شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

اشترك/ ي وشارك/ ي!
الرقص تعبير عمودي للرغبة الأفقية التي توقظها الموسيقى... عن إيقاع الرقص والجنس

الرقص تعبير عمودي للرغبة الأفقية التي توقظها الموسيقى... عن إيقاع الرقص والجنس

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

ثقافة

الخميس 29 مارس 201807:09 م

"من يغنِّ تسكن روحه حنجرته، ومن يعزف تسكن روحه أصابعه وأذنيه، أما الراقصة فتسكن روحها كامل جسدها"، هذه مقولة لجبران خليل جبران، يتناقلها كثيرون، مع مقولات أخرى تدور في الفلك نفسه، لدى كلامهم عن الرقص كفن روحاني، محاولين تخليصه من جسديته، فيما يشبه الدفاع عن سموّه في مجتمعاتنا المحافظة. هذا الاتجاه يخالف الواقع العلمي المؤكِّد أن الرقص مفيد ومهم للشهوة والجنس بل أيضاً لهزة الجماع، والمتعة الحسية عموماً، وهي أمور أساسية في حياة الإنسان. عدا أنه يساهم في خلق إنسان قادر على التواصل مع الآخرين، ويكسبه جرأة في مواجهة الحياة. لكل إنسان "ذكر/أنثى" شخصية جنسية هي دليل مكانته في نظر الآخر، فقد يكون أحدهم خجلاً في حضرة الآخر أو لبقاً رشيقاً. ووضوح الاضطراب وعدم الثقة يشعران صاحبهما بالنقص أمام الآخر، ما يؤثر على حياته وعلى اتجاهه الجنسي أحياناً، بحسب المفكر المصري سلامة موسى في كتابه "دراسات سيكولوجية". ويضيف: "يجب أن نصرح هنا بكلمة مؤلمة، هي أن هذا الاضطراب الذي يعرو الشاب أو الفتاة وقت لقائهما، إنما ينشأ من الانفصال التام السابق عن الجنس الآخر في حياتهما؛ لأن هذا الانفصال ملأ الذهن في الأغلب بخواطر تناسلية؛ فالرجل ذكر فقط، والمرأة أنثى فقط، فإذا التقيا يحدث الاضطراب".

أوصى موسى بتعلم الرقص لتجاوز هذه الأحاسيس، لما فيه من اختلاط، وانفكاك للجام الجسد. ما قاله موسى يتفق معه المفكر الصيني بو تشي وو Po Chi Wu، صاحب كتاب "الابتكار الرشيق: النهج الثوري لتسريع النجاح وإلهاب الارتباط، وإشعال الإبداع - Agile Innovation: The Revolutionary Approach to Accelerate Success, Inspire Engagement, and Ignite Creativity". يقول وو إن الدول المحافظة كالصين وشرق آسيا تقل أو تنعدم فيها رقصات البوب الشائعة لدى الغرب. ويرى في مقال في دورية "سيكولوجي توداي" أن مجتمعاً محافظاً كبلده "الصين" يجد فيه الشباب صعوبة في التعبير عن أفكارهم، لأنهم محافظون وخجولون، لذا يصعب عليهم تأدية تلك الرقصات، كما أنهم يبدون على حلبة الرقص أقل جاذبية جنسية بالمقارنة بالراقصين الغربيين، معتبراً أن المجتمع المنغلق هناك يحبط التعبير عن العواطف والرغبة الجنسية. ويفتقد الشخص أو المجتمع البعيد عن هذا الفن حميمية الرقص الثنائي، خاصةً "الفالس":

أو التانجو:
ويحرم نفسه من إغواء الرقص الشرقي:
أما المنفتحون على الرقص فتجاوزوا هذه الأشكال منه، ووصلوا إلى الرقص القطبي أو رقص العمود وحتى "الستربتيز" الذي يمثل مرحلة متقدمة من الإغراء، إذ تتعرى خلاله الراقصة تقريباً، وتتصاعد حركاتها إلى قمة الإغواء.

رآها ترقص فوقع في حبها

كتب الروائي المسرحي الإيرلندي جورج برنارد شو -الحاصل على جائزة نوبل في الأدب عام 1925- في إحدى رسائله: "الرقص تعبير عمودي للرغبة الأفقية التي توقظها الموسيقى". فإن كان الرقص لا يحتوي على رغبة، يكون مجرد أداء راقص. من هنا ندخل الملاهي الليلية التي أصبحت وسيلة حديثة للتزاوج في بعض المجتمعات؛ فالرقص يحاكي الجنس، ويسبق العملية الجنسية للمحظوظين. وليس من المستغرب أن تكون النوادي الليلية مظلمة، فالظلمة تعزز مشاعر الشهوة والجنس والحب، وفي بعض الأحيان عندما نرقص هناك، يمكننا أن نمر بمرحلة من الهوى، والتحسس، والمداعبة، ما قد يؤدي إلى علاقة جنسية كاملة بعد ذلك، يقول المتخصص في سيكولوجية الرقص، بيتر لوفات، ثم يسرد هذه الحكاية: في 29 أكتوبر 1988 ذهبت إلى ملهى ليلي في لندن ومعي 3 صديقات، ولم أكن موهوماً بأي منهن. في وقت سابق من تلك الليلة كنا معاً في حفل هالووين، وارتدت الفتيات الثلاث ملابس قوطية (تشبه ملابس النساء في العصر القوطي الأوروبي)، كانت فساتينهن سوداء، وهن اكتحلن بشدة، وشددن شعورهن إلى الخلف. دخلنا الملهى الليلي، فإذا بعدد من النساء الجذابات يرقصن. تركت صديقاتي وذهبت إلى البار لأنني سأكون محظوظاً مع واحدة من أولئك الفاتنات اللواتي يرقصن، لا مع صديقاتي القوطيات. بقيت في البار 10 دقائق، ورائي حلبة الرقص، وبعد أن شربت واستدرت، رأيت فتاة تتوسط مكاناً مرتفعاً وترقص كأنها إلهة. لم أستطع أن أصرف نظري عنها، فقد كانت مذهلة. هذه الفتاة أصبحت زوجتي منذ 20 عاماً، ولا أزال أراها فاتنة، ولكنها لم تعد ترتدي اللباس القوطي.

رقصة الانجذاب

يقول تشارلز دارون، عالم الأحياء الشهير، إن الرقص كان جزءاً من عملية اختيار الشريك. وتوصلت مجموعتان من العلماء إلى أن الطريقة التي نرقص بها ربما يكون لهرموناتنا وتركيبنا الجيني دور فيها. لذلك حين نرقص ننق جيناتنا إلى من نرقص لهم أو معهم، بحسب لوفات.

وأجرى المتخصص في علم نفس الرقص دراسة  على راقصين في ملهى ليلي، فوجد أن الرجال الذين لديهم نسبة عالية من هرمون الذكورة "التستيرون"، يرقصون بشكل مختلف عن الذين لديهم نسبة أقل منه، والأكثر أهمية هو أن الرجال الذين انجذبت النساء إليهم، يمتلكون نسبة أعلى من التستيرون. كما تبيّن أن النساء اللواتي وصلن لمرحلة خصبة من الدورة الشهرية، رقصن بشكل مختلف عن غيرهن. كذلك وجد أن الرجال يفضلون الرقص مع النساء اللواتي وصلن للمرحلة الخصبة في دورتهن، إذ يظهرن جذابات أكثر من اللواتي لم يزلن في بدايتها. المرحلة الخصبة تأتي للمرأة بعد أسبوعين تقريباً من بداية الطمث، وهي فترة الأيض التي يكون الحمل فيها ممكناً أكثر من أي وقت آخر. ولكن ما الذي يخلق هذا الاختلاف عند النساء؟ يجيب لوفات: "كل شيء في الفخذين. في المراحل الناضجة من دورة الطمث، تحرك النساء أوراكهن أكثر من اللواتي لم يزلن في مرحلة غير ناضجة".

الرقص يقوي رعشة الجماع

لخص عالم الأعصاب بجامعة نورث ويسترن، آدم سافرون، لحظة الشبق أو رعشة الجماع Orgasm لدى المرأة، قائلاً: "هي نموذج من النشوة الجنسية والرعشة تتم عبر "إيقاع مبهج".

ووضع سافرون نظرية تقول إن لقدرة المرأة على الرقص تأثيراً على هزة الجماع، وقد يجعلها أكثر جاذبية للرجل. ويرى سافرون أن الحركات التي تسبق وتصحب هزة الجماع هي عبارة عن تفاعل إيقاعي يشبه حركات الرقص. وخلص إلى أن رعشة الجماع وخصوبة النساء مرتبطتان بشكل كبير، يقول: "إن قدرة المرأة على الرقص تنبّه إلى قدرتها للوصول إلى رعشة قوية، وبالتالي نتنبأ بمدى خصوبتها". علماً أن ما يحدث في الدماغ نتيجة حركات الرقص، التي يتبعها اندماج على غرار التنويم المغناطيسي، يشبه ما يحدث أثناء الممارسة الجنسية، إذ تبدأ بمداعبات ثم حركات وتتطور حتى تصل إلى النشوة، التي تشبه ما تحدثه لحظة الاندماج مع الرقص في الدماغ، بحسب سافرون، الذي كشف أن شركاء الرقص والجنس قد يثيرون ردات فعل إيقاعية مختلفة ومتباينة لدى النساء، ولذلك قد يكون الشريك الذي يدفع المرأة لأفضل رقصة، هو الذي يدفعها لأفضل هزة جماع. وإذا قارنا ما توصل إليه سافرون بنتائج دراسة لوفات، يظهر أن اجتماع شريكين يرقصان بشكل جيد، ينبىء بأن حياتهما الجنسية زاهرة.


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

Website by WhiteBeard
Popup Image