شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

لنبدأ من هنا!
العربية VS الجزيرة... حرب شرسة تعكس صراعات السعودية وقطر

العربية VS الجزيرة... حرب شرسة تعكس صراعات السعودية وقطر

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

سياسة

السبت 17 فبراير 201804:56 م
هذه المرة، كانت لندن ميداناً جديداً لاشتباك "سياسي مُبطن" بين قناتي "العربية" و"الجزيرة". فتحت ساحة الاشتباك شكوى قدمتها وكالة الأنباء القطرية إلى هيئة البث البريطانية "أوفكوم" ضد الشبكة الإخبارية السعودية، بدعوى بثها تصريحات "مُفبركة" نُسبت إلى الأمير القطري تميم بن حمد آل ثاني.

ماذا حدث؟

أشعل فتيل الاشتباك الجديد خبر نشرته "الجزيرة" على موقعها الإلكتروني، بعنوان "شكوى قطرية تطيح بقناة العربية في أوروبا"، قالت فيه إن منافستها التقليدية "أُجبرت" على وقف بثها من مدينة الضباب وبقية العواصم الأوروبية، بينما نفت "العربية" ذلك. وقالت "الجزيرة" إن وكالة الأنباء القطرية (قنا) كانت قد وكّلت مكتب محاماة بريطانياً بتقديم شكوى رسمية لدى "أوفكوم" ضد قناتي "العربية" و"سكاي نيوز عربية"، عقب تعرّض موقع الوكالة للقرصنة، قبل أيام قليلة من فتح باب الأزمة الخليجية على مصراعيه. وقالت "قنا" إن "العربية" انسحبت من دائرة مراقبة "أوفكوم"، لتجنب تحقيق كان يمكن أن ينتج عنه فرض غرامات وعقوبات مشددة، مُعتبرة أن تلك الخطوة "بمثابة تأكيد صحة أنها كانت وسيلة في أيدي دول الحصار لبث الأخبار المفبركة ضد دولة قطر". في المقابل، ردت "العربية" على موقعها عبر "مصدر" داخلها، اعتبر أن ما بثته "الجزيرة" مثير للسخرية، موضحاً أن ما حدث قرار اتخذته القناة، في آخر كانون الثاني/يناير الماضي، بوقف مشاركتها في باقة "بي سكاي بي" البريطانية، "في إطار خطة توزيع جديدة تفضي إلى تعزيز الإرسال على المنصات الرقمية الحديثة، عوضاً عن الوسائل التقليدية المشفرة". وقال المصدر إن اهتمام الجزيرة بهذا الموضوع يدل على "إفلاسها المهني" الذي ظهر من خلال "تضخيم إجراء بسيط اتخذته (العربية) بمحض إرادتها لأسباب تتعلق باستراتيجية التوزيع وإخراجه تماماً عن إطاره بعد عجز الجزيرة عن المواجهة المهنية الشريفة بوجه (العربية) التي تفوقت نسبة مشاهديها بأضعاف الجزيرة".

تراشق على تويتر

على "تويتر"، انبرى مسؤولو وإعلاميو المحطتين في التراشق، وراح كل طرف يدّعي تميّزه وانتشاره الشعبي، وزعامته على فضاء المحطات الإقليمية الإخبارية. وتماشياً مع الموجة، ظهر هاشتاغ #طرد_قناة_العربيه_من_بريطانيا في الواحدة من صباح الخميس، بدعم من مغردين قطريين. ولحق بهم سعوديون بعدها بساعة بهاشتاغ مقابل هو #العربية_تتفوق_على_الجزيرة.
وعلى طريقتهم الخاصة، سخر مُغردون عرب من الخلافات الأخيرة بين العربية والجزيرة.

لولا السعودية ما كانت "الجزيرة"؟

لعبت السعودية "دون قصد" دوراً محورياً في دعم ظهور شبكة "الجزيرة"، عندما ألغت شراكتها مع هيئة الإذاعة البريطانية "بي بي سي" لإطلاق خدمتها التلفزيونية باللغة العربية في منتصف التسعينيات من القرن الماضي.

وقتها، لم تستمر الخدمة لفترة طويلة نتيجة اعتراضات الرياض المتكررة على سقف الحرية المرتفع للخدمة، فكان أن أوقفت شركة أوربت السعودية الخاصة التي كانت شريكة "بي بي سي" في تأسيس الخدمة العربية البث من القمر الصناعي حسب الاتفاق، ما أدى إلى توقف الخدمة.

في تلك الفترة، كانت قطر تسعى بجدية لإطلاق "الجزيرة"، ولكنها كانت تعاني من نقص عددي في العاملين المحترفين والمدرّبين، إلا أن إغلاق الخدمة العربية لـ"بي بي سي" وفّر للدوحة نحو 150 فرداً من طاقمها، بينهم مذيعون بارزون وصحافيون وفنيون، ما ساعد على إطلاق الشبكة في سبتمر 1996.

صراع على الشاشة بنكهة "سياسية"

قبل ظهور "العربية" بنحو ست سنوات، كانت "الجزيرة" قد راكمت خبرتها مُستعينة بطواقم محترفة، وحققت قدراً كبيراً من الشعبية في المنطقة العربية، وفي ذات الوقت أزعجت عدداً من الحكام الذين رأوا في تغطيتها "مبالغة وتضخيماً"... خاصةً أنها كانت تجربة جديدة بتغريدها خارج سرب الإعلام الحكومي وبتطرقها إلى ملفات وإثارتها إشكاليات جعلت البعض يصفها بأنها لسان حال الشارع العربي. كما كانت غريبة بعلاقاتها وعرضها الحصري للبيانات التلفزيونية للمجموعات الجهادية. وفي مارس 2003، قُدّمت "العربية" باعتبارها "البديل المعتدل" لـ"الإعلام المتطرف"، وباعتبارها وسيلة إعلامية تبتعد عن "التضخيم والمبالغة واستثارة العواطف والمشاعر"، بحسب الشيخ وليد بن إبراهيم آل إبراهيم، مؤسسها وصاحب مجموعة قنوات MBC. "لنتخيل العالم العربي بلا 'العربية'. لكان العنف انفرد بإعلامنا، ولكانت السنوات بفريق واحد، ولون واحد ونوافذ متعددة لكن بمشهد واحد ولغة واحدة. لم يكن الثمن رخيصاً أبداً، فقد دفعت العربية الثمن دماً من أجل إصلاح وتطوير الإعلام العربي الذي هو إصلاح للعالم العربي. وبالفعل، فقد تغيرت اللغة والمنهج والمواقف والأماكن"، قال المدير العام السابق لـ"العربية" عبد الرحمن الراشد، على هامش احتفال بالعيد الخامس للقناة، عام 2008.
إلى جانب تسخيرهما إمكانيات ضخمة ومهارات وخبرة تراكمت بمرور الوقت، فإن كاميرات "الجزيرة" و"العربية" كثيراً ما تدور بحسب مصالح قطر والسعودية
لعبت السعودية "دون قصد" دوراً محورياً في دعم ظهور شبكة "الجزيرة"... والآن تعتبرها عدوّها الإعلامي الأول
وشهد العام السابق على إطلاق "العربية" أزمة أثارتها "الجزيرة" وأغضبت السعودية، بسبب طبيعة تغطيتها لخطة السلام السعودية لتسوية الأزمة الفلسطينية، وتلاها سحب الرياض سفيرها في الدوحة لمدة ست سنوات، ما يشير إلى أن صدام المحطتين وتنافسهما تاريخي وسابق على امتعاض الحكومات الخليجية من تغطية "الجزيرة" لثوارت الربيع العربي. وفي آخر محطة لصدام القناتين، وخلفهما السعودية وقطر، أعلنت السعودية والإمارات والبحرين، إضافة إلى مصر، مقاطعة قطر وقدّمت إليها لائحة مطالب لإنهاء الأزمة، كان من ضمنها إقفال قناة "الجزيرة". وفي ظل الأزمة التي لا تزال مستمرة، شكلت رأس حربة التناحر الإعلامي قناتا "العربية" و"الجزيرة"، بالإضافة إلى "سكاي نيوز عربية" التي أُطلقت من دبي عام 2012. وتبارت هذه القنوات في مهاجمة سياسات الدول الخصمة. ومن أغانٍ ركيكة المعاني والكلمات إلى الأفلام الوثائقية، حاولت السعودية وقطر، وبقية "دول الحصار"، تسجيل أهداف "سياسية" عبر أدواتها الإعلامية الموجهة، التي راحت تتصيّد أخطاء الخصوم أو تفتعلها، وتبرز على شاشاتها وجوهاً "معارضة" لأنظمة بلدانها بهدف المكايدة.
 
 

السبق والتغطية... عزف على هوى الأمير والملك

إلى جانب تسخيرهما إمكانيات ضخمة ومهارات وخبرة تراكمت بمرور الوقت، فإن كاميرات "الجزيرة" و"العربية" كثيراً ما تدور بحسب مصالح قطر والسعودية، فيكون السبق الخبري لواحدة منهما مرتبطاً بطبيعة علاقة دولتيهما بالحكومات العربية. 

على سبيل المثال، إبان ثورة 25 يناير 2011 في مصر، كانت تغطية "الجزيرة" مُركزة على المواجهات في الشوارع، بينما انفردت "العربية" بنقل ما يدور في قصر الرئاسة، وفي وقت لاحق بثت تصريحات صوتية للرئيس المصري الأسبق حسني مبارك.

ولمس متظاهرو ميدان التحرير تغيّر سياسة "الجزيرة" وانحيازها لصالح جماعة الإخوان المسلمين في الشهور التالية للثورة، خاصة في وقت المواجهات الدامية مع الشرطة في شارع محمد محمود.

وكما صحف "الإخوان"، راحت القناة تتعمّد إظهار ميدان التحرير وكأنه خالياً من المتظاهرين عبر إبعاد كاميراتها عن أماكن تجمعهم، ملتزمةً صف مؤيدي المجلس العسكري.

وعندما تولى الرئيس المعزول محمد مرسي سدة الحكم، اقتصر سبق بث الأخبار المصرية العاجلة على "الجزيرة". كانت القناة تعلم تفاصيل ما يجري في قصر الرئاسة وما سيصدر عنه من قرارات، وهو ما أثار غضب واستهجان الصحافيين المصريين، بسبب تفضيل جماعة الإخوان المسلمين والنظام الحاكم للقناة على بقية وسائل الإعلام المحلية.

ويستمر التنافس بحسب المتوفر لكل قناة، كما الحال عندما بثت "الجزيرة" فيديو للفريق أحمد شفيق تحدث خلاله عن منع السلطات الإماراتية له من العودة إلى مصر، طارحةً تساؤلات عن أسباب ذلك، وواصفةً التعامل معه بـ"طرق تعامل العصابات".

وأعطت "العربية" مساحة أكبر لتصريحات شفيق لفضائية مصرية قال فيها إن الإماراتيين كانوا "كرماء معه"، ونقلت كلامه عن أنه يتمتع بحرية تامة في القاهرة ويلقى معاملة طيبة، ونفيه إرساله الفيديو إلى "الجزيرة".

وعلى ذات الوتيرة، جاء مقتل علي عبد الله صالح، في 4 ديسمبر 2017، ليكشف بجلاء كيف تتغير التسميات وتنعكس المواقف الرسمية على تغطية الحدث. فبعدما كانت "العربية" تصفه بالرئيس "المخلوع" غيرته إلى "السابق"، إذ كانت السعودية قبيل مقتله تراهن على الرجل الذي ناصبها العداء سنوات، بعدما أنهى تحالفه مع الحوثيين مع قبل مصرعه بأيام.

وفي المقابل، أبقت "الجزيرة" على وصفه بـ"المخلوع"، وبثت لقطات اللحظات الأولى لمقتله على يد الحوثيين، بينما نقلت "العربية" تصريحات على لسان مسؤولي حزب المؤتمر الشعبي، الموالي لصالح، بأن الأخير ما زال حياً ويقود القتال.

وبعد إعلان السعودية إنهاء دور قطر في التحالف العربي ضد الحوثيين، تحولت "الجزيرة" إلى انتقاد ضربات السعودية والإمارات في اليمن، وبثت أعمالاً وثائقية، من بينها "الصندوق الأسود - اليمن.. كيد الأشقاء"، الذي عرضت فيه ما قالت إنه "انتهاكات الإمارات من التعذيب إلى القتل الجماعي".

ومن بين التعليقات الواردة على ما بثته الجزيرة: "شيء مؤلم ما تفعله الإمارات في اليمن، والأكثر إيلاماً هو نفاق قناة الجزيرة التي لم تكن لتظهر هذه الحقائق إلا بعد خلاف الأشقاء".

وبعد تصاعد حديث وسائل الإعلام الأجنبية عن الحالة الإنسانية المزرية لليمنيين، وزيادة الانتقادات الدولية لضربات التحالف الذي تقوده السعودية، اهتمت "العربية" بإظهار "الجهود الإنسانية" التي تقوم بها المملكة في اليمن.


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

Website by WhiteBeard
Popup Image