في مارس الماضي، نجت خادمة إثيوبية من موت مُحقق، حين قفزت من الطابق الثاني في البيت الذي تعمل فيه لدى مالكة دار أزياء معروفة في لبنان، هربًا مما قالت إنه تعذيب شديد ومتكرر.
حكاية الإثيوبية لينسا ليليسا واحدة من حكايات مأسوية شاع تكرار وقائعها في لبنان، إلا أن قصة الفتاة البالغة 21 عامًا، جذبت انتباه آن ماري الحاج، الصحافية في جريدة "لوريون لوجور"(L'Orient-Le Jour)، فكتبت تحقيقًا عن حياة الخادمة وما جرى لها.
يبدو أن ذلك لم يكن على هوى السلطات التي أصدرت قرارًا باستدعاء الصحافية قبل نحو أسبوع، وراحت تمارس ضغوطًا للتعتيم على الانتهاكات بحق العاملات، في وقت تطالب منظمات المجتمع المدني الحكومة بأن تتحرك سريعًا لإصلاح نظام الكفيل لعاملات المنازل، وبأن تتبنى قانونًا للعمل يحميهن ويتصدى لارتفاع معدلات الانتهاكات والوفيات بين عاملات المنازل الوافدات.
ماذا حدث مع لينسا؟
اعتاد لبنان حوادث قفز العاملات من النوافذ أو قتلهن على يد أصحاب المنازل، فضلاً عن الممارسات العنصرية ضدهن، مثل منعهن من نزول حمامات السباحة رفقة مخدومينهن. وفي الأيام الأخيرة عرفت البلاد قصة منع طفل سوداني من دخول حضانة بسبب لون بشرته. كانت الأجواء حارة والشمس باسطة نفوذ أشعتها، وصيف بيروت يبشر بالأمل لفتاة قادمة من دولة حبيسة في عمق القارة الإفريقية. كان ذلك قبل ثمانية أشهر من الحادث، حين وصلت لينسا العاصمة، ومن ثم التحاقها بالعمل في أحد المنازل بوساطة من أحد مكاتب العمالة. طوال هذه الفترة لم يسمح لها بطمأنة أسرتها والاتصال بها سوى مرة واحدة، حسب ما ورد في تحقيق آن ماري الحاج، المعروفة بمتابعتها قضايا حقوق الإنسان والفئات المُهمشة. ومع الوقت تحول أمل لينسا في حياة أفضل إلى كابوس. تأخر حصولها على راتبها ثم حصلت على 300 دولار عن العمل ثمانية شهور. وقالت العاملة الإثيوبية إن مخدوميها كانوا يضربونها يوميًّا بسلك كهربائي، ويمسكونها من شعرها ويجرّونها في أرجاء الغرفة، ويضربون برأسها الحائط يوميًا. وأمام ما واجهته من تعذيب وضغط اضطرت في نهاية الأمر إلى القفز من النافذة. مؤسسة سمير قصير اللبنانية المعنية بحال الصحافيين العرب قالت إن مكتب "مكافحة جرائم المعلوماتية وحماية الملكية الفكرية" استدعى الحاج "بسبب تقريرها حول قضية الإثيوبية التي رمت نفسها من الطابق الثاني، كي يعرفوا تفاصيل ومصادر التقرير، لكنها رفضت الامتثال لقرار الاستدعاء كونها صحافية. وهذا من اختصاص محكمة المطبوعات وليس مكتب مكافحة جرائم المعلوماتية". "طلبوا أيضًا إزالة التقرير عن الموقع الإلكتروني للجريدة عبر كتاب أرسلوه لنا بعد استدعاء الحاج، ذكروا فيه أنه وبناء على إشارة المحامي العام الاستئنافي في جبل لبنان، يجب إزالة التقرير عن موقع الجريدة، لكننا رفضنا وطلبنا نسخة عن القرار القضائي بذلك، لكنهم لم يزوّدونا بها، وحالياً ننتظر القرار وما سيحصل". كما رفضت الصحافية الامتثال للاستدعاء. وتشير تقديرات إلى أن العائلات اللبنانية تعتمد على نحو 200 ألف عاملة أجنبية، من سريلانكا وإثيوبيا والفليبين ونيبال. وتستبعد عاملات المنازل من قانون العمل ويخضعن لقواعد تنظيم الهجرة التقييدية، التي تستند إلى نظام كفالة أصحاب العمل للعمال، مما يعرض العاملات لخطر الاستغلال، ويصعب عليهن ترك أصحاب العمل المسيئين إليهن.مكتب "جرائم المعلوماتية" من اختلاق الاتهامات إلى التضييق على الصحافيين
في الأعوام الأخيرة تنامي دور مكتب مكافحة جرائم المعلوماتية، التابع لوحدة الشرطة القضائية في المديرية العامة لقوى الأمن الداخلي، هذا ما وجده تقرير مؤسسة مهارات عن "حرية الإنترنت في لبنان 2018"، الصادر في 3 مايو الماضي باليوم العالمي لحرية الصحافة. يقول التقرير إن هذا المكتب المُنشأ بصورة مخالفة للقانون، يقوم باستدعاء وترهيب الناشطين والصحافيين عبر إخضاعهم للتحقيق لساعات طويلة وإلزامهم على توقيع "تعهد الصمت" بعدم التعرض للأشخاص مجددًا في كتاباتهم كشرط أساسي لإطلاق سراحهم. وكشف "لم يطرأ أي تبدل على دور مكتب مكافحة الجرائم المعلوماتية والأجهزة الأمنية والقضائية في استدعاء ناشطين وصحافيين وتوقيفهم على خلفية التعبير على الإنترنت". واعتبر "ممارسات هذا المكتب (تشكل) خرقًا فاضحًا لحرية الرأي والتعبير المكفولة في الدستور والمواثيق والمعاهدات التي التزم لبنان في تنفيذها والتي تعتبر جزءًا من القوانين النافذة والواجب مراعاتها". وفي مايو الماضي، وجه القضاء اللبناني إلى المقدم سوزان الحاج، التي كانت تشغل منصب مديرة مكتب مكافحة جرائم المعلوماتية، تهمة "تلفيق" ملف اتهمت فيه الممثل زياد عيتاني بالتعامل مع إسرائيل، عدا أنها تولت "قرصنة مواقع واختلاق جرائم غير موجودة". وقالت تقارير صحافية إن الحاج الموقوفة عن العمل "أقدمت على ذلك انتقامًا من عيتاني" لاعتبارها أنه ساهم في تسليط الضوء على إشارة إعجاب لها بتغريدة ساخرة من قرار السعودية السماح للنساء بقيادة السيارات، ما تسبب بإحراجها ونقلها من منصبها. كما شهد العام الجاري، الكشف عن فضيحة اختراق أجهزة الأمن لآلاف الهواتف الذكية، وفق ما كشفه تقرير أمني أعدته شركتان أميركيتان تعنيان بالأمن الرقمي. بيّن التقرير أن "المديرية العامة للأمن العام في لبنان أدارت أكثر من عشر حملات على الأقل منذ عام 2012 تستهدف أساسًا مستخدمي الهواتف التي تعمل بنظام التشغيل "أندرويد" في 21 بلداً على الأقل". وقالت شركة "لوك آوت" ومؤسسة "إلكترونك فرونتير" إن الهجمات يطلق عليها اسم dark caracal، أو السنور الأسود، رغم أن مدير الأمن العام، اللواء عباس إبراهيم، نفى ذلك، قائلاً: "ليس لدى الأمن العام مثل هذه القدرات، وكنا نتمنّى أن تكون لدينا هذه القدرات". وحسب التقرير، فإن المهاجمين تمكنوا من الحصول على بيانات ضخمة تقدر بمئات الجيجابايت، تتضمن أرقام هواتف نحو 250 ألف شخص، وأكثر من 480 ألف رسالة نصية، و150 ألف اتصال مشفر ووثائق وصور ومئات المعاملات المصرفية والتجارية داخل لبنان وخارجه.رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يومينكل التوفيق ومقال رائع
Ahmad Tanany -
منذ 6 أيامتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعلا يوجد اله او شئ بعد الموت
Mohammed Liswi -
منذ أسبوعأبدعت
نايف السيف الصقيل -
منذ أسبوعلا اقر ولا انكر الواقع والواقعة فكل الخيوط رمادية ومعقولة فيما يخص هذه القضية... بعيدا عن الحادثة...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ اسبوعينمقال بديع ومثير للاهتمام، جعلني أفكر في أبعاد تغير صوتنا كعرب في خضم هذه المحن. أين صوت النفس من...