تنامي حالة الاستدعاءات بسبب منشورات في لبنان... أين تكمن المشكلة؟
الثلاثاء 24 يوليو 201807:28 م
عام 2007، أطلقت اليونسكو بالتعاون مع جمعية "مهارات" رصداً للواقع الإعلامي في لبنان، استمر لمدة عام ونصف العام، وخلص إلى أن "الإعلام اللبناني حرّ… جزئياً".
استند التقرير السنوي الأول من نوعه حينها إلى 24 مؤشراً واستطلاعاً للرأي شمل 61 صحافياً لبنانياً من وسائل إعلامية مختلفة.
كانت مفاجأة التقرير أن 90.2 في المئة من الصحافيين أقروا بممارسة رقابة ذاتية على المواد التي يكتبونها، فيما أشار التقرير إلى أنّ "مراجعة النصوص القانونية المتعلّقة بالمطبوعات في لبنان تبيّن أن هناك قيوداً على حرية التعبير والطباعة... و(أنها) تتعارض مع المفهوم الواسع لحرية الرأي والتعبير المنصوص عنه في المواثيق الدولية التي صادق عليها لبنان".
خلاصة الرصد الإعلامي كانت الإقرار بأن معدّل حرية الرأي في لبنان هو 52.3 في المئة، ما يجعل لبنان ضمن خانة "حرّ جزئياً"، ويجعل صحافته "صحافة عالم ثالث بكل ما للكلمة من معنى: تبعية، وغياب الحرية الفكرية عند غالبية الصحافيين وفقدان صدقية، وغياب الدور النقدي".
بعد عام 2007، كانت منصات التوصل الاجتماعي تنمو بشكل سريع، جاعلة المشهد أكثر ضبابيّة. لم يكن "قمع" التعبير غريباً عن المشهد الإعلامي في لبنان منذ سنوات طويلة، كما لم يكن غريباً تداخل الأجهزة الرقابية والقضائية من جهة والسلطات السياسية والدينية من جهة أخرى في التعامل معه، إلا أن مقاربة التعبير وأشكاله وقيوده في الفضاء الافتراضي ولّدت تحديات إضافية.
خلال العامين الماضيين، تكثّف دور "مكتب مكافحة الجرائم المعلوماتية" ليتحوّل إلى أشبه بجهاز أمني يستدعي مواطنين عاديين ويستعرض قوته (وقوة الدولة عليهم)، بينما تتراكم الأزمات الجدية في ظل غياب الدولة كسلطة فاعلة.
وخلال العام الجاري، تفوّقت الملاحقات القضائية واستدعاءات الناشطين والمدونين والصحافيين، على خلفية منشورات كتبوها على مواقع التواصل الاجتماعي، على ما شهدته السنوات الماضية. وترافق ذلك مع إجبار هؤلاء على توقيع تعهدات مختلفة تحدّ من حريتهم على المنصات الاجتماعية.
نتيجة لما سبق، قد يكون مهماً اليوم البحث عن إجابات حول السبب الذي يجعل مثل هذا المكتب يقوم بدور مماثل. فهل المشكلة اليوم في تزايد القمع فعلاً، أم في تغيّر أشكاله، أم في أسباب أخرى؟
ربما تكمن النقطة الأكثر أهمية لبحث أسباب "القمع" وأشكاله في الجانب القانوني الذي يرتكز إليه المكتب ومَن يلجأ إليه.
استدعاءات كثيرة وتعهدات بالجملة
رداً على ما يصفه البعض بأنه "موجة ترهيب متصاعدة"، نشرت منظمات دولية عدة تقارير عبّرت عن خوفها المتزايد على حرية التعبير في لبنان، في وقت ارتفع هامش التنديد بآليات عمل مكتب مكافحة الجرائم المعلوماتية، بينما كان الأخير يراكم لديه ملفات لأشخاص مختلفين تتباين قدرتهم على التأثير وقاعدة متابعينهم والمتفاعلين معهم. خلال الشهر الماضي، قالت منظمة العفو الدولية إن "ناشطي حقوق الإنسان في لبنان يستدعون للتحقيق، ثم يتعرّضون للابتزاز كي يوقعوا تعهدات غير قانونية بالامتناع عن القيام بأفعال معينة لا تخلّ بالقانون، كشرط للإفراج عنهم". وتعليقاً على ذلك، قالت لين معلوف، مديرة بحوث منطقة الشرق الأوسط في المنظمة، إن "ما تسمى بالتعهدات ليست سوى ضرباً من ضروب الترهيب ولا أساس لها في القانون اللبناني"، معتبرة أنها "محاولة من السلطات لإسكات أصوات الناشطين وغيرهم من الأفراد، الذين ما كان ينبغي أبداً أن يُعتقلوا في المقام الأول". وكان تقرير سابق لـ"هيومن رايتس ووتش" قد قال إن "نمط الملاحقات القضائية بحق منتقدي المسؤولين يهدد حرية التعبير والرأي في لبنان". أتى التقرير في مطلع العام، بعدما وجهت النيابة العامة تهمة التشهير إلى مقدم البرامج هشام حداد، وطالب السلطات اللبنانية بإسقاط التهم الجنائية ضد حملة الخطاب السلمي كما طالب البرلمان بإلغاء القوانين التي تجرّم مجرد انتقاد السلطات أو الرموز الوطنية. كان الكلام قد هدأ نسبياً إلى حين تفاعلت مطلع الشهر الحالي قضية شربل خوري (ومعه الصحافية جوي سليم) وقصة المسّ بمار شربل وصولاً إلى استدعائه للتحقيق وحرمانه من استخدام وسائل التواصل الاجتماعي لمدة شهر. بعد ذلك برزت أسماء عدة كمحمد عواد الذي استدعي للتحقيق ووقع على تعهد، وإيلي خوري الذي قال إن استدعاءه للتحقيق توقف في اللحظات الأخيرة، ثم الشيخ علي حمام الذي قال إن "التحريين" طلبوا منه الحضور لفنجان قهوة، وصولاً إلى روان خطيب التي قالت لرصيف22 إنها استدعيت للمثول أمام التحقيق في 25 يوليو، من دون أن تعلم السبب، مرجحةً أن يكون "منشوراً عن رئيس الجمهورية ميشال عون"."ضد القمع"
تكثف الاستدعاءات خلال الشهر الحالي دفع عدداً من الصحافيين إلى الدعوة للاعتصام في 24 يوليو في ساحة سمير قصير تحت عنوان "ضدّ القمع".تبقى استنسابية التعامل مع الاستدعاءات التي يشهدها لبنان لافتة، وتدفع البعض للتساؤل عن السبب الذي يجعل شخصاً من دون دعم سياسي أو ديني يُستدعى بينما يتم التغاضي عن شخص آخر كان انتقاده أكثر حدة
خلال العامين الماضيين، تكثّف دور "مكتب مكافحة الجرائم المعلوماتية" في لبنان ليتحوّل إلى أشبه بجهاز أمني يستدعي مواطنين عاديين ويستعرض قوته وقوة الدولة عليهميقول الصحافي جاد شحرور، وهو أحد منظمي التحرك ومسؤول إعلامي في مؤسسة سمير قصير للدفاع عن الحريات الإعلامية، إن التحرك بدأ كفكرة "مع أصدقاء صحافيين أرادوا تنظيم تحرك ضد القمع". بحسب شحرور، "دعينا للتحرك في ساحة سمير قصير لرمزيتها (قصير صحافي لبناني جرى اغتياله عام 2005)، بينما أردنا ألا يكون التحرك محصوراً بالصحافيين بل موجهاً لجميع الناس، كون الاستدعاءات طالت كثراً يعتبرون مستخدمين عاديين لوسائل التواصل الاجتماعي". يلفت شحرور في حديثه لرصيف22 إلى أنه "منذ أسبوعين أو أقل تم استدعاء طفل عمره 15 سنة، من قبل مخابرات الجيش، لأنه وضع ‘واتساب ستوري’ كاريكاتوري عن رئيس الجمهورية ميشال عون"، معلقاً: " هناك كثر يتم استدعاcهم للترهيب، والأعداد تتزايد منذ عامين". ويضيف شحرور: "خارج أي اتهام سياسي لـ’العهد القوي’ (المصطلح مستخدم لوصف عهد ميشال عون)، إذا قمنا بفلترة بدايات موجة القمع بهذا الشكل، نجد أنها تعود إلى وصول عون لرئاسة الجمهورية. وإذا فتشنا بالأرقام التي ترصدها مؤسسة سمير قصير نجد أن نسبة الاستدعاءات الأكبر أتت من عون ومحيطه (صهره جبران باسيل بشكل أساسي)، ونحن هنا نتحدث عن 70 إلى 80 في المئة من الحالات". في المقابل، برزت تعليقات عديدة لمتابعين كان لهم مآخذ على التحرك، إما لجهة شكله باعتبار أن هذا النوع من التحركات يساهم في تفريغ الغضب لكنه لا يوصل إلى نتيجة بسبب عناوينه الفضفاضة وعدم طرحه لحلول جدية، أو بسبب شعاراته العريضة واستحضار مؤيديه لإيران والسعودية و"البعث السوري"، ما يحوّر النقاش ويبعده عن هدف التحرك الأساسي.