بعد احتلال خبر إمكانية التقاء الرئيسين الأمريكي دونالد ترامب والروسي فلاديمير بوتين صدارة اهتمام الصحافة العالمية لأيام، أتى تأكيد الخبر، بعد اجتماع بوتين ومستشار الأمن القومي الأمريكي جون بولتون في موسكو، في 27 يونيو. ستُعقد القمة في 16 يوليو في العاصمة الفنلندية هلسنكي.
وكان ترامب قد طرح فكرة اللقاء في 21 مارس، بعدما هنأ في اتصال هاتفي نظيره الروسي على فوزه في الانتخابات. يومها، قال إنه اتفق مع بوتين على إمكانية عقد لقاء بينهما، "في مستقبل ليس ببعيد"، ما عرّضه لانتقادات شديدة، أبرزها من السناتور الأمريكي جون ماكين الذي اتهمه بتهنئته الحكام المستبدين على الفوز بانتخابات زائفة.
بحسب بولتون، سيبحث ترامب وبوتين تحسين العلاقات الأمريكية الروسية وإرساء الاستقرار حول العالم، وبحسب ترامب سيبحثان التدخل الروسي في الانتخابات الأمريكية وأزمتي أوكرانيا وسوريا و"قضايا أخرى كثيرة".
ومن المتوقع أن تكون عدة قضايا شرق أوسطية ضمن هذه "القضايا الأخرى الكثيرة". فما هي أبرز الملفات الشرق أوسطية المتوقع أن تتم مناقشتها في هذه القمة؟ وما أهمية هذا اللقاء بالنسبة للسلام العالمي بشكل عام، وللشرق الأوسط بشكل خاص؟
"صفقة" في سوريا
لن يخلو لقاء الرئيسين من حديث مطوّل حول الملف السوري الذي يعتبره الباحث في العلاقات الدولية محمد عمر "غاية في التعقيد". يقول عمر لرصيف22 إن أهداف كل من روسيا والولايات المتحدة كانت متباينة دائماً بخصوص هذا الملف، وهو الأمر الذي زاد من الأزمة وجعلها الأسوأ في العصر الحديث، مضيفاً أن العمل المشترك صار ضرورة ملحة بين البلدين، لإنهاء الحرب الدائرة هناك منذ سبع سنوات. يرى عمر أن أهداف روسيا كانت واضحة منذ البداية، وأهمها ألا يتم تغيير النظام السوري بالقوة، لكن الولايات المتحدة كانت ترى أن الأولوية هي لرحيل الرئيس السوري بشار الأسد، والقضاء على داعش، وأن تصبح هناك هيمنة أمريكية على بعض المناطق السورية. ويصف عمر الاستراتيجية الروسية بأنها كانت محددة منذ بداية الأزمة، بسبب هيمنة بوتين على القرار في بلده، لكن الأمر ليس كذلك في الولايات المتحدة، حيث هناك اختلافات عدة في الرؤى بين الإدارات الأمريكية المختلفة وداخل كل منها. يتوقع عمر من قمة بوتين وترامب المرتقبة أن تساههم في إنهاء ملف الحرب في سوريا بشكل كبير، خصوصاً أن ترامب يختلف تماماً عن سابقه أوباما في التعاطي مع هذا الملف، معتبراً أن ترامب "صار أقوى حالياً ويمكنه فرض استراتيجيته بخصوص هذه القضية التي أنهكت الولايات المتحدة كثيراً". "قد يتفق ترامب مع بوتين على إنهاء الصراع، وفتح صفحة جديدة، والعمل على وقف إطلاق النار، في عموم الأراضي السورية، والسماح لقوات النظام بالتقدم عسكرياً، والسيطرة على أماكن عدة، منها الحدود مع الأردن" يقول عمر. ويكمل أنه في المقابل ستضمن الولايات المتحدة أمن حلفائها المعارضين، وعدم سماح النظام السوري لإيران بالتوغل في جنوب غرب سوريا على مقربة من الحدود مع إسرائيل، ما قد يهدد أمن الأخيرة. ويضيف عمر أن هناك نقطة اتفاق بين روسيا والولايات المتحدة في الملف السوري، وهي ضرورة عدم وصول وصعود الإسلام الراديكالي، باعتباره تهديداً للسلام في منطقة الشرق الأوسط، وللعالم كله أيضاً. وكانت قناة "CNN" الأمريكية قد كشفت أن ترامب يسعى لإبرام صفقة مع نظيره الروسي بشأن سوريا خلال القمة، تتيح سحب القوات الأمريكية من هناك. بحسب الصفقة المقترحة ستكون القوات الحكومية السورية قادرة على فرض سيطرتها "فوق الأراضي القريبة من الحدود مع الأردن" بدعم من روسيا. ونقلت القناة عن مصادر أن الرئيس الأمريكي تحدث عن نوايا سحب القوات الأمريكية من سوريا في اجتماعه مع العاهل الأردني الملك عبد الله الثاني في البيت الأبيض. وتتوقع القناة أن يتمكن ترامب من تنفيذ اتفاق مع بوتين يتعلق بمنطقة جنوب غرب سوريا، الأمر الذي سيسمح للولايات المتحدة بالخروج من البلاد في أقرب وقت ممكن. وتعني الصفقة التي تتحدث عنها القناة الأمريكية أن تتمكن السلطات السورية، بدعم من القوات الروسية، من فرض سيطرتها على الأراضي القريبة من الحدود مع الأردن، في مقابل أن يحصل ترامب على ضمانات من روسيا تتعلق بأمن المعارضة السورية، وبألا تتواجد القوات المدعومة من إيران في جنوب غرب سوريا على مقربة من الحدود مع إسرائيل، لا سيما مقاتلي حزب الله اللبناني الذين تخشى الدولة العبرية من أن يفتحوا جبهة ضدها في الجولان.الملف الإيراني
يرى عمر أن الملف السوري لا يمكن فصله عن الملف الإيراني الذي يتوقع أن يناقشه الرئيسان في القمة. فعلى الأراضي السورية ستتلقى الولايات المتحدة من روسيا ضمانات بعدم توغل إيران في جنوب غرب سوريا على مقربة من الحدود مع إسرائيل.من المتوقع أن تكون عدة قضايا شرق أوسطية ضمن "القضايا الكثيرة" التي سيناقشها ترامب وبوتين. فما هي أبرز ملفات المنطقة التي ستوضع على طاولة القمة؟
"قد يتفق ترامب مع بوتين على إنهاء الصراع في سوريا والعمل على وقف إطلاق النار في عموم أراضيها، والسماح لقوات النظام بالتقدم عسكرياً، والسيطرة على أماكن عدة، منها الحدود مع الأردن"و"قد تنتهي القمة بتحجيم دور إيران في ملف سوريا بشكل كبير، في مقابل السماح لروسيا بالحصول على كل ما كانت تسعى إليه من أهداف منذ بداية الحرب"، يقول الباحث. وكان بوتين قد صرّح أكثر من مرة بأن روسيا ضد امتلاك إيران أسلحة نووية، وهو ما يجعل موقفه متفقاً مع الموقف الأمريكي. ويعتبر عمر أن التوصل إلى اتفاق روسي أمريكي بشأن هذا الملف لن يكون صعباً أو معقداً. وقبل فترة، لمّح تحليل لموقع بلومبيرغ إلى إمكانية تخلي روسيا عن إيران في جنوب سوريا، وإلى أن نجاح روسيا في فرض استراتيجيتها على تلك المنطقة التي لا زالت تتواجد بالقرب منها مجموعات من داعش وبعض الجماعات الجهادية الأخرى يحتاج منها أن تنسق مع إسرائيل. ونقل الموقع عن محللين قولهم إن روسيا مستعدة للتفاوض بشأن الوجود الإيراني في تلك المنطقة، خصوصاً وأن موقفها من الضربات الإسرائيلية على أهداف إيرانية عدة كان هادئاً. ووصفت الصحيفة في تحليلها روسيا بالقوة الوحيدة التي لديها اتصال مع كل من إسرائيل وإيران، وبالتالي فهي الوحيدة التي يمكنها لعب دور الوسيط في سوريا، لافتةً إلى أن إسرائيل لم تعد تضع آمالاً كبيرة على الدور الأمريكي هناك. واستبعد التحليل حدوث أي مواجهات بين روسيا وإسرائيل، مشيراً إلى أن موسكو لا تعارض أي هجوم إسرائيلي على المواقع الإيرانية في سوريا بشرط ألا يهدد ذلك الهجوم بإسقاط نظام الأسد الذي تعتبره موسكو ورقة قوية بيدها.
صفقة القرن
ولا يستبعد عمر أن تتناول القمة أيضاً ما يُعرف إعلامياً بصفقة القرن بين الفلسطينيين والإسرائيليين، مشيراً إلى أن ترامب قد يطلب من روسيا المساهمة في تمرير الصفقة مقابل خروج القوات الأمريكية من سوريا وتسليم الملف بالكامل إلى روسيا. ويتوقع عمر موافقة روسيا على العرض، خصوصاً أن لها قنوات اتصال قوية مع القيادتين الإسرائيلية والفلسطينية، كما أن التواصل بينها وبين حركة حماس قائم. وكان مساعد الرئيس الروسي لشؤون السياسة الخارجية يوري أوشاكوف قد وصف القمة بأنها ستكون "أهم حدث عالمي هذا الصيف"، متوقعاً أن يلتقي الرئيسان على إفطار عمل، ثم يعقدان مؤتمراً صحافياً مشتركاً. وتحدث أوشاكوف عن أن القمة ستتناول ملفات ضخمة، مثل الاستقرار الاستراتيجي ومكافحة الإرهاب الدولي، والمشكلات الإقليمية التي تشمل كل حالات الصراع المعروفة.رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يومينكل التوفيق ومقال رائع
Ahmad Tanany -
منذ 6 أيامتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعلا يوجد اله او شئ بعد الموت
Mohammed Liswi -
منذ أسبوعأبدعت
نايف السيف الصقيل -
منذ أسبوعلا اقر ولا انكر الواقع والواقعة فكل الخيوط رمادية ومعقولة فيما يخص هذه القضية... بعيدا عن الحادثة...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ اسبوعينمقال بديع ومثير للاهتمام، جعلني أفكر في أبعاد تغير صوتنا كعرب في خضم هذه المحن. أين صوت النفس من...