لم يكن عادياً صباح يوم الثاني من فبراير الماضي بالنسبة إلى رجل الأعمال ومؤسس مجموعة "أبراج كابيتال" عارف نقفي. فصباح ذلك اليوم، فجّرت صحيفة "وول ستريت جورنال" قنبلة من العيار الثقيل حين أوردت أن خلافاً نشب بين المجموعة، التي تتخذ من دبي مقراً لها، وأربعة من مساهميها الكبار فعيّنوا مدققاَ ليظهر لاحقاً سوء استخدام أموال صندوق الرعاية الصحية التابع لـ"أبراج" والبالغ قيمته مليار دولار.
هذه كانت بداية تهاوي مؤسسة مبنية على الوهم والتوكّل على نمو غير منقطع في 18 مدينة حول العالم لا تمتّ بصلة بتخصص نقفي وفريقه المقرّب.
ومنذ ذلك الوقت، بدأ مسلسل انهيار الامبراطورية التي أسسها نقفي في عام 2002 بأصول متواضعة قبل أن تصل عام 2017 إلى نحو 14 مليار دولار. ولكن المسلسل لم ينته في مارس الماضي، عندما أطيح بالنقفي من منصبه كرئيس تنفيذي للمجموعة، التي باتت خاضعة لعدد كبير من التحقيقات المتعددة بشأن عمليات إدارة الأموال والاستثمارات، بعدما باتت إيراداتها لا تكفِ لتغطية نفقاتها التشغيلية.
لم يرق لنقفي تعيين شركة "Ankura Consulting" لإجراء تدقيق مالي، فأعلن في 8 فبراير تعيين شركة "KPMG" للهدف ذاته، قبل أن تُظهر النتائج أن المجموعة لم تسيء استخدام أموال الصندوق، الذي كان يسعى إلى جمع ما بين 5 و8 مليارات دولار، وأعادت الأموال غير المستثمرة إلى أصحابها.
وتوالت لاحقاً استقالات المسؤولين التنفيذيين من المجموعة، وسُجّلت محاولات لإعادة الهيكلة شملت تقليص النفقات عبر التخارج من عدد كبير من الاستثمارات، وتعليق استثمارات جديدة، وتأجيل طرح بعض المستشفيات التي تملكها في شمال أفريقيا للبيع، وإعادة 3 مليارات دولار إلى المستثمرين في "صندوق الاستحواذ العالمي" الذي تبلغ قيمته 6 مليارات دولار، إلى جانب تسريح نحو 15% من الموظفين.
أما الصفعة الثانية التي تلقاها نقفي فكانت عندما كلّفت مؤسسة "بيل وميليندا غايتس"، المملوكة لثاني أغنى رجل في العالم بيل غايتس وزوجته، و"مؤسسة التمويل الدولية" وعدد من المؤسسات الأخرى، شركة للاستشارات المتخصصة في المحاسبة القضائية للتحقق مجدداً من سوء استخدام التمويلات التي مُنحت للصندوق. وجاءت هذه الخطوة بعدما اتهمت تلك المؤسسات "أبراج" بالتباطؤ في استثمار 545 مليون دولار تم تحويلها للصندوق في أبريل 2016 لبناء مستشفيات في عدد من الدول.
وفي أبريل، عادت المجموعة وعيّنت مصرفاً استثمارياً لمساعدتها على التباحث مع الدائنين، ومن ثم وسعت نطاق أعماله لتقديم المشورة بشأن بيع وحدة إدارة الاستثمار الخاصة بها.
وكانت الصفعة الأخطر والأشد في نتائج تقرير شركة "ديلويت"، التي عيّنتها "أبراج" لإجراء تدقيق مالي جديد، إذ كشفت عن عجز نقدي تجاوز 95 مليون دولار، أجبر "أبراج" على خلط أموال المستثمرين، التي كان يجب أن تُستخدم لبناء مستشفيات، بأموالها الخاصة واستخدامها لتسيير أعمالها. ويعود السبب الرئيس لخلط الأموال إلى مشاكل كبيرة واجهها نقفي على مستوى السيولة المالية الناجمة عن تأخّر إنجاز بعض الصفقات، منها صفقة بيع شركة "كي إلكتريك" الباكستانية في مارس 2017، التي كان يُتوقع أن تدرّ على المجموعة مئات ملايين الدولارات.
وحاولت "أبراج" التغطية على هذه الفضيحة في يونيو الماضي، حين عقدت اجتماعات مكثفة مع دائنيها لتجميد ديون المجموعة وتسهيل عملية بيع وحدتها "أبراج لإدارة الاستثمارات"، إلا أن بعض الدائنين رفضوا تجميد الديون المقترحة، واتخذوا إجراءات قضائية في الخارج للمطالبة بتصفية الشركة بعد تخلفها عن التسديد.
وطالبت مذكرة قانونية تقدمت بها في جزر الكايمن "المؤسسة العامة للتأمينات الاجتماعية الكويتية"، التي تعتبر من أبرز دائني المجموعة، بتصفية "أبراج كابيتال" وتسييل أصولها، بعدما فشلت فى تسديد قرض قيمته 100 مليون دولار كان مستحق الدفع. وتم تعيين شركة "PWC" كمصف مؤقت، و"ديلويت" كمصف مؤقت لـ"أبراج لإدارة الاستثمارات المحدودة"، ما دفع "أبراج كابيتال" إلى طلب إجراء تصفية مؤقتة تتيح لها إعادة هيكلة الديون تحت إشراف المحكمة.
وفي تطور لافت، أوردت "وول ستريت جورنال" أن السلطات المحلية في دبي أصدرت في 26 يونيو الماضي مذكرة توقيف بحق نقفي بسبب تحرير شيك من دون رصيد بقيمة 48 مليون دولار لمصلحة أحد المساهمين المؤسسين، إضافة إلى تهم أخرى، لكنها تنتظر أن تبت بها المحكمة إما بالإدانة أو البراءة. المؤشرات الاولية اليوم تشير أن أصول أبراج الحقيقية قيمتها $1.1 مليار فقط بينما الأصول المسجلة على الحسابات تبلغ $2.5 مليار، فأين الفارق؟
تُرسم علامات استفهام حول نجاح نقفي وفريق عمله الذي يشبهه لحدّ كبير في تحويل استثمارات صغيرة بمئات آلاف الدولارات إلى امبراطورية ضخمة تقدر بمليارات الدولارات.
وفي معلومات أوردتها بعض الصحف، بدأ نقفي مشواره في "أميركان اكسبرس" في مدينة كراتشي الباكستانية، قبل أن ينتقل إلى لندن ويعمل في شركة "آرثر أندرسون" الأميركية، التي مهدت له الطريق نحو الخليج.
تبخّر أكثر من مليار دولار أمام عيون المساهمين والمشرّعين والمدققين والسلطات المالية... أقوى فضيحة مالية بطلها باكستاني مقيم في دبي عاش الترف على حساب الناس
خلط أموال المستثمرين مع أموال أي مؤسسة مالية أمر خطير، أين كانت الرقابة المالية الإماراتية؟ يجب أن تدرّس قصّة أبطال أبراج كابيتال في التحايل على القوانين.
وفي بداية تسعينيات القرن الماضي، وصل نقفي إلى السعودية حيث عمل في "مجموعة عليان"، التي كانت حينها من أكبر شركات التجارة في المملكة. وانتقل لاحقاً إلى دبي، حيث أسس عام 1994 شركة "كوبولا" برأس مال يُقدّر بـ50 ألف دولار، جمعها خلال حياته المهنية.
حسب موقع بلومبرغ، يقال أن عارف نقفي كان يدير أبراج وكأنه الملك القاطع الناهي، لكن الشركة نكرت ذلك في بيان لها يفيد أن الإدارة كانت على إطلاع تامّ وساهمت في قرارات الشركة كلّها. الحقيقة ستبان كما بانت مع المدراء الذي افلسوا بنك BCCI الذي اختلس أموال إماراتية وخليجية ضخمة في أحد أشهر تفليسات المنطقة. العيون مسلطة على سلطة دبي للخدمات المالية، هل تستطيع أن تتفادى فضيحة جديدة من أي قصر مالي مبني على رمال متحركة؟
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يومينكل التوفيق ومقال رائع
Ahmad Tanany -
منذ 6 أيامتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعلا يوجد اله او شئ بعد الموت
Mohammed Liswi -
منذ أسبوعأبدعت
نايف السيف الصقيل -
منذ أسبوعلا اقر ولا انكر الواقع والواقعة فكل الخيوط رمادية ومعقولة فيما يخص هذه القضية... بعيدا عن الحادثة...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ اسبوعينمقال بديع ومثير للاهتمام، جعلني أفكر في أبعاد تغير صوتنا كعرب في خضم هذه المحن. أين صوت النفس من...