شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

اترك/ ي بصمَتك!
خراب الدوحة... عن الخلافات القديمة بين قطر وجيرانها

خراب الدوحة... عن الخلافات القديمة بين قطر وجيرانها

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

سياسة

الأربعاء 30 مايو 201812:53 ص

في إطار المشاحنات المنتشرة على الإعلام وعلى وسائل التواصل الاجتماعي، منذ اندلاع الأزمة القطرية في 5 يونيو الماضي، يذكر إماراتيون "خراب الدوحة الأول والثاني". هذه التعابير مصطلحات شعبية تصف عدداً من المعارك الحربية التي جرت في العاصمة القطرية خلال القرن التاسع عشر وكان طرفها الآخر حكام البحرين وأبوظبي، قبل قيام دولة الإمارات العربية المتحدة.

حكام قطر قبل الخراب

شبه جزيرة قطر التي لا تزيد مساحتها عن 11500 كيلومتر مربع، احتلها الشيخ عبد العزيز بن محمد بن سعود حاكم الدولة السعودية الأولى عام 1793. وعقب جلاء السعوديين عام 1812، حكمت أجزاء قطر عدة أسر، مثل آل مسلم في مدينة الحويلة، وآل بوعينين بزعامة محمد بن خميس آل بوحسين في بعض أحياء مدينة البدع، وقبيلة السودان (نسبة إلى سويد بن نهد)، بالإضافة إلى آل ثاني وآل بن علي. وكان لآل خليفة حكام البحرين نفوذ في أقصى شمال البحرين، وتحديداً في مدينة الزبارة (مدينة الشمال اليوم في قطر)، إذ كان حاكم البحرين يعيّن حاكماً للزبارة تحت مسمى حاكم قطر.

وكانت كافة تلك الأسر تسمي كبيرها حاكم قطر في المراسلات والتعاملات مع الخارج سواء مع بريطانيا أو العثمانيين أو حتى مصر والحجاز، ما تسبب في تضارب ضخم في كتب التاريخ حول حقيقة من حكم قطر في هذه المرحلة. والواقع أن كلاً من تلك الأسر حكمت أجزاء من قطر سواء الدوحة والوكرة والخور والريان والزبارة، وظل الأمر كذلك حتى حسم آل ثاني الصراع بمساعدة بريطانية عام 1868. وحتى اليوم يوجد عدد من القبائل التي تدعي أنها كانت الحاكمة في كامل أراضي قطر في القرن التاسع عشر، رغم أن المراجع التاريخية بعيداً عن القبائلية تنفي تلك الادعاءات.

خراب الدوحة الأول

تناول المؤرخ صبري فالح الحمدي في موسوعة "قطر، التطور التاريخي وقيام الإمارة 1517 – 1916" تفاصيل خراب الدوحة الأول وخراب الدوحة الثاني. وأشار إلى أن الشيخ عبد الله الأول بن أحمد آل خليفة حاكم البحرين فوجئ بأبنائه الثلاثة ينقلبون عليه عام 1842، بتحريض من أخوالهم من آل بن علي بقيادة الشيخ عيسى بن طريف آل بن علي. وجهز عبد الله الأول جيشاً قوياً لمحاربتهم بقيادة حفيد شقيقه محمد (محمد الثاني في ما بعد) إلا أن الأخير انقلب على الحاكم ونفاه إلى فارس وتولى حكم البحرين، وما كان هذا الانتصار ليحدث لولا دعم آل بن علي وقبيلة الجلاهمة بقيادة الشيخ بشر بن رحمه بن جابر، شيخ الجلاهمة. وسارع محمد الثاني إلى تعيين الشيخ عيسى حاكماً على قطر (الزبارة شمالاً) مكافأة له، وكان القرار مطلباً بريطانياً من أجل لجم قبيلة السودان التي انتشرت على سواحل الدوحة وراحت تشن حملات على السفن البريطانية. وبالفعل وصل آل بن علي من الزبارة إلى سواحل الدوحة، في ظل حماية بريطانيا، وتم تهجير قبيلة السودان خارج قطر. إلا أن شيخ قبيلة السودان سالمين بن ناصر السويدي لم يهدأ، ورحل مع عشائره إلى شناص على الضفة الشرقية للخليج العربي على مقربة من مشيخة لنجة، وهي إمارة عربية حكمها فرع من أسرة القواسم التي حكمت وقتذاك رأس الخيمة والشارقة قبل أن يسقط الفرس الحكم العربي لسواحل الخليج الشرقية. وتقع شناص اليوم في محافظة هرمزگان جنوب إيران، ودأب المؤرخون في الخلط بينها وبين ولاية شناص في محافظة شمال الباطنة بسلطنة عمان.
"اسألوا عن الشيخ زايد الكبير"، يقول إماراتيون لقطريين، بقصد تذكيرهم بوقائع أليمة تُسمّى "خراب الدوحة"
عندما يحتدم السجال، يذكّر الإماراتيون القطريين بخراب الدوحة الأول وخراب الدوحة الثاني. فما هي هذه الوقائع؟
ومن هناك، تبادل شيوخ السودان الرسائل مع آل نهيان حكام أبوظبي. وفي تقليد نادر كان أخوان من أبناء الحاكم السابق شخبوط الأول يتقاسمان حكم أبوظبي وهما خليفة الأول وسلطان الأول، وقد راهن كلاهما على اندلاع الخلاف بين آل خليفة وآل بن علي، خصوصاً أن آل بن علي يعتبرون أنفسهم أصحاب حق في حكم البحرين وليس مدينة صغيرة في شمال قطر. وكان للشيخ خليفة الأول تحديداً علاقة نسب مع قبيلة السودان، وأمر مع أخيه بأن تذهب قبائل المناصير إلى قطر لمراقبة الموقف عن كثب، ولكنهما توفيا عام 1845 قبل أن يشهدا صحة نبوءتهما. وبالفعل شق آل بن علي عصا التمرد على آل خليفة وحاولوا توحيد العوائل القطرية لحكم شبه الجزيرة كاملة، ولم يكن آل بن علي يعرفون علاقة المناصير بأبو ظبي، فطلبوا منهم التحالف معهم، عشية معركة أم سوية التي جرت في مدينة فويرط شمال شرق قطر، يوم 6 أغسطس 1848، فأمر الشيخ سعيد بن طحنون الأول آل نهيان حاكم أبوظبي قبيلة المناصير بالتظاهر بالتحالف مع آل بن علي على أن ينسحبوا وسط المعركة. ولما وجد محمد الثاني بن خليفة آل خليفة حاكم البحرين أن آل بن علي انقلبوا عليه تواصل مع قبائل السودان مجدداً وتحالف معهم بمباركة شيخ أبوظبي كما انضمت إليهم قبائل النعيم في قطر. ووسط المعركة فوجئ الشيخ عيسى آل بن علي بانسحاب المناصير ولقي مصرعه يوم المعركة وسقط حكم آل بن علي للزبارة والدوحة، وقام آل خليفة بتسلم قبائل السودان لهذه المناطق. ونظراً لان آل بن علي على قرابة نسب مع آل خليفة، فقد انضووا تحت حماية محمد الثاني خوفاً من بطش قبائل السودان، فطلب الأخير منهم قبل انسحابهم من الدوحة أن يخربوها ويقوموا بنهبها، وهو ما فعلوه. حتى الأبواب والنوافذ نهبت يومذاك عام 1848.

هكذا أعاد آل خليفة الشيخ سالمين بن ناصر بن محمد السويدي وقبيلة السودان إلى ضواحي الدوحة، ولكن بعد أن خربوها عبر آل بن علي، وكان غرض ذلك هو كسر شوكة قبيلة السودان وعدم قيام إمارة قوية لهم، نظراً لعلاقة النسب التي تجمعهم مع آل نهيان حكام أبوظبي. وبالفعل فإن شيوخ السودان فشلوا في الحفاظ على نفوذهم في الدوحة أو إعلان إمارة/ مشيخة السودان في قطر، وبايعوا آل ثاني لاحقاً. وأشاد البريطانيون بالشيخ سعيد بن طحنون الأول آل نهيان حاكم أبوظبي الذي أدار عملية خراب الدوحة دون أن يرسل جندياً واحداً إلى قطر، ولكن بالتشاور والتآمر مع آل خليفة وقبائل قطر، كذلك الأمر مع خليفة الأول بن شخبوط الأول آل نهيان وسلطان الأول بن شخبوط الأول آل نهيان اللذين باشرا المخطط وراهنا على وقوع ما وقع، دون أن يعاصرا خراب الدوحة الأول. وهكذا شاءت الأقدار أن يتحالف آل نهيان وآل خليفة لتأديب الدوحة عام 1848 قبل 169 عاماً من الأزمة القطرية نسخة 2017.


خراب الدوحة الثاني

كان الشيخ محمد بن ثاني ماكراً حينما التزم الصمت والحياد في مناطق نفوذه في قطر، وقد بدأ حكم آل ثاني في قطر عام 1812 في بعض مناطق مدن البدعة والدوحة عقب جلاء الدولة السعودية الأولى، وظل يراقب القبائل القطرية وهي تتعارك إلى أن خربت الدوحة، ثم شاهد العودة الواهنة لقبائل السودان، وهنا تحرك بن ثاني وراح يضم المناطق والمدن القطرية إلى إمارته الوليدة. وبحلول ستينيات القرن التاسع عشر كانت أغلب قبائل قطر قد أيّدت وبايعت آل ثاني وشيخهم محمد بن ثاني، وعلى رأسهم قبائل السودان والنعيم والبوكوارة، مع نشأة مفهوم قطر المستقلة عن الأحساء ونجد والبحرين، على ضوء مباركة بريطانيا لاستقلال أكبر قدر ممكن من مشيخات الخليج لتمزيق هذه الدويلات الصغيرة من الداخل، خاصة أن دعاة الاستقلال كانت لديهم اتصالات جيدة مع بريطانيا. وبالفعل تواصل بن ثاني مع بريطانيا، ثم بدأ رحلة الاستقلال عن نفوذ البحرين وتدخلاتها في قطر، فاندلعت حرب قطر – البحرين (1867 – 1868)، ورد الشيخ محمد الثاني بن خليفة آل خليفة بالتحالف مجدداً مع أبوظبي التي كان يرأسها الشيخ زايد الأول (زايد الكبير) بن خليفة الأول آل نهيان، وهو قائد أبوظبي القوي الذي حكمها 54 عاماً بين عامي 1855 و1909 وهو جد الشيخ زايد مؤسس دولة الإمارات العربية المتحدة وأول رؤسائها. وأرسل تحالف زايد الأول ومحمد الثاني جيوش البحرين وأبوظبي إلى الأراضي القطرية، ومجدداً، لم تستطع القبائل القطرية صد الغزو، ودخلت الجيوش العاصمة الدوحة في أكتوبر 1867، وتم تخريبها وتسويتها بالأرض في ما يعرف بـ"خراب الدوحة الثاني". وهكذا تحالف آل نهيان وآل خليفة لتأديب قطر للمرة الثانية قبل 150 عاماً من الخلاف الحالي. استخدمت بريطانيا خراب الدوحة الثاني ذريعة للتدخل في قطر، فضغطت لتوقيع اتفاقية عام 1868 أنهت الحرب واعترفت بحكم آل ثاني على كامل شبه جزيرة قطر بمباركة القبائل القطرية، وخلعت محمد الثاني من حكم البحرين بعد أن أصبح ورقة محروقة ووجدت مَن يستطع أن يقدم لها المزيد وتم تنصيب أخيه الشيخ علي بن خليفة آل خليفة حاكماً للبحرين.

حوادث أخرى

عقب تولي قاسم بن محمد بن ثاني حكم قطر تجددت المناوشات عام 1888، ورد الشيخ قاسم بغزو الظفرة في فبراير 1888 وتسوية 20 قرية بالأرض. وفي 14 يونيو 1888 أرسل زايد الأول ابنه خليفه (الشيخ خليفة الثاني لاحقاً ووالد الشيخ زايد مؤسس الإمارات) إلى الدوحة فخربها مجدداً وذبحت قوات أبوظبي الشيخ علي (جوعان) ابن حاكم قطر، ورد الشيخ قاسم بغزو أبوظبي في يناير وفبراير 1889 قبل أن ينسحب. وهكذا أتى خراب الدوحة الثالث على يد آل نهيان عام 1888. وفي أبريل 1889، قاد زايد الأول جيوش أبوظبي ودبي وسلطنة عمان لغزو قطر المدعومة من الدولة السعودية الثانية ودارت المعارك بين الفريقين بطول شبه جزيرة قطر وإقليم الأحساء (شرق السعودية اليوم) ولكن العثمانيين أنذروا زايد بالانسحاب مع حلفائه من قطر، وبالفعل، بحلول عام 1893، وعبر اتفاق بريطاني عثماني، انتهت حالة الحرب بين آل نهيان وآل ثاني.


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

Website by WhiteBeard
Popup Image