"على واحدة ونص"... تنافست العديد من الراقصات لإبهار المتفرجين بحركاتهن الراقصة الجذابة والمتنوعة، حتى تميزت كل واحدة منهن بأسلوبها الخاص في الرقص، والذي يصعب على الأخرى منافستها فيه.
بديعة مصابني
"عميدة الرقص الشرقي" أو "ملكة المسرح". لقبان تفردت بهما امرأة واحدة، كانت فرقتها مدرسة تخرج منها العديد من الفنانين الذين لمعت أسماؤهم في ما بعد في عالم السينما والغناء والاستعراض. هي الست بديعة مصابني. استطاعت بديعة أن تدمج بين الرقص العربي والأفرنجي بأسلوب شيق، وأنشأت مدرسة الرقص التعبيري، ودمجت بين الغناء والرقص لتصبح العالمة المغنية التي تقود فرقتها الراقصة على إيقاع الصاجات المدوية بين يديها. كما أنها ابتدعت "رقصة الشمعدان" التي تميزت بها وحدها. فتضع قنديلاً مشتعلاً من الغاز على رأسها أثناء الرقص، بينما تستعرض مهاراتها في الاستعراض وقدرتها على التحكم في حركاتها دون أن يقع القنديل من على رأسها، ما أضاف إليها شيئاً من الشموخ فوق خشبة المسرح. وبعد بديعة، طورت تلميذتها شفيقة القبطية الرقصة، واستبدلت القنديل بشمعدان، يحتوي على عدد من الشموع، تحرص شفيقة ألا تنطفئ واحدة منها، بينما تتمايل يميناً وشمالاً أثناء رقصتها بدلال.تحية كاريوكا
"أكثر راقصات مدرسة بديعة شرقية". هكذا وصفت بديعة مصابني نفسها الشمس الساطعة في عالم الفن "تحية كاريوكا". الفتاة التي خلقت لنفسها أسلوباً محدداً في الرقص تميزت به عن الجميع، وذلك بداية من اسمها نفسه "كاريوكا"؛ تلك الرقصة التي طلبتها من مصمم الرقصات إيزاك ديكسون في بداية حياتها الفنية، فاستوحاها ديكسون من البرازيل، ورقصتها "تحية" في مطلع الأربعينيات في أحد عروض سليمان نجيب، لتكسبها شهرة واسعة جعلت اسمها يرتبط بالرقصة. واشتهرت تحية عقب ذلك بقدرتها المبهرة على الرقص في المساحات الضيقة، ما جعلها توصف بـ"راقصة المتر الواحد"؛ فكانت تبرع في تقسيم حركات جسدها وفقاً للموسيقى المصاحبة للرقص، ما يجعلها تركز بشكل أكبر على حركات الخصر تحديداً، ويعيد إلى الأذهان الهارمونيا الشرقية القديمة التي تكشف عن جمال الجمل المغناة من خلال حركات الخصر، فلا يملك المتفرج إلا أن يزداد انبهاراً بما يشاهد.سامية جمال
وبالرغم من مجيء اسم سامية جمال كالمنافسة الكبرى لتحية، فقد استطاعت هي الأخرى أن تخلق أسلوباً مختلفاً في الرقص تميزت به، ونال إعجاب الكثير من الجمهور. كانت سامية جمال بمثابة الفراشة التي تنتقل من مكان لآخر وتدور متمايلة بحركاتها الراقصة في خفة ودلال، مستعرضةً حركات الذراعين وخطوات القدمين، ليترجم جسدها بأكمله رقصة جذابة منسجمة مع اللحن. وهي تعتمد في رقصها على الإيقاع بشكل كلي، فتترجم اللحن نفسه إلى خطوات راقصة منغمة، ما جعلها تبرع في الرقص على السلالم أيضاً.نعيمة عاكف
بعد أن لمع اسما تحية وسامية في عالم الرقص الشرقي، انضمت إليهما نعيمة عاكف، القادمة من سيرك "عاكف" الجوال، لتستغل الخلفية الأكروباتية التي تملكها داخل رقصاتها الشرقية، وتصبح راقصة استعراضية ممتازة قادرة على التلون بحركات جسدها مع المقطوعات الموسيقية المتنوعة، التي ترقص على أنغامها. كما أنها استطاعت أن تجمع بين أسلوب كل من تحية وسامية في الرقص. فهي تجيد الرقص في المساحات الضيقة معتمدة على الهارمونيا الشرقية، وبإمكانها أن تنغم خطواتها الراقصة وفقاً للإيقاع.كيتي
اشتهرت الراقصة "كيتي" بحركاتها الأكروباتية التي تغلب على رقصاتها الاستعراضية، كما أنها عرفت باستخدام حركات راقصة مختلفة للتعبير عن الجمل اللحنية المكررة. تعبر عن الجملة اللحنية المعادة نفسها بحركة تختلف عن تلك التي قامت بأدائها في المرة الأولى. كما تميزت بحركة الكتفين مع الخطوات الإيقاعية السريعة.نعمت مختار
نأتي إلى نعمت مختار، التي اشتهرت بالليونة المطلقة في الحركات الراقصة، ليبدو جسدها كأنه خالٍ من العظام، ما يسهل من تشكيله وفقاً للموسيقى الراقصة مثلما تشاء. ولعل أشهر الحركات الراقصة التي تبرز ذلك ظهرت في قدرتها على تمايلها بالنصف الأعلى من جسدها ليتطابق مع النصف الأسفل في انسجام مثير للإعجاب، الأمر الذي جعل كوكب الشرق أم كلثوم تصفها في إحدى المناسبات بـ"سيمفونية الرقص الشرقي".فريدة فهمي
أما نجمة فرقة رضا للفنون الشعبية، فريدة فهمي، فهي البطلة الأولى للرقص الإيقاعي، والتي عبرت عنه في جميع استعراضات فرقتها. فاستطاعت أن تنتقل بين الدلع والدلال والرومانسية والشجن والفرح، وبين حركات الإيقاع البطيء والسريع، ما جعل استعراضها الراقص بمثابة اللوحة المصورة، وظهر ذلك في رقصاتها بالأفلام السينمائية، أبرزها "غرام في الكرنك" الذي عرض عام 1967.سهير زكي
وبالطبع إذا ذكر الرقص الشرقي، فلا ننسى سهير زكي صاحبة مدرسة تقسيم حركات الجسد وفقاً لما تسمعه أذناها من أنغام موسيقية تغرد دون غناء، والتي غالباً ما تكون المقدمات الموسيقية لأغاني أم كلثوم وعبد الحليم حافظ، الأمر الذي جعل أم كلثوم تقول لها: "بمجرد أن رأيت أداءك المختلف، اكتشفت أنك إضافة"، وذلك بعد أن كانت غاضبة في البداية عندما سمعت أن هناك راقصة تستخدم أغانيها للرقص عليها في الملاهي الليلية. ولكن بتدخل من الملحن بليغ حمدي، انقلب الوضع، وأثنت كوكب الشرق على رقص سهير، لتصبح إحدى أشهر الراقصات في مصر، والوحيدة المسموح لها بالرقص على أغاني "سومة" بتصريح منها شخصياً. واشتهرت سهير بتركيزها على حركات الخصر والصدر والذراعين أثناء الرقص مع حركات الشعر الطويل الذي تميزت به.نجوى فؤاد
"قولوله بحبه... ومتوهني حبه... في بحوره الغريقة... أبو عيون جريئة" على أنغام تلك الكلمات التي شدا بها العندليب الأسمر عبد الحليم حافظ، وكتبها مرسي جميل عزيز ولحنها كمال الطويل، رقصت نجوى فؤاد في فيلم شارع الحب عام 1958، لتكون تلك الرقصة هي بداية انطلاقها الحقيقية في عالم الفن. تميزت نجوى فؤاد بقدرتها على إبراز حركة القدمين أثناء الرقص، والتي تناسب صخب إيقاع الألحان التي ترقص بصحبتها. كما أن لها العديد من الرقصات التي تصاحبها أغانٌ متنوعة، ولا تقتصر على أنغام الموسيقى وحدها.طبيعة الموسيقى المصاحبة للرقص
وباختلاف أساليب الراقصات الشرقيات بعضها عن بعض، اختلفت كذلك الموسيقى التي يرقصن بصبحتها. فرقصت بديعة على مقطوعات مؤلفة لتخت مصنوعة خصيصاً لراقصة صالات، بينما رقصت تحية على جميع أنواع الموسيقى بدايةً من الموسيقى غير المصاحبة للغناء، والتي كان غالبها من تلحين عطية شرارة، وانتهاءً إلى المونولوجات والمواويل وأغاني محمد فوزي الخفيفة، والأغاني الشعبية التي برع فيها مطربون كثر مثل محمد رشدي. وتفننت سامية في الرقص على ألحان فريد الأطرش بأنواعها المختلفة، من موسيقى وأوبريتات وأغانٍ استعراضية، فكان يعتبرها الأطرش مصدر الإلهام لجميع ألحانه. كما رقصت سامية على موسيقى لملحنين آخرين منهم محمد عبد الوهاب ومحمد فوزي، ومنير مراد وأحمد فؤاد حسن، وعطية شرارة وعلي إسماعيل. أما نعيمة عاكف، فكانت تغني في الكثير من رقصاتها الشرقية الاستعراضية، كما رقصت على موسيقى متنوعة لعدد من الملحنين بينهم موسيقار الأجيال محمد عبد الوهاب ومحمد فوزي وأحمد فؤاد حسن. وبقيادة الملحن علي إسماعيل، أتقنت فريدة فهمي تقديم رقصاتها المتنوعة، ليشكل الاثنان ثنائياً مبهراً يصعب على كليهما التعامل مع آخرين، الأمر الذي جعل سامية جمال تعترف بأن أصعب رقصة أدتها في حياتها الفنية كانت تلك التي لحنها علي إسماعيل في فيلم زقاق المدق الذي عرض عام 1963، وذلك بسبب صعوبة نقلاتها الموسيقية التي أرهقتها للغاية. &t=4s كما رقصت فريدة على بعض الرقصات التي لحن موسيقاها زوجها علي رضا. وتميزت سهير زكي بالرقص على ألحان أغاني أم كلثوم وعبد الحليم حافظ، وأشهرها "إنت عمري" و"أغداً ألقاك" و"ألف ليلة وليلة" و"ودارت الأيام" لكوكب الشرق. وبرعت نجوى فؤاد في الرقص بصحبة موسيقى من ألحان أحمد فؤاد حسن، كما رقصت على أنغام أغاني لحنها فريد الأطرش وبليغ حمدي.موسيقى خاصة
كما جذبت الحركات الراقصة لرائدات الرقص الشرقي انتباه كبار الملحنين وقتها، الأمر الذي دفع أحمد فؤاد حسن لتأليف مقطوعة "توحة" لترقص على أنغامها تحية كاريوكا، وجعل الموسيقار محمد عبد الوهاب يؤلف مقطوعة موسيقية لنعيمة عاكف خصيصاً باسم "عزيزة"، التي رقصت على أنغامها في الفيلم الذي يحمل الاسم نفسه وعرض عام 1954. كما ألف عبد الوهاب موسيقى راقصة لنجوى فؤاد استجابة لرغبتها، وحملت عنوان "قمر 14" وحققت نجاحاً كبيرا . أما سهير زكي، فألف لها الموسيقار بليغ حمدي مقطوعة موسيقية باسم "دندنش"، رقصت بصحبتها في فيلم المجانين الثلاثة الذي عرض عام 1970.رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ يوممقال مدغدغ للانسانية التي فينا. جميل.
Ahmed Adel -
منذ 4 أياممقال رائع كالعادة
بسمه الشامي -
منذ أسبوععزيزتي
لم تكن عائلة ونيس مثاليه وكانوا يرتكبون الأخطاء ولكن يقدمون لنا طريقه لحلها في كل حلقه...
نسرين الحميدي -
منذ اسبوعينلا اعتقد ان القانون وحقوق المرأة هو الحل لحماية المرأة من التعنيف بقدر الدعم النفسي للنساء للدفاع...
مستخدم مجهول -
منذ اسبوعيناخيرا مقال مهم يمس هموم حقيقيه للإنسان العربي ، شكرا جزيلا للكاتبه.
mohamed amr -
منذ اسبوعينمقالة جميلة أوي