشاب طارق في تخليصهم من الحوثيين. إلا أن هذه الانتفاضة فشلت وقُتل الرئيس صالح بعد يومين من دعوته إليها. إثر ذلك، اختفى طارق صالح عن الأنظار، وشاعت أخبار عن أنه قُتل في منزل عمه، وساهم في انتشارها بيان للمؤتمر الشعبي العام قال إن طارق "استشهد قبل عمه" وإن الأخير صلى عليه ودفنه، لتزداد حسرات وحزن أنصار صالح أكثر وأكثر. ولكن بعد نحو شهرين، ظهر طارق صالح من محافظة شبوة، شمال شرق اليمن، في عزاء للأمين العام لحزب المؤتمر الذي قُتل مع صالح، عارف الزوكا. ومن هناك، قال صالح إن "دماء الشهداء لن تذهب هدراً" وستكون "ناراً على قاتليه". وقيل إن صالح هرب من صنعاء إلى مأرب وإن القوات الإماراتية المنتشرة في مأرب سهّلت هذه العملية. وللتدليل على نشوء علاقة بينه وبين الإمارات، يمكن الركون إلى إعلان رئيس المجلس الانتقالي الجنوبي المدعوم إماراتياً، عيدروس الزبيدي، في حوار أجراه مع وكالة "فرانس برس" في يناير، دعمه لتشكيلات عسكرية سيقودها طارق صالح ضد الحوثيين. وتداولت تقارير بعد ذلك أنباءً عن انتقال طارق صالح إلى معسكر تشرف عليه القوات الإماراتية في مديرية البريقة في عدن، ويستقبل قيادات تابعة للرئيس السابق بهدف تشكيل قوات خاصة بقيادته لمقاتلة الحوثيين.معركة الساحل الغربي
بدأ طارق صالح، بدعم من التحالف العربي وتحديداً من الإمارات بتجميع ضباط وجنود الحرس الجمهوري والقوات الخاصة ومتطوعين في عدن ومأرب وتدريبهم.ما أن بدأت مشاركة العميد طارق صالح في معركة الساحل الغربي في اليمن ضد الحوثيين حتى بدأت وسائل الإعلام الإخوانية اليمنية بمهاجمته، قبل وسائل إعلام الحوثيين، العدو الأول لطارق صالح حالياً
بعد فترة من مقتل علي عبد الله صالح، ظهر طارق صالح من محافظة شبوة ليعلن أن "دماء الشهداء لن تذهب هدراً" وستكون "ناراً على قاتليه"في تلك الفترة، دار جدل حول المكان الذي سيبدأ منه القتال ضد الحوثيين، خاصةً في ظل علاقاته القوية مع بعض القبائل في المحافظات القريبة من العاصمة صنعاء. لكن طارق ذهب بعيداً عن صنعاء لتكون جبهة الساحل الغربي هي الجبهة التي يقاتل منها، مشاركاً إلى قوات العمالقة الجنوبية في الزحف نحو مدينة الحديدة ذات الميناء الاستراتيجي الهام في اليمن. ويرى الكاتب درهم حسن أن صالح اختار جبهة الساحل الغربي باعتبارها الجبهة الأقوى في الحرب اليمنية ولأنها الجبهة التي تشرف عليها الإمارات بشكل مباشر، و"لا تخفى على أحد علاقة الإمارات المتميزة مع نظام الرئيس صالح"، حسبما قال لرصيف22. وأضاف أن بداية قتاله من هناك تأتي "لأهمية المعركة في الساحل ولخبرة طارق العسكرية الكبيرة"، وتابع: "تم دعمه ليكون في هذه الجبهة الكبيرة والدليل على فعاليته التقدم الكبير الحاصل فيها منذ انضمامه وقواته إلى ألوية العمالقة، ففي أقل من شهرين أصبحوا على مقربة من مدينة الحديدة". وقال الصحافي عبد الولي المذابي لرصيف22 إن جبهة الساحل معروفة للعميد طارق فهو كان يقاتل فيها من قبل ضد الطرف الآخر، إضافة إلى أن هذه الجبهة لم يكن أحد يقاتل فيها، "فالمقاومة الجنوبية كانت تقاتل إلى حد معيّن في ذوباب، غير أن السيطرة على جبهة الساحل تحقق مميزات عسكرية وسياسية، فهي تقطع الطريق أمام تهريب الأسلحة وتجارة السوق السوداء".
الحوثيون: طارق صالح سيفشل
يقلل الحوثيون من شأن طارق صالح وتقول وسائل إعلامهم إنه سيفشل كما فشل غيره في الحرب ضدهم. ويقول الناشط عبد اللطيف خالد لرصيف22 إن طارق "ظاهرة إعلامية ستفشل كما فشلت أدوات العدوان السعودي كالرئيس هادي وعلي محسن الأحمر وأولاد الأحمر الذين ارتموا في أحضان السعودية والإمارات ليكون كمَن سبقه من مرتزقة العدوان السعودي على الشعب اليمني". ويضيف: "كما فشل طارق في انقلاب الثاني من ديسمبر وفشل في حماية عمه، وهو قائد حرسه، سيهرب من الساحل واليمن". ويتابع خالد أن طارق وقواته حتى اللحظة لم يقدّموا أي شيء في حرب الساحل الغربي ويتلقون الهزائم الواحدة تلو الأخرى وهناك عشرات القتلى من قواته وعشرات الأسرى لدى أنصار الله، باعتراف طارق في خطابه الأخير. كما يتحدث عن الخلافات التي تظهر للعيان بين الجنوبين وقوات طارق في الساحل الغربي. ويُعتبر تحالف طارق مع قوات العمالقة مفاجئاً، فهي محسوبة على المقاومة الجنوبية التي تعتبر الرئيس السابق علي عبد لله صالح وعائلته من ألد أعدائها. وكانت القوات الجنوبية قد اعترضت على دعمه وعلى وجوده في عدن وعلى التحالف معه مجدداً لأنه برأيها مسؤول عن إراقة دماء يمنيين جنوبيين. ويرى الصحافي نشوان الشعيبي أن هذا التحالف فرضته ظروف المعركة ضد الحوثيين وساعد في تركيبه أن الإمارات تدعم الطرفين ضد الحوثيين. وقال لرصيف22 إن هناك بالتأكيد تنافراً بين المجموعتين وربما هناك صراع مؤجل بين الطرفين سينفجر في لحظة ما، فالطرفات يتبادلان اتهامات بإفشال مهام الآخر حتى وصل الأمر إلى تبادل اتهامات باغتيال أفراد من الجماعتين. ومع اقتراب قوات طارق صالح من الحديدة، يتساءل الكثيرون عن مستقبله بعد المعركة وأي منصب سيشغله. ويقول الصحافي عبد الولي المذابي لرصيف22 إن طارق صالح، بحسب معرفته الشخصية به، هو رجل يحب أن يعيش في الظل بسلام ولا يطمح إلى المناصب ولذلك سيكتفي بالثأر لعمه من الحوثيين ومحاسبتهم على ما فعلوه به وبأسرته و"هو ما بدأ به فعلاً".رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يومكل التوفيق ومقال رائع
Ahmad Tanany -
منذ 5 أيامتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعلا يوجد اله او شئ بعد الموت
Mohammed Liswi -
منذ أسبوعأبدعت
نايف السيف الصقيل -
منذ أسبوعلا اقر ولا انكر الواقع والواقعة فكل الخيوط رمادية ومعقولة فيما يخص هذه القضية... بعيدا عن الحادثة...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ اسبوعينمقال بديع ومثير للاهتمام، جعلني أفكر في أبعاد تغير صوتنا كعرب في خضم هذه المحن. أين صوت النفس من...